مقالات وآراء

امتنانٌ لما بعد “رسالة الصلاة”

حسن عبد الرضي الشيخ

حديث الكتب (١٦)

امتنانٌ لما بعد “رسالة الصلاة”

في رحاب الكتب، يتعانق الفكر مع الفكر، وتثمر الحوارات الصادقة أزهارًا من التأمل والإلهام. وبعد الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة “حديث الكتب” التي تناولتُ فيها كتاب “رسالة الصلاة” للأستاذ محمود محمد طه، تلقيت رسالة من الأخ العزيز الأستاذ عادل سلمان، كانت بحقّ وقودًا لروحي، وأثارت في داخلي طربًا فكريًا صادقًا، لما حوته من فهم عميق، ونظرة ثاقبة، ووفاء للفكرة.

رسالة الأستاذ عادل لم تكن مجرد تعليق عابر، بل كانت إضافة رفيعة المقام، أضاءت زوايا جديدة في المقال المذكور، وعبّرت عن تجربة وجدانية حية مع رسالة الصلاة. وقد شعرت أمامها بواجب الامتنان لا المجاملة، وبالدعوة إلى إعادة قراءة الكتاب في ضوء ما كتبه، لا تكرارًا بل إحياءً لفكرة، وتوسيعًا لدائرة الفهم.

قال الأستاذ عادل:

> “رسالة الصلاة، بين روحانية الفرد ونهضة المجتمع.

تعرض الأستاذ حسن عبد الرضي لموضوع كتاب رسالة الصلاة وقد خطرت في بالي هذه الإضافة، أتمنى أن يتقبلها.

يُعتبر كتاب رسالة الصلاة للأستاذ محمود محمد طه واحداً من أكثر الكتب إثارة للتأمل والجدل في آنٍ واحد. فهو من الكتب النادرة التي أكاد أحفظ أجزاء منها والتي ساهمت مساهمة فعالة في تقوية إيماني.

فهو لا يتعامل مع الصلاة باعتبارها مجرد طقوس يومية يؤديها المسلم، بل يقدّمها كمشروع روحي وفكري شامل لإحياء الدين في نفس الفرد وفي المجتمع.

والأروع هو اعتباره أن الصلاة ليست غاية، بل وسيلة لتزكية النفس، وتحرير الإنسان من الخوف والجهل، وفتح بصيرته ليعيش في علاقة حية مع خالقه وكائن متفاعل إيجابياً مع مجتمعه.

هي نقلة من عادةٍ إلى عبادة، وآفة كل عبادة أن تكون عادة – ومن حركات جسدية إلى حضور قلبي وروحي.

والأستاذ يرى أن الفرد قد يتدرج من صلاة التقليد – كما نعرفها جميعاً – إلى “صلاة الأصالة” التي تعكس مقامه الروحي وانعتاقه وتحقيق حريته الفردية.

الصلاة ليست عملًا فرديًا منعزلًا عند الأستاذ، بل اعتبرها أساسًا لبناء مجتمع عادل متماسك، قوامه الرحمة والمساواة والتكافل.

فالحرية الداخلية التي يحققها الفرد بالصلاة تنعكس على الجماعة في شكل عدالة اجتماعية، وهو ما يجعل العبادة عند الأستاذ محمود محمد طه مشروعًا لإصلاح المجتمع قبل أن تكون شعيرة فردية.

رسالة الصلاة تؤكد أن الدين ليس شعارات ولا طقوسًا جامدة، بل دعوة لإحياء الروح وبناء إنسان حر وعادل.

وربما يكون مستقبل السودان مرهونًا بمدى قدرتنا على استلهام هذا العمق الروحي وتطبيقه عمليًا في حياتنا العامة، بالتخلص من الرغبة في العودة إلى الماضي وتطبيق ما حدث على زمن لم يعد في طاقته قبول ذلك.

ولكن رغم عمق الفكرة إلا أن الفقهاء التقليديين والذين يتمسكون بالمدلول الظاهر للنصوص عارضوها بالنصوص وأثاروا العامة على كل الفكرة.

وأعتقد أن الربط بين تجويد الصلاة وتحقيق الحرية الفردية وخلق الفرد السليم الذي يسهم في تحقيق الديمقراطية والاشتراكية سوف يساعد حتمًا في معالجة أزماتنا المرتبطة بالإسلام التأريخي والمؤسسات الدينية التقليدية، إضافة إلى الطائفية والقبلية.”

هذا النص الجميل المسبوك يختصر مشروع إعادة قراءة كتاب رسالة الصلاة في جوهره؛ أن تكون الصلاة منصة لانطلاق الإنسان نحو ذاته، ومجتمعه، وربّه، بكل صدق وحيوية وحرية. لقد أصاب الأخ عادل كبد الحقيقة حين أشار إلى أن أزمة المجتمعات الإسلامية ليست في قلة التدين، بل في جمود التعبد، وانفصال الطقوس عن المقاصد، والتمسك بالقشور دون النظر إلى ثمارها في واقع الحياة.

ما كتبه هو استدعاءٌ عاجل لاسترداد جوهر الدين من تحت ركام التقليد، وهو تحفيزٌ لي شخصيًا على مواصلة هذا الحوار المفتوح مع القراء حول الكتب التي لا تكتفي بأن تُقرأ، بل تستفز فينا أسئلة الحياة الكبرى.

فالشكر والتقدير للأخ عادل سلمان، الذي لم يضف فقط إلى موضوع مقالي عن رسالة الصلاة، بل أضاف إلى قلبي بهجة، وإلى قلمي عزمًا، وإلى هذه السلسلة أفقًا أرحب.

وإلى لقاء قريب في حديث الكتب، وحوار جديد لا ينتهي…
دمتم بألق الفكر، ونقاء القصد.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..