مقالات وآراء

السودان وصراع الجنرالات: هل تكون الفيدرالية المخرج؟

كفاح محمود

منذ اندلاع المواجهات المسلحة في السودان في أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، احتدم الجدل حول طبيعة الصراع: هل هو صراع عسكري محض على السلطة، أم امتداد لصراعات الهوية والانتماء التي عرفها السودان منذ انفصال الجنوب عام 2011؟

لا يمكن فصل ما يجري اليوم عن البنية التاريخية للسودان، حيث تداخلت الانقسامات العرقية والإثنية مع هشاشة الدولة المركزية، بعد انفصال جنوب السودان، الذي أنهى عقودًا من الحرب الأهلية لكنه ترك جراحًا عميقة، ظن كثيرون أن الخرطوم ستتجه نحو الاستقرار، لكن الواقع كشف أن النزاعات لم تكن محصورة بالجنوب، بل متجذرة في النسيج السوداني من دارفور إلى كردفان والشرق، في هذا السياق، برزت قوات الدعم السريع كقوة شبه عسكرية ذات امتداد قبلي وإقليمي، بينما ظل الجيش يمثل المؤسسة المركزية المرتبطة تاريخيًا بالخرطوم والنخب الحاكمة.

الصراع الحالي يتجاوز مجرد تنافس بين قائدين، إنه صراع بين مشروعين للهيمنة: الجيش السوداني الذي يسعى إلى استعادة السلطة المركزية وإخضاع المليشيات، مستندًا إلى شرعية الدولة والاعتراف الدولي، وقوات الدعم السريع التي تمثل مزيجًا من القوة العسكرية الميدانية والامتداد القبلي، وتحظى بدعم مالي وعسكري من أطراف خارجية تسعى لتأمين نفوذها في السودان وموارده.

 موقع السودان الإستراتيجي على البحر الأحمر وثرواته من الذهب والزراعة جعلاه ساحة تنافس بين قوى عربية وإفريقية ودولية، حيث تراهن بعض الدول على الجيش لضمان الاستقرار، وأخرى على الدعم السريع لخدمة مصالحها.

في ظل هذا الانقسام البنيوي، يطرح البعض الحل الفيدرالي كخيار لتفكيك مركزية السلطة وتوزيعها على الأقاليم بما يعكس تنوع السودان العرقي والثقافي، للفيدرالية إيجابيات محتملة، أبرزها تخفيف الصراع على المركز، وتمكين الأقاليم من إدارة شؤونها ومواردها، وتحفيز التنمية المحلية بما يقلل من أسباب التهميش، لكنها تحمل مخاطر جدية إذا طُبقت دون توافق وطني وضمانات لتوزيع عادل للسلطة والثروة، فقد تتحول إلى خطوة نحو الانفصال، خاصة في ظل غياب الثقة والتدخلات الخارجية الطامعة، تجربة جنوب السودان أكدت أن الفيدرالية أو الحكم الذاتي لا تنجح دون إرادة سياسية جامعة وإصلاح مؤسساتي شامل.

المشهد السوداني الحالي يوحي بأن الحرب مرشحة للاستمرار ما لم يحدث تدخل إقليمي ودولي جاد لفرض تسوية سياسية، تدمج المكونات المسلحة في عملية شاملة، وتعيد تعريف الدولة على أسس المواطنة واللامركزية الفاعلة، إذا ما تم ذلك في إطار فيدرالي متوافق عليه، قد يتحول السودان من ساحة صراع دائم إلى نموذج للتعايش السياسي والإداري، أما إذا فُرضت الفيدرالية كحل ترقيعي دون إصلاح جذري، فسيبقى خطر الانقسام قائمًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..