معركة كسر عظم (الجماعة)… من القاهرة إلى بورتسودان

عمار نجم الدين
من يقرأ تاريخ العلاقة بين القاهرة والإخوان منذ محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في 1954، واغتيال أنور السادات في 1981، وصولًا إلى أديس أبابا 1995، يدرك أن مصر لم تعرف معهم مهادنة. كل جرحٍ من تلك الجروح شكّل وعي الدولة المصرية، ورسّخ في عقيدتها الأمنية أن الجماعة خطرٌ وجودي لا يُعالج إلا بالبطش. عبد الفتاح السيسي، القادم من قلب المؤسسة العسكرية المصرية، لم يبتدع جديدًا حين حطّم الجماعة في مصر عام 2013، بل أعاد إنتاج عقيدة ممتدة منذ 1954: العصا فقط، بلا جزرة.
اليوم تتكرر الصورة في السودان. في بداية الحرب، حين انسحبت قوات الدعم السريع من مناطق النيل، تعاملت القاهرة ببراغماتية قاسية. كانت أولويتها حماية الحدود والمياه ومنع الفوضى من التسرب شمالًا. لذلك قبلت بالتعامل مع الجيش السوداني كعنوان للدولة، حتى لو كان بعض ضباطه أذرعًا للإخوان. لكن هذا كان «تكتيك ضرورة»، وليس «خيارًا استراتيجيًا». فالقاهرة لا تبني حساباتها على وجوه مؤدلجة تعرف جيدًا أنها العدو التاريخي منذ محاولة اغتيال عبد الناصر على يد محمود عبد اللطيف، مرورًا بحادثة المنصة التي نفذها خالد الإسلامبولي، وصولًا إلى رعاية الخرطوم لمحاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا.
البرهان يظن أنه أذكى من القاهرة. يبدّل بعض الوجوه، يحيل ضباطًا إلى التقاعد، يوزع رسائل التهدئة، يبعث بوهم الإصلاح، ويظن أن السيسي سيبتلع الطُعم. لكن القاهرة تعرف، بل وتراقب عن قرب تفاصيل الجيش السوداني ومراكز القوة داخله. مختبرات المخابرات المصرية متغلغلة في بورتسودان، وتعمل على قراءة كل خطوة وكل اسم، وتعرف جيدًا أن تبديل الوجوه لا يغير من حقيقة الانتماء. البرهان بالنسبة لمصر مجرد واجهة مؤقتة، أداة تُستعمل حتى يحين وقت الاستغناء.
واقعة اعتقال المصباح أبو زيد طلحة، قائد كتائب «البراء بن مالك»، في القاهرة خلال أغسطس 2025 ثم الإفراج عنه بعد أسبوع، كانت رسالة مزدوجة: مصر قادرة على أن تفتح باب التنسيق مع الجيش، لكنها أيضًا قادرة على أن تُغلقه متى شاءت. نزيف القيادات الإسلامية في كردفان، من بينهم مهند إبراهيم فضل الذي قُتل مؤخرًا، لم يكن صدفة عابرة، بل جزءًا من عملية استنزاف تُمهّد لحملة تصفية كاملة. أما الإحالات والتغييرات الواسعة في الجيش من بورتسودان، فقد قرأها الجميع باعتبارها محاولة مصرية لإعادة صياغة المؤسسة العسكرية بعيدًا عن الأدلجة.
الإخوان في السودان قد يراهنون على البرهان، والبرهان قد يظن أن غطاء الجيش يمنحه هامش مناورة، لكن الحقيقة أن الاثنين في فخ واحد. السؤال البسيط الذي تطرحه القاهرة: من يحمي من؟ البرهان يستخدم الإخوان أم الإخوان يستخدمونه؟ وفي النهاية، ما يهم مصر ليس هذا الجدل، بل النتيجة النهائية: جيش منزّه عن الأدلجة، وحدود آمنة، وسودان خالٍ من الجماعة التي تشكل امتدادًا طبيعيًا لعدوها التاريخي.
السيسي الذي لم يتردد في فض اعتصام رابعة بالقوة في قلب القاهرة، لن يمنح إخوان السودان أي فرصة للبقاء. التجربة المصرية منذ 2013 تقول بوضوح: لا مساومات، لا أنصاف حلول، لا قبول بأي وجود للتنظيم. كل ما يحدث الآن في بورتسودان من إقالات وتبديلات ليس سوى استجابة لضغط مصري مباشر، يفرض على الجيش السوداني أن يطهّر نفسه من الداخل.
عبد الفتاح البرهان قد يكذب على نفسه، وقد يحاول أن يبيع للإسلاميين وهمًا بأنه حاميهم من القاهرة، لكنه يعرف في داخله أن مصر ترى الجيش السوداني امتدادًا لها، وأن القرار النهائي ليس في الخرطوم بل في القاهرة. ومثلما انتهت مهمة الإخوان في مصر على يد السيسي، ستنتهي مهمتهم في السودان. فالتاريخ يقول إن القاهرة لا تنسى، ولا تغفر، ولا تنخدع بمساحيق تجميل.
اليوم يقف البرهان والإخوان على خط واحد: كلاهما يظن أنه قادر على خداع الآخر. لكن القاهرة، بخبرة سبعة عقود من الصدام مع الإسلام السياسي، تقف بعيدًا وتنتظر لحظة الحسم. وما بعد الضرورة ليس إلا مرحلة كسر العظم، والجيش السوداني لن يُسمح له أن يكون نسخة ثانية من جيش «الأدلجة». ما يريده السيسي واضح: جيش بلا إخوان، وحدود آمنة، وملف سوداني يُدار من بوابة الدولة، لا من دهاليز التنظيم.
برافو عليك استاذ نجم الدين قلت مايدور في اذهاننا فمصر
لايمكن علي الاطلاق ان تتخلي عن عمقها الاستراتيجي لفلول
اخوان الشواطين علي الاطلاق وان تأخر حسمها لهذا الملف
لاعتبارت تتعلق بمستقبل السودان قبل مصر فالتحيه كل التحيه
لمصر ولشعب مصر العظيم .