الحكّامة كفاعل سياسي

النور احمد الناير
في المجتمعات السودانية، وبالأخص في غرب السودان الريفي منه والحضري، تتجلى الحكّامة كإحدى أبرز الشخصيات النسائية التي تجمع بين الشعر والغناء والدور الاجتماعي – السياسي.
يُعرَّف مصطلح الحكّامة بأنها المرأة التي تمتلك ملكة شعرية غنائية، وتستخدم صوتها كأداة للتعبير عن مواقف المجتمع القبلي، سواء في السلم أو في الحرب.
فهي ليست مجرد مغنية شعبية، بل فاعلة سياسية واجتماعية، تُسهم في صناعة الرأي العام داخل مجتمعها سِلماً وحرباً.
يُدرك الباحثون في الأنثروبولوجيا السودانية – مثل ما ورد في كتاب عادات السودان وتقاليده لأندرو بول – أن الحكّامة تمثل سلطة رمزية ذات أثر عميق، فهي تُلهب مشاعر الفرسان بالتغني بالشجاعة والفروسية، وتحرض على القتال عبر رفع شأن القبيلة وذم التخاذل، حتى تصبح كلماتها بمثابة “أوامر أخلاقية” لا يستطيع المحارب الفكاك منها.
وفي المقابل، فإنها تستطيع أن تهدئ النفوس عبر أغانيها التي تدعو للمصالحة وتمجيد السلام بالتغني عن القرابة وصلة الدم والمواقف المشتركة بين المتحاربين، مما يجعلها صانعة قرار غير معلن في دينامية الحرب والسلم.
يتميّز المجتمع السوداني، وخاصة في غربه، بالتماسك القبلي واعتماده على الرموز الثقافية في توجيه مساره. وهنا يبرز صوت الحكّامة كصوت جمعي يعكس روح الجماعة. فهي تحافظ على ذاكرة الحرب والسلم، وتُسهم في تثبيت قيم الشرف والبطولة من ناحية، وقيم التسامح والصلح من ناحية أخرى. بهذا المعنى، تُصبح الحكّامة فاعلاً سياسياً بامتياز، لأنها تُعيد صياغة موازين القوى عبر الشعر والغناء، حيث الكلمة عندها لا تقل وزناً عن البندقية.
نستطيع أن نستنتج بأن الحكّامة، ليست مجرد شاهد على التاريخ السوداني، بل إحدى أدوات صناعته، بما تحمل من قدرة على تأجيج النزاعات أو إخمادها، لتظل رمزاً لصوت المرأة في فضاءٍ قبلي ذكوري، وسلطةً ناعمة تتحكم في مصائر الجماعات.
لذا يجب علينا أن نولي الحكامة قدرها من الأهمية والعناية الخاصة التي تتمثل في تدريبها لتكون صوت السلام والإخاء والمحبة لتكون صانعة ومساهم رئيسي في عملية بناء السلام بين الشعوب.
إدراك نيوز