
بعد نشري لمقالي “سودان لا يُدهس بالبُوت: هل آن الأوان للتفكير خارج الصندوق؟”، وصلتني إضافة ثرية من الأخ عادل سلمان، قدمت نموذجًا يُحتذى به، يستحق الوقوف عنده بتأمل عميق.
نموذج اليابان: حين اختارت التنمية على التسلّح. بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، اتخذت اليابان قرارًا استراتيجيًا مصيريًا: بدلًا من إعادة بناء قوتها العسكرية، ركّزت على التنمية الاقتصادية. جاء هذا التوجه متجسدًا في دستورها الجديد، الذي تضمن مادة تمنعها من امتلاك جيش نظامي. وبذلك، أُعيد توجيه الموارد التي كانت ستُخصص للدفاع إلى قطاعات الصناعة، والتكنولوجيا، والبنية التحتية.
لكن هذا المسار لم يكن خاليًا من الترتيبات الأمنية: فقد وقّعت اليابان اتفاقًا مع الولايات المتحدة الأمريكية، يُعطي الأخيرة الحق في الدفاع عنها عند الحاجة. هذه “المظلة الأمنية” سمحت لليابان بالحفاظ على ميزانية دفاعية متواضعة، مما أتاح توجيه الجزء الأكبر من مواردها نحو دفع عجلة الاقتصاد.
الثقافة اليابانية: محرك خفي للتقدّم
إلى جانب السياسات، لعبت الثقافة اليابانية دورًا حاسمًا في التحول الاقتصادي. فقد شكّلت قيم مثل الانضباط، والعمل الجاد، والتعاون الجماعي، والولاء للشركات، أساسًا راسخًا لتعزيز الكفاءة والإنتاجية في مختلف القطاعات.
رأي الذكاء الاصطناعي: تدقيق وتوسيع في السياق
استشرت الذكاء الاصطناعي حول ما طرحه الأخ عادل، فجاء الرد مؤيدًا في المجمل، لكنه أضاف تفصيلات مهمّة لتوضيح الصورة أكثر:
١. قرار استراتيجي بعد الحرب: التنمية بدل العسكرة
هذا صحيح تمامًا. بعد تدمير شامل، خاصة نتيجة القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي، اختارت اليابان إعادة بناء اقتصادها بدلًا من سباق التسلّح. كان قرارًا عقلانيًا وواقعيًا في ظل الدمار الذي حلّ بها.
٢. الدستور الياباني وحظر الجيش
المعلومة دقيقة جزئيًا. المادة التاسعة من الدستور الياباني (المعروفة جدًا) تنص على أن اليابان “تتنازل عن الحرب كحق سيادي”، مما يعني حظر امتلاك جيش هجومي. لكنها لا تمنع وجود “قوات دفاع ذاتي”، وهي قوة عسكرية دفاعية قوية جدًا أُنشئت لاحقًا في الخمسينيات، وتُعد اليوم من بين الأكثر تطورًا تقنيًا في العالم.
٣. الترتيبات الأمنية مع الولايات المتحدة
صحيح تمامًا. وُقِّعت معاهدة أمنية عام ١٩٥١ مع الولايات المتحدة، تسمح بوجود قواعد أمريكية على الأراضي اليابانية، مقابل التزام واشنطن بالدفاع عن اليابان عند تعرّضها لأي تهديد. هذا الترتيب خفف العبء العسكري، ومكّن اليابان من استثمار أموال ضخمة في التنمية.
٤. توجيه الموارد إلى التنمية الاقتصادية
أيضًا صحيح. اليابان أبقت ميزانيتها العسكرية في حدود ١% من الناتج المحلي الإجمالي، وركّزت على التعليم، والصناعة، والبنية التحتية، والبحث العلمي. هذا ما مهّد لما عُرف لاحقًا بـ”المعجزة الاقتصادية اليابانية”، حيث أصبحت اليابان في غضون عقود ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
٥. الثقافة اليابانية كعامل دفع رئيسي
قيم العمل الجماعي، والولاء المؤسسي، والانضباط، وفلسفة “الكايزن” (التحسين المستمر) أسهمت في جعل الشركات اليابانية – مثل تويوتا، سوني، وهوندا – في طليعة الصناعات العالمية.
خلاصة القول:
ما طرحه الأخ عادل يُعد نموذجًا حقيقيًا لما يمكن أن يتحقق حين يُعاد التفكير في الأولويات الوطنية. اليابان لم تهزم فقط جراح الهزيمة، بل حوّلتها إلى نقطة انطلاق. وبينما اختارت دولٌ أخرى الغرق في سباق التسلّح والعداوات، اختارت اليابان أن تنهض… لا بالمدفع، بل بالمصنع.
فهل يمكننا – في سودان اليوم – أن نستلهم من هذا النموذج، ونفكّر بالفعل خارج الصندوق؟



