مقالات وآراء

ستين ألف مرة من الجحيم … محمد الأمين ترك الزعيم الكارثة

علاء خيراوي

في أزمنة الانهيار الوطني، حين تتناثر الأرواح على قارعة الحرب، وحين يتحول الوطن إلى مسرح للدمار والخراب، لا يحق لأي قائد أو زعيم أن يجرؤ على التباهي بالموت أو المقايضة بالدماء. ومع ذلك، يخرج علينا الناظر محمد الأمين ترك بعبارة من صلب الجحيم “الحرب أفضل من الاتفاق الإطاري بستين ألف مرة.” أيُّ عبثٍ هذا؟ وأيُّ خيانةٍ للوعي الجمعي تمثلها مثل هذه الكلمات؟

إنه تصريح لا ينتمي إلى عالم السياسة بقدر ما ينتمي إلى ثقافة القبور، ثقافة من يرى في الحرائق مجدًا، وفي المقابر بطولة، وفي الأشلاء ورقة ضغط على طاولة المساومات. فالسياسة، في أبسط تعريفاتها، فنّ تجنّب الحرب وإدارة الخلاف بالعقل لا بالسلاح، وبالكلمة لا بالرصاص. أمّا أن يصبح خيار الحرب خيارًا معلنًا ومُفاخَرًا به، فذلك يعني أنّنا أمام قيادات لا تملك سوى أن تغمس شعوبها في بحور الدم كي تبرر فشلها في إنتاج رؤية، أو عجزها في الدفاع عن قضية.

ترك لم يكتفِ بتقويض معنى الاتفاق الإطاري، بما له وما عليه، بل ذهب إلى أبعد مدى في تبرير الحرب، وكأنها قدر محمود، بل وأفضل من أي حلّ سياسي! وفي ذلك انقلاب كامل على القيم التي تحترم حياة الإنسان، وتضع مصلحة البلاد فوق نزعات الأنا والقبلية الضيقة. إن مثل هذا القول ليس رأيًا عابرًا، بل هو جريمة خطابية، إذ يحوّل الحرب إلى فضيلة والتسوية إلى رذيلة.

فمن يتجرأ أن يضع ستين ألف موت فوق ورقة اتفاق؟ ومن يملك الحق ليرهن مستقبل شرق السودان والسودان كله إلى جملة طائشة تُقال على منبر شعبي؟ هذه ليست زلة لسان، بل نهج كامل من المتاجرة بالمأساة، والتلويح بالبندقية بدل أن يُلوِّح بغصن الزيتون. وهنا يكمن الخطر الأكبر، أن تتحول دماء الأبرياء إلى أداة مساومة، وأن يُختزل الوطن في حسابات ضيقة لا ترى أبعد من أرنبة القبيلة ولا تفكر إلا بمنطق القوة العمياء.

تصريح كهذا لا يصدر عن رجل سياسة يدرك مسؤوليته تجاه شعبه، بل عن مغامر خطير يساهم في توريط الأجيال القادمة في دوامة العنف المستدام. فبعد أكثر من عامين من الكارثة الإنسانية، حيث الملايين نازحون وملايين آخرون بلا غذاء ولا مأوى، يصبح من الخيانة المطلقة أن يأتي زعيم ويفضّل الحرب على أي مسار سياسي.

الاتفاق الإطاري، كان محاولة لإعادة الدولة إلى طاولة المؤسسات. رفضه المطلق يعني سقوط السودان في الفراغ، وإبقاء شرق البلاد رهينة للفوضى. ترك، بهذا الموقف، لا يدافع عن قضية الشرق بقدر ما ينسف أي أمل في استقراره، ويرهن حاضر الإقليم لمعادلات الخراب.

تصريح “ستين ألف مرة” ليس سوى تضخيم عبثي يفضح ذهنية التحشيد وإذكاء العصبيات. إنه تحويل لمعاناة الناس إلى مادة للمزايدة، واستثمار في آلام الأسر الثكلى والقرى المنكوبة. الخطاب الذي يفضّل الحرب يقتل الأمل في المصالحة الوطنية ويزرع بذور الفتنة التي قد تحرق السودان بأسره.

من أي منبر قيّمِي يمكن لزعيم أن يضع الحرب في كفة والاتفاق في كفة أخرى ثم يختار الحرب؟ أي ضمير ذاك الذي يحتفل بالموت؟ الكرامة لا تُصان بالرصاص، بل تُصان بالعدالة والتنمية وببناء دولة قانون تحترم الإنسان. أما أن تُستبدل الكرامة ببارود، فهذا سقوط أخلاقي قبل أن يكون سقوطًا سياسيًا.

ولم يكن تصريح ترك الأخير شذوذاً عن مساره، بل امتداداً طبيعياً لتاريخه السياسي الملوث بالانتماء إلى المؤتمر الوطني (الحركة الإسلامية). فقد كان مرشح الحزب في انتخابات كسلا عام ٢٠١٥، وظل أحد الوجوه التي وظّفتها الإنقاذ لتدجين الشرق وشراء ولاءات القبائل. وعندما اندلعت ثورة ديسمبر، لم يتوانَ عن الوقوف في صف النظام القديم، مستخدمًا موقعه القبلي أداة للمساومة، مرة بإغلاق الميناء الحيوي وابتزاز المركز، ومرة بالارتماء في أحضان العسكر ودعم انقلاب ٢٥ أكتوبر باعتباره خلاصاً للسودان. إن خطه السياسي لا يفارق نهج الكيزان، رفض أي تحول مدني، إقصاء القوى الديمقراطية، وتفضيل الخراب على التوافق. فما يقوله اليوم عن الحرب ليس سوى الوجه العاري لتلك المدرسة التي جعلت من العنف سبيلاً وحيداً للبقاء في السلطة.

لقد آن الأوان أن يُفهم محمد الأمين ترك على حقيقته، ليس زعيمًا قبليًا يسعى لإنصاف شرق السودان كما يدّعي، ولا سياسيًا يحلم بعدالة وطنية، بل هو امتداد صريح لنهج الكيزان الذين جعلوا من الخراب وسيلة حكم، ومن الدماء عملة للمساومة. كل مواقفه، من تاريخه داخل المؤتمر الوطني، إلى لعبه بورقة إغلاق الميناء، إلى دعمه للانقلاب العسكري، وصولًا إلى تصريحه الأخير الذي يجعل الحرب خيارًا مفضلًا “بستين ألف مرة”، ليست سوى حلقات في مسلسل واحد، مسلسل استغلال القبيلة كدرع سياسي، والمتاجرة بالمظالم لتثبيت النفوذ.

ترك لم يكن في يوم من الأيام صوتًا للشرق بقدر ما كان أداة في يد المركز حينًا، وواجهة ابتزاز حينًا آخر. رفع شعار “قضية البجا”، لكنه لم يحمل يومًا برنامجًا تنمويًا أو خطة اقتصادية أو مشروعًا حضاريًا. كل ما قدمه هو خطاب التحريض، وتجييش العاطفة، وتسليع الدماء. وحين سنحت له الفرصة ليكون رجل دولة، اختار أن يكون بوقًا للعسكر، وظهيرًا لفلول الإنقاذ، وصوتًا للموت بدل أن يكون لسانًا للحياة.

إن تصريح “الحرب أفضل من الإطاري ٦٠ الف مرة” ليس مجرد جملة عابرة، بل مرآة لذهنية سياسية مريضة ترى في الخراب خلاصًا، وفي التدمير إنقاذًا، وفي القبور مفاوضًا أقوى من العقل. إنه تكثيف لخطاب الانتحار الجماعي الذي يُراد للسودان أن يغرق فيه، بلد محاصر بالانهيار الاقتصادي، محاصر بالجوع، ممزق بالنزوح، مثخن بالدماء، ومع ذلك يظهر من يزعم أنه قائد ليعلن أن الحرب هي الخيار الأمثل! أي عبث هذا؟

يجب أن يُقال بوضوح، محمد الأمين ترك لم يعد يمثل إلا نفسه وحاشيته ومن يلوكون شعارات الماضي من فلول المؤتمر الوطني. إن البجا وقضيتهم أكبر منه، والسودان أشرف من أن يُختزل في زعيم يساوي بين الموت والكرامة. فالكرامة الحقيقية تُبنى بالسلام والتنمية والعدل، لا بالبارود والجثث. والقيادة الحقيقية ليست في رفع الصوت على المنابر، بل في حماية الناس من التهلكة، وفي وضع مصالح الوطن فوق نزوات الذات.

وإذا كان ترك قد اختار موقعه في معسكر الخراب، فعلى قوى الشرق وأهل السودان كافة أن يدركوا أن هذا الصوت لا يمثلهم، بل يمثل مدرسة قديمة لفظها التاريخ. إن شعبًا يخرج من حرب طاحنة لا يحتاج إلى قادة يرددون أن الحرب أفضل من أي تسوية، بل يحتاج إلى من يفتح دروبًا جديدة للسلام، ويعيد الثقة بين مكونات البلاد. فالتاريخ لن يرحم، والأجيال القادمة لن تغفر لمن حوّل دماءهم إلى أرقام في صفقات سياسية.

بهذا التصريح، ختم محمد الأمين ترك تاريخه بوصمة عار لا تُمحى. وسيسجله التاريخ لا كزعيم للشرق، بل كرمز لمرحلة سوداء في السياسة السودانية، حيث صار الموت بطولة، والحرب شرفًا، والاتفاق جريمة. أما نحن، فلنا أن نرفع الصوت عاليًا إن السلام مهما كان هشًا أشرف من حروبكم ٦٠ الف مرة، وإن كلمة واحدة تحفظ الدم خير من ٦٠ ألف بندقية. وشتان بين من يبني وطنًا وذاك من يحفر القبور.

فالزعامة الحقيقية تُقاس بقدرة صاحبها على حفظ الأرواح… لا على حشد الجثث.

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. عليك الله حسع تاعب نفسك ومقوم نفسك عشان حثالة زى ترك، تعرف يا كاتب المقال نوعية البرهان وكضباشي وياسر كاسات وابراهيم جابر وكرتى وترك وشيبة ضرار والاعيسر وكميل أدرس شمعون والجاكومى وغيرهم من الارزقية والسبهللية هؤلاء والله لايستحقون قطرة حبر تنزل علي ورق أبيض لابخير ولابشر لأنهم لاشيء لاشيء لاشيء.

  2. ترك رجل جاهل و لايعرف لمعنى الوطن كلمه ، هو بوق يستخدمه اسياده الكيزان الكفره الفجره وهو مثلهم فاسد كافر فاجر ، وهو بوق يسخدموه للدعايه للحرب ضد الوطن وضد الشعب لان الاتفاق الاطاري هو الذي يمثل الدستور الانتقالي للوطن والشعب وذلك لانه ينشئ حكومه مدنيه انتقاليه كاملة الدسم وانه يبعد العسكر عن السلطه .

  3. هو ناظر لقبيلة واحدة من تسعة قبائل بجاوية، تبغاه الكيزان من الثانوي،وصار لاحقا امينا لمقر بن لادن في دلتا القاش، وكان عضوا في مجلس تشريعي كسلا عن الكيزان، برز نجمه عندما دس
    الاخونجية مايسمي مسار الشرق في قضية العادلة كالسم في العسل وخطط لكيان البحر الأحمر
    وكيزان كسلا لقيادة المسار بقيادته، والهدف كان اسقاط حكومة ديسمبر، انشق منه كيزان البحر بعد انكشاف الخدعة وكرهته قباىل البجا تباعا، وانشقت منه ٣ قبائل رئيسية من قبيلته ، وكان يتلقي أوامر قفل الميناء من عمر البشير شخصيا من سجنه ويشجعه البرهان…ترق نرجسي، دموي ،مهوس زعامة، عرف البرهان مدي كره قباىل الشرق له ومقاطعتها له فحرمه من عضوية مجلسه السياسي واصبح يستقله اعطيات وحوافز مالية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..