رحيل القامة العالمية العلمية البروفيسور أبو القاسم قور

بقلم : مها طبيق
رحل عن دنيانا البروفيسور أبو القاسم قور حامد ، أحد أبرز المفكرين السودانيين الذين كرّسوا حياتهم لبناء ثقافة السلام وترسيخ قيم العدالة والكرامة الإنسانية . ترك بصماته الواضحة في الفكر والممارسة ، فكان صوتاً عميقاً ومضيئاً في ساحات الجامعة والمنتديات الثقافية والمحافل الدولية .
أسهم في تأسيس المنتدى الأفريقي للكرامة والسيادة ، وشارك أستاذاً ومستشاراً في جامعة الأمم المتحدة للسلام بأديس أبابا عام 2013 ، حيث قدّم مقاربات جديدة لوصل قضايا الهوية بمشاريع العدالة الانتقالية . دعا بجرأة إلى استثمار الفنون والمسرح والمهرجانات الشعبية كأدوات أصيلة لتجذير ثقافة السلام ، ورأى أن الأغنية والحكاية الشعبية ليست ترفاً ، وإنما وسيلة من وسائل بناء الوعي الجماعي لقاومة الحرب والانقسام .
قدّم أطروحته الفكرية المميزة بالانتقال من “نظرية التطهير” الغربية إلى “نظرية التحمل” ، مؤكداً أن تجارب السودان تحتاج إلى إطار ثقافي ينبع من واقعها وتاريخها . مثل البلاد في محافل أكاديمية كبرى في سياتل ، وبيرغن ، وجوهانسبرغ ، وهراري ، ولوساكا ، حيث حمل صوته الرصين وأفكاره الرائدة ، فجمع بين النظرية والممارسة ، وبين المعرفة والعمل الميداني .
في قاعة الدرس كما في الميدان ، كان معلماً ومُلهمًا ، يُشرك طلابه في النقاش ويمنحهم الثقة ليكونوا شركاء في التفكير وصنّاعاً للتغيير . السلام عنده مشروعاً يبدأ من الفرد ويترسخ في المجتمع عبر قيم الاعتراف والاحترام المتبادل .
عرفته عن قرب في مركز ثقافة السلام بجامعة السودان . كان البروفيسور قور أستاذا يُلهم بقدر ما يعلّم ، يفتح النقاش بوجه بشوش وكلمات مشجعة ، ثم يحول الورشة أو الجلسة إلى فضاء حر تُسمع فيه أصوات الجميع الشباب والنساء .
برحيله يفقد السودان واحداً من أبنائه النادرين ، غير أن إرثه الفكري والإنساني باقٍ ، ومدرسته في “ثقافة السلام” ستظل منارة للأجيال المقبلة .
السلام لروحه الطاهرة ، والعزاء الصادق إلى زوجته الكريمة حواء ، ولأبنائه الأعزاء محمد ومنتصر وغالية ، ولإخوته وأسرته الممتدة ، وإلى طلابه وزملائه ومحبيه داخل السودان وخارجه . إن أوفى ما نقدمه لذكراه هو أن نواصل حمل مشعله ، ونمضي على خطاه حتى يصبح السلام ثقافة راسخة وواقعاً معاشاً .
مها الهادي طبيق
23 اغسطس 2025
رحمه الله وغفر له وجعل الفردوس الأعلى من الجنة مسكنه..جعل الله البركة في ذريته وأحسن عزاء الجميع..لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم..إنا لله وإنا إليه راجعون.