“التقية” عند الإخوان المسلمين… براغماتية أم نفاق سياسي؟
سجال بين من يراها حركة مثل "الماسونية" وجودها مرتبط بالسرية والمراوغة ومن يلقي باللائمة على الحريات في المنطقة العربية

ملخص
في الحالة الخليجية كان الداعية السعودي الذائع الصيت الشيخ عائض القرني، بين أشهر من كشفوا الستار أخيراً عن بروتوكولات التيار في نسخته السعودية المعدلة، مثل “الصحوة، والسرورية”، ليروي كيف أن “السرية” كانت جزءاً رئيساً من العمل الذي يراه مجانباً للصواب، ويربي في النشء التربص والازدواجية والخديعة، وهو الذي عرف بأنه كان في التسعينيات الميلادية قبل غزو صدام الكويت أحد الصقور، الأرفع صوتاً في تمرير رسائل التنظيم، عبر الخطب والمحاضرات.
منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد حسن البنا، ظلت الحركة تقدم نفسها بوصفها مشروعاً إسلامياً إصلاحياً يطمح إلى إعادة “المجتمع المسلم” إلى نقاء الشريعة الأولى. لكن وراء هذا الخطاب العلني، نشأ داخل التنظيم نهج آخر أكثر سرية، يقوم على المراوغة وإخفاء النيات الحقيقية، وهو ما يشبه ما يعرف في التراث الشيعي بـ”التقية“، أو “النفاق” بالمفهوم الشرعي الأوسع، والمراوغة والخداع بالتعبير السياسي، لكن اتجاهات أخرى مدافعة عن التيار، ربما نظرت إلى ذلك السلوك بوصفه “براغماتية” سياسية مطلوبة في بعض المواقف، وذلك في وقت يتجدد النقاش حول جدية مراجعات التنظيم وسجالاته وحروبه في المنطقة والعالم.
المفارقة اللافتة قبل الدخول في صلب الموضوع أن التيارات العربية الإسلامية في تاريخها السياسي لم تعرف بممارسة هذا الأسلوب، بل اتسمت حركاتها بالعلنية، وإن شابها التسرع أو الفوضوية، على عكس جماعات أعجمية كالحشاشين أو بعض التنظيمات السرية في التاريخ الفارسي، لكن الإخوان قلبوا هذه القاعدة، وجعلوا من السرية والازدواجية سلاحاً استراتيجياً ما زال يثير جدلاً واسعاً حتى اليوم. إلى حد دفع باحثين مثل ثروت الخرباوي المنشق عنهم يعتبر رفاقه في التيار يتقاطعون في بعض أدبياتهم في السرية مع “الماسونية” المعروفة بسريتها الفائقة، وربما كذلك “الحشاشين”، الذين أعيد تسليط الضوء على تنظيمهم الباطني مجدداً، إثر إنتاج مسلسل يحمل اسم الحركة التي نشأت في القرن الـ11 الميلادي على يد زعميها حينئذ حسن الصباح.
استدعاء “الحشاشين”
المسلسل الذي اختصر في فيلم لاحقاً لم يكن العمل الوحيد الذي تناول الحركة المثيرة للجدل حتى اليوم، فهي بسبب طابعها المغرق في السرية، صار التسلل إلى عوالمها مغرياً عربياً وغربياً، وهو ما جعل الخرباوي يعتقد أن “الحشاشين” في الفيلم ضمير مستتر تقديره “الإخوان”، في إسقاط غير مباشر يبرز خطر أساليب التنظيم مهما تكن تسميته على استقرار الدول ونهضة المجتمعات.
واعتبر المقاربة واضحة “بين أول جماعة احترفت الاغتيال (الحشاشين)، وكيف أنها تسترت وراء الدين، وبين جماعة الإخوان التي فعلت الشيء نفسه… هاتان الجماعتان خرجتا من رحم واحد وإن اختلف زمنهما”.
ما قاله الخرباوي لم يفاجئ المتابعين لنقده التنظيم منذ انشقاقه عنه بعدما كان أحد ألمع قياداته ومحاميه، ولا سيما بعد صدور كتابه “سر المعبد” بجزأيه، الذي روى فيه وقائع، بدا أنه أراد منها هدم ذلك المعبد على رؤوس قاطنيه من خلال محاولة تقويض أفكاره من الداخل، إلا أن المختلفين معه رأوه محاكمة متحيزة، وتنفيس غضب، أو محاولة انتقام، قبل أن يتبع الكتابين بمقال روى فيه كثيراً من الأمثلة على أن “التقية” عند التنظيم كانت نهجاً وليست حالات ضرورة فردية.
النهج السري للجماعة، أغرى كذلك قوى أجنبية لتوظيف اسمها وأسلوبها في اختراق الدول. وتكشف وثائق بريطانية سرية أفرج عنها حديثاً، أن لندن استغلت شعبية “الإخوان” في الستينيات لشن حرب دعائية سرية ضد جمال عبد الناصر، عبر ترويج منشورات مزورة باسم الجماعة تهاجم الجيش المصري. وتوضح الوثائق أن رئيس الوزراء دوغلاس هوم وجّه وزير خارجيته عام 1964 للانتقام من ناصر وجعل حياته “جحيماً” باستخدام المال والسلاح، مع التأكيد على سرية العملية وإنكارها إذا انكشفت، في سياق الصراع على النفوذ في المنطقة.
السرية والتقية
في الحالة الخليجية كان الداعية السعودي الذائع الصيت الشيخ عائض القرني، بين أشهر من كشفوا الستار أخيراً عن بروتوكولات التيار في نسخته السعودية المعدلة، مثل “الصحوة، والسرورية”، ليروي كيف أن “السرية” كانت جزءاً رئيساً من العمل الذي يراه مجانباً للصواب، ويربي في النشء التربص والازدواجية والخديعة، وهو الذي عرف بأنه كان في التسعينيات الميلادية قبل غزو صدام الكويت أحد الصقور، الأرفع صوتاً في تمرير رسائل التنظيم، عبر الخطب والمحاضرات.
وقال في إحدى مراجعاته قبل نحو عام، إنه عرف أخطاء التنظيم من قرب، “ولأنها فشلت عبر كل السنين الماضية في تهذيب سلوكها، وجب عليها حل نفسها، وترك المسلمين وشأنهم، فقد جرت عليهم من الصراعات والفتن ما يفوق طاقة احتمالهم”. وقال في حوار مع “اندبندنت عربية” حينها إن إظهار الدعوة إلى الناس وإخفاء الأهداف الحقيقية وممارستها سراً “عمل يسيء إلى الإسلام، فالسرية تعني أن هناك شيئاً مبيتاً، ولا يختفي الإنسان إلا لأن فيه لبساً. ولذلك يقول عمر بن عبدالعزيز ’إذا رأيت الناس يتناجون في دين فاعرف أنهم على الدسيسة‘، فمن أين أتت هذه الجماعة بتحويل الدين إلى بروتوكولات وألغاز وأسرار؟”.
في هذه الأيام خرجت أصوات سورية، تدعو إلى مثل قول القرني، ودعت الجماعة في دمشق إلى حل نفسها، باعتبار ضررها أكثر من نفعها في أحسن الأحوال، وأنها “لم تعد قادرة على مواكبة المرحلة التي تعيشها سوريا”، بحسب تعليق كثير من النشطاء السوريين المحسوبين على الرئيس أحمد الشرع، خصوصاً الصحافي أحمد زيدان، الذي قال إنه كان من المنتمين للتنظيم، ومع ذلك صار الآن من الداعين إلى حلها.
الأكاديمي السعودي عبدالله الجديع، يؤكد من جهته أن “التقية” عند التنظيم في الخليج كانت عنصراً أساساً في عملها، الذي رأى أن أفضل شيء يخبرنا عنه وبأنه ليس مرحلياً أو لإدارة فترة بعينها، وإنما بند أصيل في تفكير التيار، ما خلفه المنظر الرئيس للتنظيم في العراق والخليج محمد أحمد الراشد (عراقي) الذي شكل بكتاباته ما يشبه دستور عمل، لشدة حساسيته لا ينبغي أن يطلع على بعضه إلا الصف الأول من القادة.
ويشير إلى أن الراشد على رغم انتشار كتابه “المسار” الذي يدرس في الحلقات الإخوانية التي يسمونها “الأسر”، إلا أن كتابه الأشد خطراً، هو “أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي” الذي “لا يقرأه منهم إلا الصف القيادي حتى لا يلاقي اعتراض المغرر بهم، وهو في أربعة مجلدات، يشرح فيه نظريات الإخوان في التقية السياسية”، مؤكداً أن التطبيقات انطلقت من الشعارات التي رفعتها الجماعة، مثل “الإسلام هو الحل”، والدفع بـ”تطبيق الشريعة الإسلامية”، ومحاربة “البنوك الربوية” من خلال بياناتها وتنظيرها المعلن، لكن حسب الجديع “نظرت داخلياً بخلاف كل تلك الشعارات بهدف الاستقطاب وتوسيع قاعدتها الجماهيرية التي كانت تحصد نتائجها في الانتخابات في دول عدة”.
المنظر الرئيس للتقية
يبرز الراشد في كتابه تحت عنوان “تطبيقات في السياسة الدعوية لقواعد المصالح والضرورات” [ج2، ص143] الأسس التي تقوم عليها براغماتية جماعة الإخوان، إذ يورد شواهد مثل “دخول بعض الدعاة الوزارة في حكومات علمانية” باعتباره اختراقاً يخدم الجماعة، ويشير إلى تعاملها مع الحكومات بمنطق المصالح، فإذا اعتقل بعض أعضائها وصفهم بـ”رهائن”، فتشن الجماعة حملات إعلامية وسياسية حتى تفرج عنهم، وكأنهم خارج القانون. كما يذكر الراشد صراحة “رشوة ضباط الاستخبارات والإداريين” ويقيسها على “دفع مال للكفار”، في تعبير يعكس رؤية تكفيرية للدول التي تعتقل عناصر الجماعة حتى لو كانوا منتمين لتنظيمات مسلحة.
ويمضي الراشد في وصف هذا النهج ليؤكد أن الجماعة لا ترى حرجاً في “التوظف في البنوك وسلك القضاء على رغم وجود التعامل الربوي، والحكم بخلاف أحكام الحلال والحرام”، إذ تعتبر ذلك ضرورة لتأهيل كوادرها سياسياً واكتساب خبرة داخل مؤسسات الدولة، على اعتبار أن الهدف الأسمى هو التمكين للحكم.
وهكذا يخلص الباحث الجديع إلى أن الشعارات من قبيل “الإسلام هو الحل” ليست سوى غطاء دعائي، بينما الواقع يكشف ممارسة قائمة على الميكافيلية وتوظيف كل الوسائل الممكنة، من الرشوة إلى اختراق المؤسسات، لبناء دولة داخل الدولة بعيداً من القيم والمبادئ التي ترفعها الجماعة في خطابها العلني.
لكنه أقر بأن ذلك ليس طارئاً، فقد تأسس “الإخوان” منذ البداية على “التقية”، من جانب حسن البنا الذي رفع شعارات الإصلاح الديني والاجتماعي بينما كان يخفي هدفه السياسي بالوصول إلى السلطة، فكان يأخذ البيعة سراً وأنشأ “الجهاز الخاص” الذي تورط في العنف والاغتيالات. ثم جاء سيد قطب ليمنح الجماعة بعداً فكرياً جديداً، فطرح مفاهيم الحاكمية والمجتمع الجاهلي والمفاصلة، ورأى أن الجماعة هي “العصبة المؤمنة”، مستنداً إلى تأويلات نسبها للقرآن لكنها عكست رؤيته الخاصة.
بين الخليج ومصر وتركيا
بدأت علاقة السعودية ودول الخليج بالإخوان المسلمين منذ الخمسينيات، حين لجأ عدد من قادة الجماعة إلى المملكة هرباً من ملاحقات نظام جمال عبدالناصر في مصر، فوجدوا ملاذاً آمناً ومجالاً للتأثير عبر التعليم والجامعات والجمعيات الخيرية، مما أسهم في تشكيل نخب فكرية ودينية داخل الخليج. وبعد هزيمة 67 وتراجع المد القومي وصعود الطفرة النفطية في السبعينيات، اتسع زخم ونشاط الإخوان في العمل التربوي والاجتماعي، لكن بروز مشروعهم السياسي وارتباطهم بتنظيمات عابرة للحدود أثار قلق الأنظمة الخليجية.
جاء الغزو العراقي للكويت عام 1990 ليكشف التباين حين أيدت قيادات إخوانية الغزو وشكلت جبهة متعارضة مع سياسات السعودية والخليج، مما أحدث شرخاً عميقاً. ومنذ أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 ثم الربيع العربي 2011، ازدادت الشكوك تجاه الجماعة باعتبارها وقوداً ثورياً وإرهابياً للمتطرفين وقوة سياسية تسعى إلى زعزعة الاستقرار، فبدأت مرحلة القطيعة العلنية عبر إدراجها كتنظيم إرهابي في السعودية والإمارات والبحرين، وصولاً إلى يومنا هذا إذ تلاشت مساحة تأثيرها المباشر في الخليج بعد الإصلاحات التي نفذتها الرياض والكويت أخيراً، وإن بقي إرثها الفكري حاضراً في بعض الأوساط.
من جهته يكشف الباحث المصري هشام النجار عن وقائع، قال إنها أظهرت ازدواجية عمل الحركة بين ما تظهر وما تخفي، لافتاً إلى أن التقية عند الإخوان ليست بالمعنى العقائدي عند الشيعة مثلاً، بل “تكتيك سياسي، يظهرون عبره التماهي مع الدولة علناً بينما يبنون تنظيمهم سراً، بخطاب مزدوج: وطني إصلاحي في العلن وأممي أيديولوجي في الداخل”.
ورأى أن الأزمات مثل حرب الخليج والربيع العربي أشهر الأدلة على ذلك “ففي الخليج قدم كثير منهم أنفسهم كأكاديميين أو دعاة رسميين، لكنهم عند غزو الكويت رفضوا الاستعانة بالقوات الأجنبية، فبان انحيازهم للخطاب الإخواني العالمي ضد سياسات دولهم. وفي مصر منحهم مبارك هامشاً واسعاً في الجامعات والنقابات والبرلمان، لكن بعد ثورة تونس استغلوا المناخ الثوري للانقضاض على السلطة، فأعلنوا أنهم لن يرشحوا رئيساً ثم دفعوا بمرسي بعد استبعاد الشاطر، في نموذج لإخفاء النيات”.
أما تركيا فاعتبروها وفق النجار منذ أربكان إلى أردوغان نموذجهم الناجح في الجمع بين الإسلام السياسي وصندوق الانتخابات من دون الالتفات إلى تناقضاتها مع ما ينادون به من قيم اجتماعية ودينية، وذلك “في انتقاد الأنظمة العربية وتجاهل تناقضات أنقرة، وحتى بعد سقوطهم في مصر وسوريا ظلوا يرون فيها الملاذ والنصير”.
مراوغة باسم الإسلام
يسوق بعض المتعاطفين مع الجماعة حجة أن ظروف قمعها في دول نشأتها الأولى مثل مصر، أو استضافتها في الخليج المحافظ اجتماعياً بطبعه ولا يسمح بعمل الأحزاب السياسية، يجعلها في مناخ يحوجها إلى العمل بسرية لتمارس نشاطها السياسي، إلا أن تلك الحجة لا تستقيم عندما تظهر قراءات نقدية عدة للتيار في أوساط الدول الغربية الأكثر انفتاحاً، وهي تمارس “التقية” نفسها والازدواجية والتناقض والخديعة، بحسب محللين وأجهزة أمنية، راقبت نشاطها في الداخل البريطاني والفرنسي على سبيل المثال.
تلك الخطوة جعلت كثراً يرون التنظيم حول “التقية” إلى أداة سياسية ممنهجة، وليست مجرد تكتيك ظرفي. فبينما يرفعون شعارات الإسلام والهوية الدينية في مجتمعاتهم، تراهم في الغرب يقدمون أنفسهم كقوة إصلاحية منفتحة على الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات، بل حتى المثليين، في مشهد لا يخلو من التناقض. هذا الخطاب المزدوج جعلهم محل انتقاد ليس فقط من خصومهم، بل حتى من باحثين غربيين رأوا أن الجماعة تمارس “سياسة وجهين” تربك المجتمعات التي تستضيفها.
كتاب “التقية! لعبة الإخوان المسلمين في السياسة الفرنسية” الصادر عن دار فايار الفرنسية مثلاً، يوثق كيف أتقن الإخوان في فرنسا خطاباً مزدوجاً: واحد موجه للسلطات والرأي العام الفرنسي يتحدث عن الاعتدال والاندماج، ووجه آخر داخل المجتمعات الإسلامية المهاجرة يركز على الهوية والانفصال عن قيم الجمهورية. المؤلف يصف ذلك بأنه “نفاق سياسي” يشوه صورة الإسلام نفسه، لأنه يربط الدين بأساليب المراوغة.
بحسب صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، فإن جانباً من هذا النقد يعكس رغبة واضحة لدى النخب السياسية والإعلامية الفرنسية في شيطنة الإسلام والمسلمين بصورة متزايدة، بما يعمق مناخاً غير صحي قد يقود إلى انقسام مجتمعي خطر.
وفي بريطانيا، أشار تقرير برلماني عام 2015 إلى أن جماعة الإخوان تتعامل مع القوانين البريطانية بـ”براغماتية انتقائية”، إذ تستفيد من هامش الحريات لتكوين شبكات ضغط، فيما تواصل دعم حركات مرتبطة بالتطرف في الشرق الأوسط. وهو ما عبر عنه أحد النواب البريطانيين بقوله “الإخوان يقولون للديمقراطية ما تريد أن تسمعه، لكنهم في العمق يرفضونها إن لم تأت بهم إلى الحكم”.
من مواجهة الغرب إلى طلب وده سراً
واحدة من أبرز المفارقات أن الإخوان تحولوا خلال قرن تقريباً من خطاب “كيف نواجه أميركا؟” إلى “كيف نحصل على رضا أميركا وإسرائيل؟”. هذا ما يدافع عنه الكاتب المصري النجار، إلى جانب كتاب “الإخوان المسلمون والغرب” الذي أخرج مركز الملك فيصل للبحوث الإسلامية ترجمته إلى العربية 2020، وفيه روى الباحث مارتن فرامبتن “قصة تذبذب الجماعة بين عداوة الغرب والارتباط به”، فالكتاب يبين أن الجماعة، على رغم خطابها العدائي العلني تجاه الغرب، بنت في الواقع علاقات وثيقة مع أجهزة استخبارات ودبلوماسيين غربيين، خصوصاً في مراحل ما بعد الحرب الباردة، حيث تم استثمارها كقوة توازن ضد الأنظمة القومية واليسارية.
النقطة الأكثر حساسية هي أن هذا النهج، في نظر عدد من المفكرين، لا يسيء للإخوان وحدهم بل للإسلام ككل. ففي فرنسا، على سبيل المثال، صارت صورة المسلمين مرتبطة في الإعلام بجدل “الإسلام السياسي” و”ازدواجية الخطاب”، مما غذى التيارات اليمينية المتطرفة وظاهرة “الإسلاموفوبيا”. ويقول الباحث حكيم القروي، مستشار الحكومة الفرنسية في ملف الإسلام، إن “الإخوان يقدمون صورة الإسلام كدين مراوغ، بينما الغالبية العظمى من المسلمين أبعد ما تكون عن هذه العقلية”.
تقية أم سياسة؟
يذهب بعض المؤيدين للإخوان إلى أن هذه الممارسات ليست “تقية” بل “براغماتية سياسية”، وأن الجماعة، مثل غيرها من القوى، تسعى إلى البقاء والمشاركة في السلطة. لكن الإشكال في نظر كثر، أن الجماعة تتحدث باسم الإسلام، في حين يجمع كبار المفكرين والمفتين في العالم الإسلامي أن شأن رسالة الإسلام أعظم وأكبر من استغلاله لأجل تحقيق غرض شخصي أو انتصار حزبي، كثيراً ما وضع الإسلام والمسلمين في دائرة الاتهام والملاحقة من دون ذنب.
ويحاول المؤيدون ربط نقد الجماعة في الغرب بأنه مرتبط بكراهية الإسلام الآخذة في التوسع، إلا أن كثيراً من المراقبين يحملون الجماعة والتيارات الجهادية والإرهابية المنبثقة عنها الجزء الأكبر في الأقل من تلك الصورة.
وقد وصفت جماعة الإخوان المسلمين في المراجعة البريطانية بأنها إشكالية، إذ اعتبرت العضوية فيها أو الارتباط بها “مؤشراً محتملاً إلى التطرف”، مما شكل أساساً لحملة إعلامية عربية وغربية كررت هذا الوصف بوصفه وصمة مرتبطة بالجماعة.
وعلى رغم أن بريطانيا لم تحظر التنظيم رسمياً، فإن النتيجة الأبرز كانت تشويه سمعته والتعامل معه ككيان سلبي لا يحظى بالشرعية السياسية الكاملة، مع ترك هامش من الغموض، إذ أشير في المقابل إلى بعض الحركات المستوحاة من الإخوان، مثل حركة النهضة التونسية، حسب وصفهم.
التعريف الجديد للتطرف في بريطانيا منذ 2024 أعاد التنظيم إلى قلب النقاش السياسي والإعلامي حول أمن المجتمع. هذا الربط أضر كثيراً بصورة المسلمين عموماً، إذ وسع دائرة الاشتباه لتشمل جمعيات وأفراداً لا علاقة لهم بالعنف، وزاد من ضغوط المراقبة والوصم في حق الجالية المسلمة، بينما يجري الحديث في أميركا عن تحرك مماثل يبحث إمكان تصنيف “الإخوان” جماعة إرهابية.
ويصعب تجاهل أن سلوك الجماعة، من ازدواجية خطابها بين الإصلاح العلني والأجندة السياسية الداخلية، إضافة إلى استغلال الأزمات مثل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، منح خصومها مادة قوية لتبرير هذا التصنيف، مما جعل المسلمين يدفعون ثمن ممارسات تنظيم يسعى إلى التمكين السياسي أكثر من رعايته للمجتمع.
اندبندنت عربية