مقالات وآراء

الشخصية السودانية بين العاطفة والعقل (3)

عثمان يوسف خليل

الشخصية السودانية بين العاطفة والعقل (3)
بين إرث العاطفة وتحديات المستقبل:
في الجزأين السابقين توقفنا عند ملامح الشخصية السودانية، التي عرفت بالطيبة والصبر والتكافل الاجتماعي، وهي سمات منحت المجتمع السوداني روحًا خاصة وحميمية جعلت منه أكثر إنسانية في محيط كثير الاضطراب،يشهد على ذلك العدو والصديق. لكن يحب ان نعرف أن هذه السمات، على جمالها وصدقها، قد تنقلب إلى ثغرة إذا لم تُدار بوعي نقدي ورؤية عقلانية تحفظ توازنها. فالطيبة إذا لم يقابلها وعي قد تتحول إلى استغلال، والصبر إذا لم يصاحبه فعل قد يصير استكانة، والفكاهة إن لم ترتبط بالجدية قد تُختزل في التهريج. ومعروف ان السوداني في العموم لايقبل النقد..وهذه سمة من السمات المميزة للسوداني..

اليوم، ونحن في قلب التحولات الكبرى التي يمر بها السودان، تصبح شخصية السوداني أمام امتحان صعب: كيف توائم بين إرثها العاطفي العميق وحاجتها إلى عقلانية المستقبل؟

وقد أطلق الكتاب السودانيين من كل الوان الطيف، سياسيين وعلماء اجتماع وفلسفة كذلك العديد من المفكرين تنبيهات فحواها أنه يتحتم على الناس ان يحافظوا على هذا النسيج الاجتماعي الذي يعيشون فيه، فهل ينتبه اهل الحل والعقد.. لقد تناثرت حبات ذلك العقد المتين خاصة وقد ادت الحرب الاهلية الي تفكك النسيج الاجتماعي وزرعت الغبن والضغينة في قلوب الناس.. مما نتج عنه التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي بلا شك تتطلب عقلًا قادرًا على التخطيط، وإرادة تستند إلى المعرفة أكثر من العاطفة وحدها. وفي المقابل، فإن فقدان الجانب العاطفي والوجداني سيجعل الشخصية السودانية تخسر هويتها المتفردة التي لطالما شكلت صمام أمانها في وجه الأزمات.

إن التحدي الحقيقي يكمن في المزج بين الإرثين: أن تتحول الطيبة إلى قوة دافعة للعمل الجماعي، والصبر إلى طاقة بنّاءة للتغيير، والتكافل إلى مؤسسات اجتماعية واقتصادية راسخة، والفكاهة إلى وسيلة لتخفيف الأعباء لا للهروب من مواجهة الواقع.

بهذا التوازن فقط، يمكن للشخصية السودانية أن تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة تُبنى فيها مؤسسات قادرة على الاستمرار، وتُصان فيها القيم العاطفية من الذوبان في عالم مادي متسارع، ويُفتح فيها أفق المستقبل على عقلانية تُدار بحكمة القلب ووعي العقل معًا.

خاتمة تطبيقية:

إن المزج بين العاطفة والعقل ليس فكرة نظرية فحسب، بل هو ممارسة يومية يحتاجها كل فرد ومجتمع. ويمكن أن نلمس ذلك في عدة مستويات:

في التربية: أن نُربي أبناءنا على قيم المحبة والتسامح، لكن في الوقت نفسه نُعلمهم مهارات التفكير النقدي واتخاذ القرار المستقل.
في السياسة: أن يقوم الخطاب العام على الوجدان المشترك، لكنه يستند إلى برامج عملية مدروسة لا إلى وعود عاطفية آنية.
في الحياة الاجتماعية: أن نحافظ على التكافل والكرم، لكن بطريقة منظمة تضمن الاستدامة، مثل صناديق الدعم المجتمعي والتعاونيات.
في الفرد نفسه: أن يسمح لعاطفته بأن تُلهمه، لكن يضع عقلَه ربانًا يوجه تلك العاطفة نحو قرارات متزنة وبنّاءة.
بهذا الفهم، يمكن للشخصية السودانية أن تظل وفيّة لروحها العاطفية الأصيلة، وأن تعبر في الوقت ذاته إلى المستقبل بعقلٍ راشد لا يغفل عن دروس الماضي ولا عن متطلبات الحاضر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..