شهامة السودانيين التي لا تُقهر: هزمت نفاق جماعة الهوس الديني

حسن عبد الرضي الشيخ
في زمن عزّت فيه المروءة وتفشّى فيه النفاق، وفي لحظة كاد فيها اليأس أن يتمدد في صدورنا من واقع مرير دمّره الفساد والاستبداد، نهض السودانيون، كما يفعلون دومًا، ليعيدوا رسم ملامحهم النبيلة، ويثبتوا للعالم أن الشهامة في هذا الوطن ليست مجرد خُلق، بل عقيدة شعب لا يموت.الممرضة السودانية رانيا حسن أحمد علي، العاملة بمدينة تبوك في المملكة العربية السعودية، واجهت مأساة قانونية كفيلة بسحق أحلام أي مغترب.
حكم قضائي يقضي بتغريمها ٨٠٣ ألف ريال سعودي بسبب خطأ طبي في قسم الحضانة، وإلزامها بالسداد الفوري خلال أيام قلائل. لم تكن وحدها. لم تُترك لمصيرها كما يُترك الناس في أوطان شوهتها الأنظمة.
خلال أقل من ١٢ ساعة فقط، تكفّل أبناء وبنات الجالية السودانية في السعودية، ومعهم أبناء الوطن في المهجر والداخل، بسداد المبلغ كاملاً. في اثنتي عشرة ساعة فقط، قالت شهامة السودانيين كلمتها.هذا ليس حدثًا عابرًا.
هذه ملحمة إنسانية تختصر كل ما هو نقي وأصيل في شعب حاولت الحركة الإسلامية — ومن ورائها منظومة “الكيزان” — طمس ملامحه، وتشويه قيمه، واستبدال نخوته بهوس ديني أجوف، وخِسة سياسية لا تعرف للضمير طريقًا. سنوات طويلة من العبث، عمد فيها “الكيزان” إلى تحويل الدين إلى أداة للسيطرة، والنفاق إلى وسيلة للحكم، والتديّن الزائف إلى سلعة يبتزون بها الناس.
أرادوا اغتيال الشهامة السودانية واستبدالها بـ”الولاء والبراء”، وتفكيك النسيج الاجتماعي تحت شعارات “التمكين” و”التأصيل”. لكن هيهات!إن ما فعلته الجالية السودانية ليس مجرد تبرع مالي، بل صفعة أخلاقية مدوّية في وجه مشروع ظلامي ظلّ لعقود يعمل على سحق القيم واستبدالها بالطمع والأنانية والتخوين. لقد أرادوا لنا أن نكون عبيدًا لأوهامهم، نلهث خلف فتاوى مُسيّسة، نُكفّر بعضنا، ونُجامل الطغاة باسم الدين.
ولكن السوداني، حين يحين أوان الكربة، لا يسأل عن الطائفة أو الحزب أو الاتجاه. يسأل فقط: من في ضيق؟ وكيف نُفرّج عنه؟
هذه الحادثة أعادتنا إلى أصلنا. أصلنا الذي حاولوا طمسه، لكنّه أبى إلا أن يظهر. نحن أبناء مجتمع “أبو مروءة”، و”الفزعة”، و”الضل الوقف معاك”، ولسنا أبناء ثقافة السمسرة الدينية التي علّمونا إياها في سنوات القهر. لا أحد يشتري شهامة شعب، ولا أحد يُصادر نخوته. لا الفقر، ولا الغربة، ولا الحكومات الفاسدة.وللذين يظنون أن مشروع “الكيزان” قد نجح في قتل روحنا، نقول: أنظروا إلى رانيا، ثم انظروا إلى هذه القلوب التي اتحدت لأجلها من جدة إلى عطبرة، ومن الدوحة إلى تورنتو. نحن أمة لا تنكسر، حتى وإن تكالبت عليها السكاكين. أمة إذا اشتدت بها الشدة، ارتفعت رؤوسها لا خنوعًا، بل فزعةً وشهامة.في هذه القصة، لا يجب أن نكتفي بالبكاء أو الفخر العابر.
يجب أن نُدرك أن معركتنا ليست فقط مع الفقر والديون، بل مع منظومة كاملة عملت على تجريف ضمير هذا الشعب لعقود. معركتنا مع من أرادونا بلا إحساس، بلا نخوة، بلا عيون تدمع حين يُصاب أحدنا. وكل مرة يثبت السودانيون أنهم أقوى، وأنهم يعرفون الفرق بين الدين الحقيقي ودين “الكيزان” المزيف.
في الختام، نقولها بوضوح:لقد حاولتم — أيها “الكيزان” — أن تقتلوا شهامتنا، فخرجنا أكثر شهامة.حاولتم أن تنزعوا الرحمة من قلوبنا، فغمرت الدنيا من بين أيدينا.وحاولتم أن تجعلوا من الدين سيفًا مسلولًا على رقابنا، فجعلناه طوق نجاة لبعضنا.هذه بلادنا، وهؤلاء شعبنا، وهذه قلوبنا التي لن تُشترى.(هذي بلادك يا عزيز..).