مقالات وآراء

الشعوب العربية بين أحلام الإمبراطورية وواقع التشظي

امجد هرفي بولس

انتقلت أوروبا من حكم روما الوثنية ، الي حكم روما المسيحية الكاثوليكة تحت راية إمبراطورية رومانية مقدسة ، وكانت جميع هذه الدول مثل بريطانيا ، فرنسا ، سكسونيا ، تمثل ولايات لهذه الإمبراطورية الكنسية.
تعد جيوشها لإرسالها للحرب تحت راية الإمبراطورية وتدفع ضرائب لها .
بدأت هذه الإمبراطورية في التصدع علي وقع الإصلاح الديني اللوثري ، الذي اعقبه عهد التنوير ، ومن هنا بدأت الدولة الوطنية في الظهور ، الشيء الذي ارخ لبداية انتهاء عهد الامبراطوريات في العالم .
ظلت المنطقة العربية منذ ظهور الإسلام، تحكم بواسطة الامبراطوريات الإسلامية سواء الأموية، ام العباسية، مرورا بالايويوبية والمملوكية انتهاء بالامبراطورية العثمانية .
في الفترة الانتقالية بين الإمبراطورية العثمانية وظهور الدول الوطنية لم تمر هذه الدول بثورة إصلاح ديني كالثورة اللوثرية او ثورة تنويرية كالتي شهدتها أوروبا، بل علي العكس تماما كان الاستعمار الأوروبي هو الباعث علي ظهور هذه الدول الوطنية .
لم تستوعب الشعوب والحكومات العربية ، والتي لم تمر بفترات إصلاح ديني او عهود تنوير هذه النقلة النوعية وهذا التحول الخطير مابين ان تكون إمبراطورية وان تكون دولة وطنية .
فظلت احلام الإمبراطورية تراود هذه الشعوب والحكومات ، فتعبر عنها تارة بالناصرية، وتارة بالبعث وشعاراته واعماله العبثية مثل احتلال الكويت وغيرها ، وتارة اخري بامال رجوع الخلافة الإسلامية عبر التيارات الإسلامية وان لم يكن فعبر القاعدة او داعش.
وفي كل هذا العبث لم تدرك هذه الشعوب ان زمن الامبراطوريات أصبح مجرد هلوثات ماضوية لا عودة لها ، وان خيار الدولة الوطنية أصبح هو الحل الامثل ، لإدارة الحياة .
كان لمثل هذه الاحلام الإمبراطورية انعكاسات سيئة علي واقع الدولة الوطنية ، ففي السودان عرفت الدولة السودانية نفسها علي انها دولة عربية مسلمة ، في حين ان ثلثها غير مسلم ، وثلثيها لا يعترفون بالانتماء العروبي ، وها هو السودان يخرج من واقع الدولة الوطنية الي واقع دولتين وربما ثلاثة في المستقبل .
حلم صدام حسين بقيادة إمبراطورية عربية عبر احتلاله للكويت وعبر سيطرته علي كنوزها وعبر شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ، وها هو واقع العراق اليوم ما بين فتنة طائفية وحكم ذاتي للاكراد لم يصبح دولة تحت الضغط التركي وليس قوة الدولة العراقية .
وها هي سورية والتي منها الوليد ومنها اليزيد فلما لا تسود ولما لا تزيد ، تتهددها عواصف الطائفية والتشظي والتطرف الديني .
والامثلة كثيرة وواضحة علي ان شعوب هذه المنطقة عليها ان تسرع في ادراك ما هية دولة المواطنة ، والتي تقتضي ان لا تراودها احلام عبثية لا تتفق مع كل فئات شعبها ، وان تحترم جميع مكونات وعناصر هذه الدولة من تنوع ديني وعرقي وطائفي ، والا فإن مصير هذه الدول سيكون بكل اسف التشظي بديلا لحلم الإمبراطورية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..