صفقة أسلحة من باكستان إلى الجيش السوداني تغيّر موازين الحرب

أصبحت موازين الحرب في السودان بين قوات الجيش والدعم السريع على وشك الدخول في مرحلة جديدة بعد معلومات نشرها موقع “دفاع وأمن آسيا” أخيرا حول قيام باكستان بالتوقيع على عقد دفاعي بقيمة 1.5 مليار دولار مع الخرطوم، في وقت تصاعدت فيه حدة الصراع في السودان، ولم تظهر ملامح مؤكدة حول تسويته سياسيا.
وتشير الصفقة إلى إصرار الجيش السوداني على تصعيد حملته العسكرية، ومحاولة حسم الأمر لصالحه، ما يفسر عدم تجاوبه مع العودة إلى طاولة المفاوضات، وأن المحادثات التي أجراها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مع مسعد بولس المبعوث الأميركي الخاص في سويسرا مؤخرا هدفها استهلاك الوقت إلى حين وصول المعدات التي تحويها الصفقة الكبيرة مع باكستان إلى البلاد.
وجرى الاتفاق على الصفقة خلال زيارة قام بها وفد عسكري سوداني رفيع المستوى إلى إسلام آباد، وتتميز حزمة الأسلحة بضخامتها وتنوعها، وتشمل أنظمة جوية وبرية ودفاعية جوية، تهدف إلى منح القوات المسلحة تفوقاً على قوات الدعم السريع.
الصفقة تحوي 10 طائرات كي8، و220 طائرة مسيّرة موزعة على أربع فئات مختلفة وذات قدرات قتالية كبيرة، و150 مدرعة
وقام قائد القوات الجوية السودانية الفريق طيار الطاهر محمد العوض الأمين، برفقة قائد الدفاع الجوي وعدد من مسؤولي هيئة التصنيع الحربي السودانية، بزيارة رسمية إلى باكستان، وخلال الزيارة التقى الوفد بوزير الدفاع الباكستاني وقائد سلاح الجو وعدد من كبار المسؤولين العسكريين في إسلام آباد، ووقعت هيئة التصنيع الحربي السودانية عقداً دفاعياً مع باكستان.
وتحوي الصفقة 10 طائرات كي 8 للتدريب والهجوم الخفيف، وهي نتاج التعاون الدفاعي بين باكستان والصين، وصُمّمت من أجل تدريب الطيارين وتقديم الدعم الجوي القريب، والطائرة مجهزة بنقاط تعليق للأسلحة جو – أرض والصواريخ غير الموجهة، ما يسمح للسودان باستخدامها كطائرة هجومية اقتصادية قادرة على تنفيذ مهام ضد قوات الدعم السريع وحلفائها في بيئات قاسية، مثل دارفور وكردفان.
ويشمل الاتفاق أيضا تحديث محركات طائرات ميغ – 21 سوفياتية الصنع، لإطالة عمر أسطولها القديم الذي ما زال يمثل عنصراً أساسياً في تشكيلات القوات المسلحة السودانية، وتستطيع ميغ – 21 المطوَّرة أداء مهام دفاع جوي وهجمات محدودة، خاصة مع دعمها بأصول جديدة من الطائرات المسيّرة.
ويعد الجزء الأبرز في الصفقة هو تسليم 220 طائرة مسيّرة موزعة على أربع فئات مختلفة وذات قدرات قتالية كبيرة ومتعددة المهام، ما يحدث توازنا في مواجهة مسيّرات الدعم السريع، والتي هددت أماكن حيوية في شرق السودان، ووصلت إلى مطار بورتسودان، وقواعد عسكرية تابعة للجيش.
ويمثل إدماج المسيّرات في عمليات الجيش السوداني تحوّلا سوف ينقله إلى عصر حروب المسيّرات الشبكية، على غرار ما حدث في أوكرانيا وناغورني قرة باغ واليمن، بالتالي يسد واحدة من الثغرات التي نجحت قوات الدعم السريع في توظيفها لصالحها ومكّنتها من السيطرة على عدد من المناطق الحيوية في ولايات الجزيرة وسنار والخرطوم، قبل أن تضطر إلى الانسحاب منها بعد معارك ضارية.
وتتضمن الصفقة 150 عربة مدرعة تقوم بتوفير حماية ضد الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة، وهو تطور نوعي سوف تشهده الحرب في السودان، ويفيد قوات الجيش في التعامل مع وحدات الدعم السريع في أماكن عديدة تتحصّن فيها.
والعنصر المهم إستراتيجياً هو نقل أنظمة الدفاع الجوي HQ-9 بعيدة المدى وHQ-6 متوسطة المدى، والأول يُقارن بالـS-300 الروسي، القادر على استهداف الطائرات وصواريخ كروز لمسافة تصل إلى 200 كم، ما يمنح الجيش السوداني القدرة على حرمان الطائرات المعادية من دخول مجاله الجوي، بينما يوفر الثاني (HQ-6) دفاعاً ضد المسيّرات والمروحيات والصواريخ قصيرة المدى.
ويشير إدراج الطائرات المسيّرة ضمن صفقة السودان إلى نية باكستان دخول سوق المسيرات العالمي، والذي شهد تقدماً، وعبر تزويد السودان وغيره بمنصات قتالية منخفضة التكلفة ومجرَّبة ميدانياً، تستهدف باكستان الدول غير القادرة على شراء الأنظمة الغربية، وتلك التي تبحث عن بدائل موثوقة للمورّدين الصينيين والروس.
ويهدد تسليم الأسلحة الباكستانية المتقدمة إلى السودان بإطالة أمد الحرب وتصعيدها ودخولها فضاءات أكثر صعوبة، فقوات الجيش يمكنها أن تحقق تفوقاً جويا حاسماً بفضل المسيّرات وأنظمة الدفاع الجوي، وتعزز العربات المدرعة قدراتها في القتال داخل المدن، وهو ما يضطر قوات الدعم السريع إلى البحث عن توازن في القوى.
وأشار التقرير إلى استبعاد أن تظل الدعم السريع مكتوفة الأيدي، وقد يقوم داعموها بعقد صفقات جديدة لصالحها، وإدخال أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة، وصواريخ دفاع جوي محمولة على الكتف، إضافة إلى توفير قنوات تمويل جديدة.
الدعم السريع لن تظل مكتوفة الأيدي، وقد يقوم داعموها بعقد صفقات جديدة لصالحها، إضافة إلى توفير قنوات تمويل جديدة
وأثارت الصفقة الكبيرة تساؤلات حول الجهة التي ستقوم بتمويلها، لأن الجيش لا يملك موارد كافية لعقد هذا النوع من الصفقات، وهو ما يرجّح وجود طرف ثالث، من مصلحته أن يحرز الجيش السوداني تفوّقا، ويحرم قوات الدعم السريع من تحقيق أهدافها، كما أن صفقة بهذا الحجم يصعب تمريرها دون موافقة الولايات المتحدة عليها، بحكم علاقتها الجيدة مع المؤسسة العسكرية في باكستان.
ويقول مراقبون إن إتمام الصفقة يعني تفوقا كبيرا لصالح الجيش، ويعني أن واشنطن ترى فيها مصلحة إستراتيجية، قد تتمثل في اتفاق بينها وبين الخرطوم على حرمان روسيا وإيران من الوصول والتمركز على سواحل البحر الأحمر في السودان.
وأكدت دورية “دفاع وأمن آسيا” أن صفقة الأسلحة الباكستانية مع الجيش السوداني قد تكون أكبر من صفقة تجارية، وتصبح مغامرة إستراتيجية ذات عواقب بعيدة المدى، فقد يتمكن الجيش من ترجيح كفته على حساب الدعم السريع، لكن في المقابل سوف يتعزز اعتماده على رعاة أجانب، ما يطيل أمد الصراع.
ويأتي تعاظم التعاون بين السودان وباكستان في وقت تشهد فيه العلاقات بين أنقرة وإسلام آباد تناميا في مجالات الدفاع والصناعات العسكرية، ويكتسب هذا الأمر أهمية في ظل ما تردد حول قيام تركيا بتوفير دعم عسكري للجيش في مجال المسيّرات.
ومع وصول الدفعات الأولى من الأسلحة سوف تراقب الأنظار ليس فقط ميادين المعارك في السودان، بل أيضاً سباق التسلح العالمي المتسارع في أفريقيا.
العرب