مقالات وآراء

من خارج السرب

 

مزمل عليم (موزارت)

● من اسوأ ما يحدث للإنسان هو اتباعه سياسة القطيع؛ فاللهث خلف ما يفعله الآخرون دون دراية به سوى أنه يقوم به الجميع فقط !! هذا لربما قمة التغييب والجهالة بالشيء؛ أو بمعنى آخر محاولة التجمل لارضاء الغير ومجاراتهم في أشياء قد لا تستحق على الاطلاق .
● انتشار المخدرات في كل مكان وتحديداً بين الفئات العمرية الصغيرة له علاقة وطيدة بسياسة القطيع .. فالطالب الذي يتعاطى – الآيس – قد تعلمه من طالب آخر في حرم المدرسة أو الكلية أو حتى الحي .. وعندما نرى الورش والمؤتمرات التي تتحدث عن ضرورة محاربة انتشار المخدرات في مجتمعنا نجد نفس السيد المتحدث يتعاطى مواد التدخين العادية حتى وان كانت غير – مخدرة – وتعلم تعاطيها بنفس سياسة ما يفعله القطيع؛ من صديقه أو صديق صديقه في أي مجتمع للدراسة أو العمل .. فهنا نصل لحقيقة واحدة لا ثاني لها ان المشكلة تكمُن في وعينا وليس بعمل مؤتمرات وملتقيات فكرية أو تشديد الحملات الشرطية على مكامن الجريمة فقط؛ الحل سهل اذا استوعب صغارنا في مرحلة مبكرة في حياتهم أسلوب التصرف بوعي ومعرفة ما هو صواب دون النظر لما يفعله الآخرين هنا وبكل يسر سنكون قد حللنا العُقدة وبنسبة شبه كاملة .
● الانسياق التام وراء العادات والتقاليد بصورة سلبية هو من اسوأ الاشكال في اتباع – عقلية القطيع – وما نراه من اسراف من مظاهر الزواج ما هو إلا شكل من اشكال التقليد الأعمى والذي يرتبط عندنا بمفهوم كلما زاد الصرف البذخي في الزواج وتم اطلاق الرصاص بكثافة – وقتل – عدة أشخاص بصورة خاطئة أو ربما متعمدة في بعض الأحيان !! اذا لم تحدث هذه المظاهر الخداعة في مراسم الزواج عندنا في السودان لا يعتبر هذا – عُرساً – ذو قيمة في نظر الكثيرين .. في حين يمكن الغاء كل المظاهر الكثيرة وتيسير أمر الزواج لتقليل العنوسة التي ارتقت من كونها ظاهرة الى حالة متردية وسرطانية تنخر في مجتمعنا بسبب اتباع خطوات سير – المواشي – بلا هوادة ..
● التقليد الأعمى في مجال التعليم لعله الأوفر حظاً من بين كل المجالات فعندما نقول دعوا الجميع لتحقيق رغباتهم تتدخل هنا – عقلية القطعان السالبة – وتفرض علينا ما يفعله – عَلِيَّةُ – القوم !! فدراسة ابننا أو ابنتنا لتخصصات مثل : ( الطب بكل تفرعاته ) وبعض الهندسات يرفع من شأن الأسرة ككل ويضمن كفاءة وضمان مستقبلي لهؤلاء الأبناء والبنات .. طبعاً وعلى ضوء هذه العقلية سوف ينتج لنا جيل بلا ابتكار ولا هدف وبلا تميز وسوف تظهر لنا ظواهر ( الدوران حول الحلقة المفرغة ) عدد ضخم جداً من الأطباء والمهندسين بلا فائدة حقيقية ملموسة لأن الهدف من البداية كان – التقليد – لما يفعله الجميع وليس ما نريده نحن أو ما قد نجيده بصورة متميزة .. فتربية اطفالنا على تطوير وعيهم وشخصيتهم القيادية منذ سن مبكر تجعل منهم حصن منيع ضد غزو عقلية القطعان والسباحة في تيار المجموعات بلا هدف .
● في السياسة قد تستغل الحكومات الناس وتحركهم كيفما تشأ بسياسة – توجيه سرب الطيور – في الاتجاه المحدد الذي يضمن هدف الجهة الموجهة .. وما مواقع التواصل الاجتماعي الا وسيلة مثلى لمثل هذه – البروباغاندا – التي تستخدم في التضليل والالهاء بصورة قد تفوق حد الخيال .. فالوعي فالأصل هبة ربانية ولكن وعينا الحقيقي المصقول يبدأ من نعومة الأظافر منذ الصغر ومن المنزل .. فعندها لا تستطيع أي جهة أن تغسل دماغك بأي محتوى تضليلي لا ترغب به .
● سياسة القطيع بها بعض الجوانب الإيجابية مثل التعاون والتنظيم المجتمعي؛ فهنا نفهم ببساطة أن التقليد فيما يفيد الجميع قد يكون مرغوب ومطلوب وعلى سبيل المثال مبادرات دعم الأسر الفقيرة ودعم الخريجين وتزويج الشباب والمشافي الخيرية والدواء المجاني هذه الأشياء التقليد فيها واجب لأنها تنفع المجتمع بعيداً عن الخيلاء والتعالي وتؤدي لخلق توازن مجتمعي بين الناس اشبه بما يحدث في (اوروبا) والغرب الحديث بصورة عامة؛ فالفقر والجهل في دول العالم – الأول – شيء اختياري ولا يفرض فرضاً كما يحدث عندنا؛ في دول العالم الأول سباق النجاح والتفوق متاح للجميع بلا استثناء لذلك قلنا اختيار النجاح من عدمه هو قرار خاص بك؛ اما عندنا في السودان فالنجاح والتفوق يبدأ بــ( الواسطة، الورثة، الفساد، عقلية قطيع؛ نهاية بمحاربة الموهوبين والناجحين وتمكين الفاشلين الفاسدين المدعومين ) .. نجاح الشخص العادي في دولنا (الثالثة) في منظور العالم يتطلب اعجازاً ومغامرات غير مضمونة العواقب أو اذا وجدت طريقة الى الهروب خارج الحدود ربما قد يكون السبيل الأمثل لحياتك ومستقبلك .
● من آثار الحرب على بلادنا هي زيادة معدلات الفقر وهذا يعني زيادة في معدلات الجوع والمرض والجهل والفساد الأخلاقي بكل أنواعه؛ والتقليد الأعمى في مثل هكذا أجواء ستكون نتائجه كارثية على المستويين القريب والبعيد؛ لذلك زيادة جرعات الوعي عبر الأسر للأبناء وتكثيف حملات الوعي عبر المكونات المجتمعية تحت رعاية الحكومة لتحصين مجتمعنا من تأثيرات هذه الحرب وخلق بيئة تقليد إيجابية في مبادرات الخير وتشجيع التثقيف ومساندة المُبتـكرين وكنس الأفكار الروتينية في كل المجالات؛ عندها سنجد مُـعلم مُـتمكن وطبيب مُتميز وضابط مؤهل لممارسة مهامه ومهندس مُبتكر وإعلامي غير مرتشي همه الوطن وليس (ظروف اموال) أو (اشعار بنكك) ..
● لماذا لا نتعلم بدلاً من أن نخطوا خطواتنا مع القطيع أن نتعلم السير أمامه والتحليق من فوقه؛ إخلق لشخصيتك – كينونتها – وتذكر دائماً مهما فعلت لن تخرق الأرض أو تبلغ طول السماء ولكنك تستطيع أن تكون مختلفاً ذو تأثير فعال لكل ما هو من حولك فقط أبعد من سياسة القطيع وأفعل ما تحب وما تبرع فيه مغرداً خارج السرب .كلام الختام :وما أعمارنا إلا مطاياركبناها لننزل في القبور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..