مقالات وآراء

العبثية في صفوف الحرب: عودة “بقال” وصراع الهويات المتغيرة

📝 أواب عزام البوشي

في مسرح الحرب، حيث تتقاطع الخطوط وتتلون الولاءات، تتحول البطولات إلى خيانة والخونة إلى أبطال في لمحة عين. المشهد لا يُفهم إلا ضمن منطق واحد: منطق العبث. هذه العبثية تجسّدت مؤخرًا في قضية “بقال”، ذلك الشخص الذي ظهر في فيديوهات قوات الدعم السريع، ليثير عودته المُعلنة عاصفة من الغضب والرفض، وكشف عن شرخ عميق في الوعي الجمعي للسودانيين.

قضية “بقال”: من العدو إلى البطل في بوستين

الأمس، كتب القائد البراء ابن مالك، وهو قائد بارز في صفوف قوات المساندة للجيش، على صفحته الشخصية على الفيسبوك، أن “بقال” لم يكن مقاتلاً في صفوف الدعم السريع، بل كان مجرد “شخص يصور فقط”. ثم أعقب ذلك ببوست ثانٍ يعلن فيه أن “بقال” “يعود قريبًا إلى حضن الوطن”، مشيرًا ضمناً إلى أنه كان عميلاً مزدوجًا أو جاسوسًا داخل صفوف العدو، وأن مهمته قد اكتملت.
لكن ردود الفعل كانت عنيفة ومُعبّرة. رفض عدد كبير من الناس هذه الرواية، مستذكرين صوره وهو بين المقاتلين، معتبرين أن مجرد وجوده هناك ومساهمته حتى لو بالتصوير هو شكل من أشكال المشاركة والولاء. تعليقات مثل: “ما قولنا ليكم دي حرب عبثية”، و”بكرة حميدتي برجع والناس بتعافي وفي ناس ماتت”، لخّصت شعورًا عامًا بالإحباط والسخرية الممزوجة بالألم. لقد كسرت عودته المتوقعة البسيطة عن الخير والشر، ووضعت الناس أمام تناقض صارخ.

” *بقال” ليس الاستثناء.. بل هو القاعدة في حرب المتغيرات*

الغريب في الأمر أن حالة “بقال” ليست فريدة. فهي تأتي في سياق سلسلة من العودات التي طالما نُشرت على أنها “انتصارات معنوية”.
· عودة كيكل، قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة، إلى الجيش وسط إعلانات أنه كان “عميلاً مخلصاً”.
· عودة أكثر من ٨ مستشارين من الدعم السريع ووصفهم بأنهم “انسلخوا” من تلك القوات.
هذه الظاهرة تفتح الباب أمام تساؤل وجودي: من هو العدو حقاً؟ ومن هو الصديق؟ الأكثر إرباكًا هو تذكّر أن العديد من القوات المساندة للجيش اليوم، كانت في الماضي القريب تحارب الجيش نفسه! وكان الجيش والدعم السريع، في لحظة ما من التاريخ الحديث، حلفاء في صف واحد، يقاتلون طرفاً ثالثاً هو من يُعتبر اليوم حليفًا للجيش.
هذا التبادل في الأدوار، وهذا التغيّر السريع في التحالفات والولاءات، لا يثير الاستغراب فحسب، بل يطرح سؤالاً جوهرياً: هل هذه حرب مبدئية على الإطلاق، أم هي صراع مصالح متغيرة، تُدفع ثمنها الجماهير بأرواحها ودمائها ومستقبلها؟

*الخلاصة: الحرب على الشاشة.. والمعاناة على الأرض*

قضية “بقال” هي مجرد عرض لمرض أكبر. إنها ترمز إلى العبثية التي أصبحت سمة بارزة لهذا الصراع. حرب تُعيد تشكيل الحقائق والولاءات كل يوم على شاشات السوشيال ميديا، بينما على الأرض، الواقع ثابت وقاسٍ: ناس تُقتل، بيوت تُدمّر، ووطن يُنهك.
الجمهور الذي يرفض عودة “بقال” لا يرفض الشخص نفسه بالضرورة، بل يرفض المنطق الذي يحاول تبرير هذه اللعبة. يرفض أن تُغسل صفحة من شارك في آلة القتل بمنشور إعلامي. يرفض أن تتحول الحرب المأساوية إلى مسلسل من “الانقلابات” الاستخباراتية التي لا يلمس نفعها المواطن الجريح تحت الركام.

في النهاية، بينما تتبارى الأطراف في تقديم “الغادرين” والمنشقين كغنائم حرب، يبقى السوداني العادي هو من يدفع الثمن الحقيقي، ضائعًا في دهاليز حرب لم يخترها، ولا يستطيع فهم قواعدها المتغيرة، لأنه ببساطة، يعيش تبعاتها الثابتة: الخراب والموت والضياع. وهذه هي العبثية في أقسى صورها.

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. إبراهيم بقال كان عضواً نشطا في المؤتمر الوطني والحركة الاسلاميه وهو لم يكن تابعا للدعم السريع أنما كان تابع لاستخبارات الجيش ومزروعا في داخل الجنجويد لتتبع اخبارهم وتحركاتهم والحرب خدعه
    وهو انسان علي خلق ومن أسرة كريمه
    عودا حميدا يا بقال لاحضان الوطن

  2. الجمهور يرفض بقال والكيزان والجنجويد والبرهان والعسكر. من تصفهم بالجمهور وانهم يرفضون عودة بقال لانه شارك من تسبب في هذا الدمار والتشريد هو تستطيح مخل لهذه الحرب وتجاهل مريب عن ما فعله الكيزان في بلادنا. الامر ليس امر منطق او امر تبرير هذا هو العبث بعينه. يا سيدي هناك دمار كامل وتشريد للملايين من دورهم وديارهم هناك نظام صنع وقنن وسلح هذه المليشيا هناك من يجب ان يتحمل كامل المسؤلية عن ما جري. نحتاج نتحدث بصدق ونحتاج ان نشير بوضوح لجرائم عصابة الكيزان في حق بلادنا. بقال وغيره وهذا الهراء الذي يقوله هذا الداعشي المتطرف هو مجرد محاولة لالهاء الناس وتضليلهم والتنضل من مسؤليتهم عن كل الجرائم التي ارتكبوها منذ استيلائهم علي السلطة وحتي اشعالهم لهذه الحرب المستمرة لحد الان. . بقال.. قال…

  3. من المقال ( كتب القائد البراء ابن مالك، على صفحته الشخصية على الفيسبوك، أن “بقال” لم يكن مقاتلاً في صفوف الدعم السريع، بل كان مجرد “شخص يصور فقط”.. )

    تعليق : ماذا عن المئات الذين حكم عليهم بالاعدام من قبل محاكم كرتي و برهان الظالمة و هم لم يضعوا ايديهم في ايدي العامة و كل التهم الموجه اليهم كانت مبنية على أساس انتم ليه ما غادرتم بيوتكم عندما استولى الدعم السريع على منطقتكم أو صورة قديمة قبل 2023 مع عسكري من الدعم السريع او لمجرد وشاية من حاقد
    المصباح نفسه لا يقاتل في صفوف الجيش بل يتصور فقط بعد انتهاء المعركة و يرسل الفلنقايات للقتال ‘

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..