مقالات وآراء

حديث الكتب (١٠)

حسن عبد الرضي الشيخ

حديث الكتب (١٠)

لا إله إلا الله

يُعد كتاب “لا إله إلا الله” للأستاذ محمود محمد طه من أهم النصوص الفكرية التي تعكس جوهر مشروعه التنويري، الذي سعى من خلاله إلى تجديد الفهم الإسلامي، وتحرير الإنسان من قيود الجهل والتقليد. والكتاب ليس مجرد شرح لعقيدة التوحيد، بل هو رؤية متكاملة للإنسان، والدين، والمجتمع، والتاريخ، من منطلق الإيمان العميق بحقيقة “لا إله إلا الله” باعتبارها مفتاح الحرية الفردية والنهضة الجماعية.

“لا إله إلا الله” تحرير داخلي، إذ يرى الأستاذ محمود محمد طه أن الشهادة ليست فقط نطقًا باللسان، بل ثورة داخلية على كل سلطة خارجية تستعبد الإنسان: سلطة المال، أو الجهل، أو التقاليد، أو حتى الفهم الديني الجامد. فالتوحيد عنده ليس فقط توحيد الخالق، بل تحرير المخلوق.

ويعتبر الكتاب أن فهم الإسلام ينبغي أن يكون متطورًا عبر الزمان، مراعيًا تطور الإنسان العقلي والاجتماعي، فليس الإسلام نصًا جامدًا، بل روحًا متجددة في كل عصر.

يعيد الأستاذ طه قراءة النصوص الإسلامية ويطرح ما يسميه بـ “الرسالة الثانية من الإسلام”، وهي مرحلة أخلاقية وروحية أرقى، تتجاوز فقه الشريعة التقليدي، وتبشر بفهم جديد للإسلام، يدعو إلى بعث آيات القرآن المكي التي تسمو بنا نحو فهمٍ إنساني عميق يقوم على الحرية والمساواة والعدالة. إذ لا إكراه في الدين، حيث يرى الأستاذ محمود أن الحرية شرط للإيمان الحقيقي. وقد انتقد الأنظمة الدينية والسياسية التي استخدمت الدين لقمع حرية الفرد وإدامة الاستبداد.

يشجع الكتاب على إعادة قراءة القرآن بروح العصر، ويستنهض العقل المسلم ليستخرج المعاني الإنسانية التي تتجاوز ظاهر النصوص الفقهية التقليدية.

ويجب إعادة قراءة هذا الكتاب مرارًا وتكرارًا، لأنه سابق لعصره. فما طرحه الأستاذ محمود محمد طه في منتصف القرن العشرين لا يزال، حتى اليوم، متقدمًا على زمنه من حيث عمق الطرح وتجديد الفهم الديني. ولأن كتاب “لا إله إلا الله” يدعو للتحرر، فإننا مع كل قراءة جديدة نكتشف طبقة أعمق من دعوته للتحرر الفردي والفكري، والتخلص من العبوديات الحديثة التي لبست أقنعة الدين أو الوطنية أو الثقافة. وهو كتاب بمثابة مفتاح للنهضة، إذ إن المشروع الفكري الذي يقدمه ليس نظريًا، بل يحمل مفاتيح عملية لبناء مجتمع عادل، يضع الإنسان في مركز العملية التنموية، على أساس من الحرية والمساواة. كما أن “لا إله إلا الله” تقاوم التيارات الظلامية، وفي الوقت الذي يتعرض فيه السودان والعالم الإسلامي إلى مدّ من التطرّف والتكفير، يذكّرنا الأستاذ طه بأن الإسلام الحقيقي لا يعرف الإكراه ولا الظلم باسم الدين.

ويعاني السودان، في حاضرنا البائس، من صراعات سياسية وعسكرية، وتدهور اقتصادي، وتفسخ اجتماعي، وانقسام ثقافي، وكلها تغذيها قراءات ضيقة للدين، وغياب مشروع وطني جامع. يعيش السودان أزمة هوية، وأزمة قيادة، وأزمة أخلاق، وهي الأزمات ذاتها التي كان الأستاذ محمود محمد طه يحذّر منها. إن ما طرحه الأستاذ محمود يمكن أن يكون لبنةً أساسية في بناء مشروع وطني جديد، يقوم على الحرية والعدالة والوعي والتسامح. وإن إعادة الاعتبار للفكرة الجمهورية، وتجديد فهم الدين بما يتناسب مع الإنسان المعاصر، هو أحد أهم المسارات نحو الخروج من نفق الظلام والتبعية إلى آفاق النور والاستقلال.

نختم بالقول: “لا إله إلا الله” ليست شعارًا فحسب، بل مشروع تحرري متكامل. نجد في الكتاب دعوة لاستعادة إنسانية الإنسان، وفهم الدين كوسيلة للارتقاء لا للهيمنة. وفي بلد مثل السودان، حيث يُستخدم الدين أحيانًا كأداة للفرقة والسلطة، فإن العودة إلى هذا الفهم المتسامح والمستنير قد تكون مفتاحًا لبناء سودانٍ جديد… حر، عادل، موحد، ومزدهر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..