مقالات وآراء

بين بورتسودان وحكومة التأسيس: أي شرعية لمقعد السودان الدولي

 

فتح قرار رئيس وزراء حكومة التأسيس محمد حسن التعايشي بتعيين الدكتور قوني مصطفى شريف مندوبا دائما للسودان لدى الأمم المتحدة، الباب واسعا أمام التساؤلات حول إشكالية شرعية التمثيل في المنظمة الدولية، المعروفة بأنها لا تعتمد سوى مندوب واحد لكل دولة عضو. ومن ثمّ، فإن هذه الخطوة تبدو في جوهرها أقرب إلى الحرب النفسية والرسالة السياسية الرمزية منها إلى إجراء عملي مباشر. فممثل سلطة بورتسودان الانقلابية، الذي قدّم أوراق اعتماده إلى الأمين العام للأمم المتحدة عام 2022، لا يزال المندوب المعتمد بحكم الأمر الواقع.

لقد حاولت السلطة الانقلابية في بورتسودان استغلال هذا الوضع لتسويق نفسها كسلطة شرعية، غير أن مسعاها لا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون. ويعود ذلك إلى أن لجنة اعتماد المندوبين في المنظمة الدولية (Credentials Committee)  ليست مرجعا حاسما في تحديد شرعية الحكومات، لاسيما في حالات الانقلابات العسكرية. فآليات المنظمة، وخاصة مجلس الأمن، تخضع لمعادلات النفوذ والمصالح أكثر مما تستند إلى مبادئ الديمقراطية أو قواعد الشرعية الدستورية.

في الواقع، لم يكن مجلس الأمن في السنوات الأخيرة ـ وربما في أي وقت مضى ـ على مستوى تطلعات الشعوب في الحرية والديمقراطية والحكم الرشيد. وظل تعامله مع الانقلابات العسكرية ضعيفا ومترددا وعاجزا. فمنذ انقلاب ميانمار في شباط – فبراير 2021، مرورا بانقلابات مالي وتشاد وغينيا في العام نفسه، وانتهاءً بانقلاب 25 تشرين الأول – أكتوبر في السودان، اتسمت ردود فعل المجلس بالضعف. ففي حالة السودان، استغرق المجلس بضعة أيام ليصدر بيانا صحفيا، وهو أضعف أدواته الدبلوماسية، أعرب فيه عن قلقه البالغ إزاء الاستيلاء العسكري على السلطة. ويُلاحظ أنه تجنّب حتى استخدام كلمة “انقلاب”، مكتفيا بالحديث عن “استيلاء عسكري على السلطة”.

وبحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية حول أسباب تعثّر مجلس الأمن في الاستجابة القوية للانقلابات العسكرية، الصادر في كانون الثاني – يناير 2022، هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء تباطؤ المجلس وعجزه في هذا الملف:

◄ كما تتنازع القوى المحلية على تمثيل الشعب وإرادته، يتجلّى النزاع نفسه في الساحة الدولية، حيث تُختبر إرادة المجتمع الدولي وقدرته على الانحياز لمبادئ الديمقراطية لا لمعادلات القوة

أولا، الارتباك ونقص المعلومات في الأيام الأولى لأي انقلاب، مما يدفع الدبلوماسيين إلى الاجتماعات المغلقة وانتظار توجيهات عواصمهم.

ثانيا، الخلافات الجيوسياسية بين الدول الكبرى؛ إذ تميل روسيا والصين إلى حماية الانقلابيين، بينما تركّز الدول الغربية على مصالحها الأمنية أكثر من دعمها للديمقراطية.

ثالثا، ضعف النفوذ المباشر للمجلس على قادة الانقلابات، الذين غالبا ما يرفضون الضغوط الخارجية أو يماطلون في تنفيذ أي التزامات.

وفي مواجهة هذا الواقع، أشار التقرير إلى أن مجلس الأمن صار يعتمد على المنظمات الإقليمية مثل “آسيان”، و”إيكواس”، والاتحاد الأفريقي للتعامل مع الانقلابات، وكأنها غطاء لعجزه. والنتيجة هي تآكل القاعدة الدولية المناهضة للانقلابات، وتراجع الثقة في قدرة المجلس على حماية الأنظمة الديمقراطية.

خلاصة القول، إن اعتماد مندوب سلطة بورتسودان لدى الأمم المتحدة لا يمنحها شرعية حقيقية، لا ديمقراطية ولا قانونية. فهي سلطة انقلابية تفتقر إلى التفويض الشعبي، ولم تأتِ عبر عملية دستورية أو انتخابية. صحيح أن بعض الدول تتعامل معها، وأن الأمم المتحدة ـ بسبب انقساماتها وعجزها ـ تسمح لقائد الانقلاب بمخاطبة الجمعية العامة، وتتواصل مع حكومته في قضايا المساعدات الإنسانية وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، لكن ذلك لا يرتقي إلى شرعية سياسية أو قانونية، بل يظل مجرد “شرعية الأمر الواقع”.

أما خطوة حكومة التأسيس بتعيين مندوب للسودان لدى الأمم المتحدة، فهي تظل خطوة رمزية أكثر منها عملية، لكنها مع ذلك تضع الصراع حول الشرعية في الواجهة الدولية. وفي نهاية المطاف، يظل مقعد السودان في المنظمة الدولية مرآةً دقيقة للصراع الداخلي والإقليمي والدولي حول الشرعية السياسية، أكثر من كونه منصبا إداريا شاغرا.

إنّ الصراع على مقعد السودان في الأمم المتحدة ليس مجرد جدل إجرائي حول اعتماد مندوب أو قبول أوراق اعتماد، بل هو انعكاس مباشر لمعركة الشرعية الدائرة داخل البلاد. فكما تتنازع القوى المحلية على تمثيل الشعب وإرادته، يتجلّى النزاع نفسه في الساحة الدولية، حيث تُختبر إرادة المجتمع الدولي وقدرته على الانحياز لمبادئ الديمقراطية لا لمعادلات القوة. وبذلك، يصبح مقعد السودان في المنظمة الأممية رمزا لمستقبل العملية السياسية برمّتها: إمّا أن يمهّد الطريق لبناء دولة شرعية دستورية تستمد قوتها من الشعب، أو أن يظل شاهدا على إطالة أمد شرعية الأمر الواقع.

العرب

تعليق واحد

  1. لقد أصبح الشعب السوداني بين حجري رحى: أحدهما عميل لمصر؛ وهو حكومة بورتسودان ومن ورائها عسكر وكيزان الإنقاذ الفاسدون. والآخر عميل لدويلة لإمارات؛ وهو حكومة تأسيس ومن ورائها الجنجويد ومطاريد مدنيين لا يمثلون إلا أنفسهم.
    كلهم عملاء لا يهمهم السودان كوطن، بل كضيعة يتصرفون فيها لمصالحهم الشخصية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..