السودان بين نار الحرب وأطماع الجنرالات والكيزان

حامد عثمان محمد
ما يحدث في السودان اليوم ليس خلافًا سياسيًا عابرًا ولا صراعًا حول أفكار أو برامج، بل حرب مدمرة، وقودها المواطن البسيط، وأدواتها القتل والنهب والتشريد. إنها حرب عبثية تخوضها قوات الدعم السريع (الجنجويد) والجيش، بينما الشعب هو الخاسر الوحيد.
الجنجويد مارسوا أبشع الجرائم: اغتصاب النساء، قتل الأبرياء على الهوية، حرق القرى وتهجير الأسر. الجيش، من جانبه، لم يكن بعيدًا عن ارتكاب الانتهاكات؛ فالقصف العشوائي على الأحياء السكنية والمستشفيات والأسواق صار مشهدًا متكررًا. كلا الطرفين يتحدث عن “الشرعية” و”حماية الوطن”، لكن الحقيقة أن الوطن يتمزق، والشعب يُذبح، والمدن تتحول إلى ركام.
ومع كل هذا الخراب، يظهر الكيزان من جديد، يطلون برؤوسهم من بين الركام، محاولين استغلال المأساة لإعادة أنفسهم إلى الحكم. هؤلاء هم صناع الفتن والانقلابات، وهم الذين أطلقوا يد الجنجويد منذ البداية، وهم الذين لا يتورعون عن المتاجرة بدماء السودانيين من أجل استعادة السلطة. مشروعهم واضح: إما أن يستمر الدمار والحرب، أو أن يعودوا هم ليحكموا من جديد.
لكن الحقيقة أن الشعب السوداني لم يضحِ بدمائه في ثورة ديسمبر المجيدة من أجل أن يعيد هؤلاء الطغاة إلى كراسي الحكم. السودانيون أسقطوا الكيزان بإرادتهم، ولن يقبلوا بعودتهم مهما حاولوا التلون أو ركوب موجة الحرب.
إن هذه الحرب ليست قدرًا محتومًا. ما يحدث اليوم هو نتيجة مباشرة لجشع الجنرالات وتجار الدم الذين يرون في السلطة غنيمة، لا مسؤولية. والسودان لن ينهض ما لم يرفض شعبه هذه المعادلة المسمومة: لا للجنجويد، لا للحرب، لا للكيزان.
المطلوب اليوم أن نصطف جميعًا – كمواطنين، كمجتمع مدني، كقوى سياسية نقية – في جبهة واحدة من أجل الحياة. جبهة تقول بوضوح: الحرب ليست طريقًا لبناء الوطن، بل طريق لتدميره. السلام ليس ضعفًا، بل قوة في مواجهة مشاريع الفتن والانقسام. العدالة ليست خيارًا ثانويًا، بل أساس لأي مستقبل ممكن.
السودان أكبر من الجنرالات، وأبقى من المليشيات، وأقوى من الفتن. ولن يصنع مستقبله إلا أبناؤه الأحرار، بعيدًا عن سطوة الجنجويد، وتسلط الجيش، ومؤامرات الكيزان.
فلتكن كلمتنا جميعًا: كفى حربًا.. نريد وطنًا يسع الجميع.