مقالات وآراء

هل أصبح الطب تجارة؟

حسن أبو زينب عمر

يا رجال العلم يا ملح البلد
من يصلح الملح إذا الملح فسد
أبو سفيان الثوري
حتى وأن أصبح توخي الصدق والأمانة والبحث عنها في زماننا هذا أشبه بالبحث عن أبرة في ظلام دامس فان كل هذا يهون على صعيد كل الأنشطة التي يمارسها البشر ولكن الجريمة تتضاعف ظلمات فوقها ظلمات حينما يتعلق بأكثر المهن إنسانية وهي الطب فلو ارتكبت أخطاء بصرف جرعة دواء منتهية الصلاحية أو خطأ من قبل طبيب متوعك الأهلية فان كل هذا في متناول الإصلاح ويمكن تداركه. لكن الذي يستوقف هنا الممارسات الوحيدة التي ترفضها شرائع السماوات والأرض وهي الاستثمار في صحة الانسان من قبل مستشفيات توهم المريض بأن حالته حتى وان كان يعاني من نزلة برد (يمكن السيطرة عليه بمضادات حيوية) تتطلب اجراء جحفل من الفحوصات تحت مبررات اطمئنان كثيرة يرتقي بعضها الى اشتباه بوجود خلايا سرطانية للسيطرة على المريض وجدانيا ونفسيا بزرع الرعب فيه وسلب ارادته بتحويله الى قطعة من العجين يفعل بها ما يشاء.

(2)

هنا تنسلخ المهنة الانسانية من ثياب العفة والأمانة والصدق (قطعة قطعة) وكأنها في صالة (ستربتيز) حد التخلي حتى عن قطعة التوت التي تستر العورة وهنا تبدأ حرب استنزاف القدرات تنهال علي المريض كالمطر عبر طلبات تقص الظهر لإجراء فحوصات يراها المستشفى ضرورية منها الرنين المغناطيسي والموجات الصوتية والأشعة المقطعية والأشعة السينية يدفع المريض كلفتها العالية صاغرا مستسلما دون نقاش للإفلات من شبح العلل ومنها المرض القاتل.

(3)

هؤلاء الأطباء أقسموا بالغليظ على قسم ابقراط الملقب بأبو الطب وأعظم أطباء عصره هو صاحب فكرة هذا القسم وهناك ميثاق الشرف النقابي العربي والقسم الطبي للمؤتمر العالي للطب الإسلامي ورابطة الأطباء في فرنسا قبل مزاولتهم لمهنة الطب وهو قسم يقول (أقسم بالله رب الحياة والموت وواهب الصحة وخالق الشفاء وكل علاج وأقسم بأولياء الله من الرجال والنساء جميعا وأشهدهم جميعا أني أفي بهذه اليمين وأرى ان المعلم لي هذه الصنعة بمنزلة آبائي وأواسي في معاشي واذا احتاج الى مال واسيته وواصلته من مالي .وأن أبتعد عن الجور والظلم والفساد) .

(4)

طلب تحاليل وفحوصات خارج سياق المرض هو الجزء الأسود من المعادلة.
ورغم أنه اعوجاج وواقع مظلم ينبغي أن يتهاوى ويتآكل مثلما تآكلت منسأة نبي الله سليمان لتعارضه مع أخلاقيات الطب الأساسية clinical ethics فانه لازال ممارسا على نطاق واسع وفق ابتزاز ممنهج ولا يستطيع أحد ان يفتح فاه احتجاجا فالآمر الناهي هي المستشفيات التي تحدد ضمن خططها أهداف للأطباء العاملين targets ويعني هذا بالعربي الفصيح رفد الخزينة بمبلغ محدد كل شهر والذي يعجز عن تأمين هذا المبلغ يعتبر شخصا غير مرغوب فيه persona non grata كما يقول خبراء قوانين الدبلوماسية حتى لو جاء من جامعات أكسفورد وهارفارد .

(5)

(أأ) تخرجت بامتياز من أحد الجامعات السودانية ونالت من الخبرات ما يدعم فرص عملها ..جلست لامتحان التخصص واحتلت المركز الثاني من جملة 300 ممتحن ..التحقت بأحد المستشفيات مسلحة بعلمها وخبراتها المتراكمة وأمانتها واخلاصها للعمل ولكن وبعد ثلاثة أشهر بالتمام والكمال حدث ما لم يكن في الحسبان ..فقد تلقت خطاب اقالة ليس لبؤس أدائها وليس لضعف مهنيتها بل بحجة عدم تحقيقها للأهداف المالية المطلوبة ..الأسئلة الحائرة المنصوبة في ظل هذا الواقع المؤلم والتي تحتاج لإجابات هنا هي أين الأخلاق أين الكفاءة بل أين ابقراط من أكل أموال السحت ؟ هل أصبح الطب سلعة تباع وتشترى ؟.

تعليق واحد

  1. االله يعطيك الصحة والعافية حسن أبو زينب ، الله لا حوج الناس لمثل هؤلاء الأطباء الذين يرغبون في تحقيق ال targets بأي صورة كانت ، هذه الظاهرة الآن اصبحت كثيرة ، وللأسف الذين لا يحققون هذا الدخل المالي من الأطباء لخزينة المركز الصحي أو المستشفى سوف يكونوا عرضة للمسألة وكذلك إنهاء الخدمات ، وهي ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل ولابد لمنظمة الصحة العالمية ان تلعب دورا بارزا في مراقبة الجودة بشكل مباشر وتطوير الأداء وتقديم الدعم الفنى والمالي لتلك المؤسسات والمرافق الصحية حتى لا تغرد خارج السرب .
    ومن ناحية أخرى يا حبيب اصبحت اعداد الخريجين من كلية الطب بصورة عامة تفوق الحاجة الفعلية لسوق العمل وعدد الأطباء أكير من عدد المرضى ولله الحمد ، ولذلك يجب على مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي تقديم النصح والإستشارة والتوعية لهذه الاجيال ، مع استحداث وتطوير المناهج لتواكب سوق العمل بتخصصات مختلفة مثل الذكاء الصناعي وغيرها .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..