طرح الفكرة في 2014 باخت حميدان بموقع (الراكوبة).. فكرة (الجنيه الذهبي)..لإنقاذ الاقتصاد السوداني

خالد أبوأحمد
جاء في عناوين الأخبار السودانية اليوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025م تحت عنوان عريض (مطالبات بإصدار الجنيه الذهبي الإدخاري للحد من مضاربات الدولار وتعزيز الاقتصاد السوداني).وتعيد هذه الدعوات إلى الأذهان مقترحًا سابقًا طرحه الأستاذ باخت محمد حميدان، المقيم في مملكة البحرين، حين نشر مقالًا بصحيفة (الراكوبة) الإلكترونية بتاريخ الأول من أكتوبر 2014م تحت عنوان: عملة ذهبية..!. في ذلك المقال، تساءل حميدان بلهجة سودانية بسيطة قائلاً: “رأيكم شنو نقوم بتغيير عملة السودان من الجنيه الورقي إلى جنيه ذهبي؟ اليوم لا يوجد أي بلد أو مؤسسة مالية عالمية تقبل بالجنيه السوداني إلا داخل السودان، وحتى أقرب البلدان لا تتعامل به في فنادقها أو مطاعمها أو محالها التجارية”.واقترح حميدان آنذاك إصدار عملة مصكوكة من الذهب، تستند إلى احتياطي الذهب الذي أعلنت الحكومة امتلاكه، بحيث يتم صك عملة ذهبية تحمل شعارًا وقيمة محددة مرتبطة بالوزن، على أن تكون قيمتها معلومة عالميًا وفق أسعار الذهب المتداولة، مما يجعلها مقبولة خارج السودان ويُعفي البلاد من عبء طباعة العملة الورقية وتكلفتها.كما ذكّر بأن السودانيين في الأزمنة الماضية كانوا يتعاملون بالعملة الذهبية، المعروفة بـ الدينار الذهبي، مؤكدًا أن العودة إلى هذا النموذج من شأنها أن تُصعّب عمليات التزييف التي أضرّت باقتصادات كثيرة، وعلى رأسها الاقتصاد السوداني.ويمكن الاطلاع على المقال كاملًا عبر موقع صحيفة الراكوبة الإلكترونية (نُشر بتاريخ 1 أكتوبر 2014م):الرابط هنا.https://www.alrakoba.net/539872/-/الخبر المتداول عن تجدد المطالبات بإصدار الجنيه الذهبي الإدخاري لا يقف عند حدود فكرة مالية مجردة، بل يعكس جوهر الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان منذ سنوات طويلة. ففي وقت تآكلت فيه قيمة الجنيه الورقي وتراجعت مكانته حتى داخل السودان نفسه، تعود للواجهة مقترحات قديمة كان قد طرحها الكاتب باخت محمد حميدان من البحرين في مقال نشر عام 2014م بصحيفة “الراكوبة”، حين سأل الناس ببساطة وشفافية: لماذا لا نحول عملتنا إلى جنيه ذهبي طالما أن الذهب مورد متوفر، وطالما أن العملة الورقية فقدت قيمتها ولم تعد مقبولة حتى في بلدان الجوار؟هذا الطرح، وإن بدا للبعض مثاليًا أو بعيدًا عن التطبيق المباشر، إلا أنه يكشف عن حنين السودانيين إلى زمن كانت فيه العملة تعبر عن قيمة حقيقية وليست مجرد أوراق تتآكل مع ارتفاع الدولار يوماً بعد يوم. الحديث عن “الجنيه الذهبي” يرتبط مباشرة بفكرة استعادة الثقة المفقودة، إذ لم تعد العملة الورقية أداة ادخار ولا وسيلة تبادل محترمة في الأسواق الخارجية، بينما الذهب بصفته أصلًا عالميًا يحمل دلالات الثبات والاطمئنان، ويشكل مرجعًا لا يخضع لمضاربات السوق السوداء بنفس الدرجة.أهمية الفكرة تكمن في أنها تقدم مسارًا مختلفًا عن محاولات الحكومة المتكررة لطباعة المزيد من الأوراق النقدية أو خفض قيمة الجنيه رسميًا، وهي إجراءات لم تجلب سوى التضخم وفقدان الثقة. فالجنيه الذهبي، لو طُبق فعليًا، يمكن أن يضع حداً لمضاربات الدولار ويعيد توجيه المدخرات السودانية في الداخل والخارج نحو أداة آمنة مرتبطة بسعر عالمي شفاف. وهو كذلك يحمل قيمة رمزية، إذ يذكر الناس بتجربة “الدينار الذهبي” في الأزمنة الماضية، عندما كانت النقود تعني وزنًا معلومًا وقيمة محددة يصعب التلاعب بها أو تزويرها.لكن هذا الطرح لا يخلو من تحديات واقعية، فإصدار عملة ذهبية يتطلب شفافية عالية في إدارة احتياطيات الذهب وضبط التهريب الذي يستنزف موارد السودان، كما يحتاج إلى رؤية اقتصادية متكاملة تجعل من العملة الذهبية أداة للإدخار والاستثمار لا مجرد شعار يُطرح في الإعلام. ومع ذلك، يظل النقاش نفسه مهمًا لأنه يعبر عن تعطش السودانيين إلى حلول خارج الصندوق، وعن إدراك عميق بأن الأزمة ليست فقط في نقص الموارد، وإنما في ضعف السياسات وفقدان الثقة.وهكذا يمكن القول إن تجدد الحديث عن “الجنيه الذهبي” ليس مجرد استعادة لمقال قديم، وإنما إشارة إلى أن الأزمة النقدية في السودان بلغت حداً جعل المواطنين يبحثون بأنفسهم عن بدائل، ويستحضرون الماضي ليجدوا فيه مخرجًا لمستقبل غامض. وفي ذلك رسالة بليغة مفادها أن استقرار الاقتصاد لا يتحقق إلا إذا ارتبطت العملة بقيمة حقيقية، ووجد المواطن ما يطمئنه على أن ما في يده لن يذوب أمام أعينهم مع كل موجة جديدة من ارتفاع الدولار.