مقالات وآراء
الريادات الوطنية غير الواعية ووهم المصالحة بين الأصالة والحداثة في السودان الدكتور إبراهيم البدوي مثال
طاهر عمر

بالمناسبة أغلب النخب السودانية لا تستطيع التفكير خارج ظلال الأرثوذكسية الدينية كما يقول محمد أركون. و عليه ظلت حالة اللف و الدوران مع الدوائر الخبيثة المحكمة الإغلاق في ظل إنعدام القدرة على كسر هذه الحلقات و الشب عن طوقها لأسباب كثيرة منها ضعف منهج النخب السودانية لمقاربة كثير من القضايا الفكرية و خاصة قضية الأرثوذكسية الدينية و قد أصبحت كما يقول محمد أركون في واحد من كتبه بأنها قد أصبحت ورطة قد جسّدت كساد الفكر الأصولي و إستحالة التأصيل.
و رغم حديث محمد أركون عن ورطة الفكر الأصولي و إستحالة التأصيل إلا أننا نجد ساحتنا السودانية كأنها لم تسمع بمحاولات محمد أركون الجادة في نقده للإسلاميات الكلاسيكية و محاولاته تقديم إسلاميات تطبيقية تساعد على الإنعتاق من وحل الفكر الديني التقليدي و دونك محاولات دكتور ابراهيم البدوي الإقتصادي السوداني الذي يحاول تقديم فكر الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة كمصالحة بين الأصالة و الحداثة في مقالاته الأخيرة و هيهات ففكر الصادق المهدي لا يخرج من حيز الإسلاميات الكلاسيكية و بعيد كل البعد عن الإسلاميات التطبيقية بسبب ضعف منهجه مقارنة بمنهج محمد أركون الواسع وبالمناسبة محمد أركون كان كثير الإعتزاز برفعة منهجه.
الدكتور ابراهيم البدوي في مقالاته و حديثه الأخير عن فكر الإمام الصادق المهدي التقليدي أثبت أنه لم يدرك بعد أننا في زمن متسارع الأحداث ليعلن نهاية فلسفة تاريخ تقليدية في السودان كان عمادها و عمودها الفقري فكر الإمام الصادق المهدي و غيره من مروجي وحل الفكر الديني.
و بالمناسبة محمد أركون في حديثه عن الدكتور حسن الترابي و كتبه وصفه بأنه مفكر تقليدي للغاية و كتبه كتب تقليدية مناهجها ضعيفة و لا تخرج من حيز الإسلاميات الكلاسيكية و نضيف لقول محمد أركون بما يؤكد أن فكر الصادق المهدي أيضا لم يخرج أبدا من ظلال الأرثوذكسية الدينية.
لذلك يمكننا القول أن ابراهيم البدوي لم ينتبه الى أننا على أعتاب عالم جديد لم تفسره غير فلسفة التاريخ الحديثة و هي على عكس فكر الإمام الصادق المهدي في بحثه عن ماضي ذهبي لن يعود على الإطلاق في زمن أصبحت فيه مسألة التحول في المفاهيم ملازمة للإنسانية التاريخية و قد أصبح في ظلها مفهوم الدين تاريخي و لم يعد بالإمكان أن نصالح بين مفهوم الدين العمودي بشرائعه وبين مجد العقلانية و إبداع العقل البشري.
أي بتعبير آخر لم يعد هناك إمكانية العودة الى زمن تصبح فيه الأديان و الشرائع كمنظم تأتي كأوامر من خارج المجتمع الذي قد أصبح فيه الفعل الإنساني فعل تلقائي و عفوي يسير نحو توازنه الإجتماعي بإفتراض أن كل فرد بالضرورة عقلاني و أخلاقي وفقا لأفكار عمانويل كانط و علم إجتماع منتسكيو.
عندما نذكر مفهوم الدين التاريخي قطعا نقصد حديث جون لوك في رسالة في التسامح و هو يؤكد فيها بأن أي منطلق من خطاب ديني كالإمام الصادق المهدي لا يمكنه أن يبرر على أنه على قدر من التسامح لأن أي خطاب ديني لا يترك لك حيز من التسامح و هو حديث عن تسامح الخطاب الديني – أي دين ما هي إلا نتاج خضوعك للأرثوذكسية الدينية و هذا هو حال أغلب السودانيين في حديثهم عن إمكانية وجود تسامح في الخطاب الديني و هيهات.
لذلك يقول جون لوك إذا كان هناك مطلق واحد يجب الإيمان به هو مسألة فصل الدين عن الدولة التي يعارضها الإمام الصادق المهدي أي يعارض الصادق المهدي مسألة فصل الدين عن الدولة و يؤكد جون لوك بأن دعوته الى فصل الدين عن الدولة لا تعني دعوة للإلحاد لأنه كان يمقت الإلحاد و يمقت كل مقاوم لفكرة فصل الدين عن الدولة لأن الدين عند جون لوك و من بعده توكفيل قد أصبح أفق الرجاء و علاقة بين كل فرد و ربه بلا واسطة من مرشد و لا ختم و لا إمام و يضيف توكفيل أن قيم الجمهورية و الديمقراطية الليبرالية قد أصبحت بديلا للفكر الديني.
المضحك أن ليس ابراهيم البدوي وحده من باغتته تسارع الأحداث التي تقول الكثير بل حتى أتباع الماركسية الأرثوذكسية أيضا تفاجوا بأن نسختهم المتكلسة من الشيوعية السودانية قد أصبحت في مهب الريح. و بالتالي ظهر الزعّاق بمقالات تتحدث عن شيوعية و إشتراكية من واقعنا لا من أكثر رافضا أي حديث عن الفكر الليبرالي و الديمقراطية الليبرالية عاكس عقل التربية الحزبية التي تكرر تخريج المؤمنين بفلسفة التاريخ التقليدية و لا تعطي غير الريادات الوطنية غير الواعية كما جاء في عنوان المقال.
و عليه نقول أن تسارع الأحداث الآن هي نهاية الفكر العابر و المؤقت كالشيوعية السودانية و إصرارها على الماركسية الأرثوذكسية و أيضا نهاية نسخة الأرثوذكسية الدينية في السودان و ما محاولات إحياءها من قبل الدكتور ابراهيم البدوي إلا محاولة إحياء لحظات يائسة لفكر عابر و مؤقت.
و ليس غريب أن تذكّرنا بما حدث في مطلع ثلاثينيات القرن المنصرم حيث تنبه كل من ريموند أرون و صديقه بول نيزان الى كساد الفكر الذي كان يقوده أستاذتهم و قد هاجمهم كل من بول نيزان و ريموند أرون. بول نيزان في هجومه على أستاتذته وصفهم بأنهم كلاب الحراسة في كتاب عنوانه كلاب الحراسة و بول نيزان يكفينا أخذ عنوان كتابه فقط لوصف محاولات إحياء ابراهيم البدوي لفكر الإمام الصادق المهدي.
و كذلك يصلح عنوان الكتاب أي كلاب الحراسة لوصف المصريين على نسخة الشيوعية السودانية المتكلسة و إحياءها كماركسية أرثوذكسية يحوم حول حماها نتاج التربية الحزبية التي لا تنتج إلا الزعّاق الذي يغالط بأن الشيوعية ليست فكرا عابرا و مؤقت.
كتاب كلاب الحراسة إنتقده ريموند أرون و هو ليبرالي و صديقه بول نيزان كان شيوعيا و قدم ريموند أرون فكرا يوضح فيه كيف إنتهت الليبرالية التقليدية؟ و فكّر في فلسفة تاريخ حديثة تخرج من رحاب فكرها ليبرالية حديثة و لا تولد إلا على قاعدة فلسفة تاريخ حديثة.
و هذا ما ندعو له النخب السودانية و ندعوهم للتحقق من ميلاد فلسفة التاريخ الحديثة و هي على بعد قرن كامل و ما زالت بلا أفق في ساحة النخب السودانية. و هنا يكمن السر حيث لم تنتبه النخب السودانية الى أن تسارع الأحداث الآن هي لحظة إنقلاب زمان إنقضى فيه فكر الأرثوذكسية الدينية و الأرثوذكسية الماركسية و أصبحتا أمام الرياح هباء و عليه لا تصلح دعوات كلاب الحراسة لإصلاح ما أفسده الدهر.
هناك شئ مهم و يجب أن ننبه له عن حالة السودان حيث وصلت الأرثوذكسية الدينية و الماركسية الأرثوذكسية السودانية الى نهايتهما المحزنة فإن ميلا د فكر جديد لا يأتي بين عشية و ضحاها بل يحتاج لعقود لكي يتبلور فكر جديد و معاصر و له القدرة على مواكبة مواكب البشرية و هي قد قطعت شوطا بعيدا و حققت إزدهار ماديا إنعكس في إرتفاع مستويات المعيشة.
و في هذه اللحظة الحرجة سيظهر دعاة إعادة ماضي فكر الصادق المهدي كحالة الدكتور ابراهيم البدوي و المطبليين الى علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان و غيرهم من في طور الشرنقة التي لم تصل الى نهاية دورة حياة الزنبور أي أن يصل الى مرحلة أن يكون زنبورا شيوعيا كامل و هذه الشرنقة الشيوعية السودانية التي لم تصل لزنبور شيوعيا مزعجة جدا لأن ميلاد الفكر الجديد يزعجها و يقطع الطريق أمامها بأن تكمل دورة حياة الزنبور الشيوعي و لن تكتمل لأن الشيوعية نفسها فكرا عابرا و مؤقت.
على العموم نضيف الى الدكتور ابراهيم البدوي رأي عالم الإجتماع العراقي علي الوردي الذي يقول لا يمكن أن تكون هناك مصالحة بين الأصالة و الحداثة كما يزعم كثر و من بينهم دكتور ابراهيم البدوي و نورد هنا ما قاله عالم الإجتماع العراقي علي الوردي لكي نؤكد بأن الدين و الدولة لا يلتقيان و لنر ماذا قال علي الوردي قال علي الوردي”ان الدين و الدولة أمران متنافران بالطبيعة. فاذا اتحدا في فترة من الزمن كان اتحادهما مؤقتا و لا مناص من أن ياتي عليهما يوم و يفترقان فيه و إذا رأينا الدين ملتصقا بالدولة زمنا طويلا علمنا أنه دين كهان لا دين أنبياء” و لذلك نقول للدكتور ابراهيم البدوي و نطلب منه ألا يعيد علينا دين الكهان الذي يلتصق بالدولة كما يقول عالم الإجتماع العراقي علي الوردي و نقول لدكتور ابراهيم البدوي حديثه عن المصالحة بين الأصالة و الحداثة في فكر الإمام الصادق المهدي حديث ليس له علاقة بالفكر و لا يشبهه إلا ترقيع الكيزان و تلفيقهم الكاذب.
بالمناسبة علي الوردي في عام 1950 قال كلام يشبه فكر الإستاذ محمود محمد طه إلا أنه إنصرف عنه و لم يكمله كما فعل الإستاذ محمود محمد طه و الأستاذ محمود محمد طه في فكره نجده قد رفض الأرثوذكسية الدينية من زمن بعيد مقارنة بمحمد أركون إلا أن محمد أركون في تفكيكه لخطاب وحل الفكر الديني أستعان بعلم النفس و علم الإجتماع و الفلسفة و الأنثروبولوجيا و وصل الى فكرة المستحيل التفكير فيه أو اللا مفكر فيه و لمن يريد المزيد فعليه بكتب محمد أركون لأن المقال و مساحاته لا تسمح بميراد المزيد أما الأستاذ محمود فقد وصل لنفس الذي وصل له محمد أركون بل قد سبقه عليه أي كان الأستاذ محمود محمد طه سباقا لفكرة رفض الأرثوذكسية الدينية.
أما الكلام علي الوردي الذي يشبه كلام الأستاذ محمود محمد طه أن علي الوردي قال إذا لم تكن هجرة النبي الى المدينة لكان السيادة لفكر الأيات المكية و فكرة الحرية التي يتحدث عنها الأستاذ محمود محمد طه في الأيات المكية.
في الختام نقول جاءت كتابة هذا المقال في زمن إنقلاب زمان فقد ماتت فلسفة التاريخ التقليدية في السودان و إنتظارنا لفلسفة تاريخ حديثة في السودان تحتاج ربما لعقود و لذلك يمكننا القول أن حال الإضطراب في السودان ربما سيطول لأن حال السودان كحال أوروبا بين الحربين العالمتين فكانت سنين إضطراب و السودان الآن قد إفتتح زمن مبتداء الأوجاع.
و رغم حديث محمد أركون عن ورطة الفكر الأصولي و إستحالة التأصيل إلا أننا نجد ساحتنا السودانية كأنها لم تسمع بمحاولات محمد أركون الجادة في نقده للإسلاميات الكلاسيكية و محاولاته تقديم إسلاميات تطبيقية تساعد على الإنعتاق من وحل الفكر الديني التقليدي و دونك محاولات دكتور ابراهيم البدوي الإقتصادي السوداني الذي يحاول تقديم فكر الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة كمصالحة بين الأصالة و الحداثة في مقالاته الأخيرة و هيهات ففكر الصادق المهدي لا يخرج من حيز الإسلاميات الكلاسيكية و بعيد كل البعد عن الإسلاميات التطبيقية بسبب ضعف منهجه مقارنة بمنهج محمد أركون الواسع وبالمناسبة محمد أركون كان كثير الإعتزاز برفعة منهجه.
الدكتور ابراهيم البدوي في مقالاته و حديثه الأخير عن فكر الإمام الصادق المهدي التقليدي أثبت أنه لم يدرك بعد أننا في زمن متسارع الأحداث ليعلن نهاية فلسفة تاريخ تقليدية في السودان كان عمادها و عمودها الفقري فكر الإمام الصادق المهدي و غيره من مروجي وحل الفكر الديني.
و بالمناسبة محمد أركون في حديثه عن الدكتور حسن الترابي و كتبه وصفه بأنه مفكر تقليدي للغاية و كتبه كتب تقليدية مناهجها ضعيفة و لا تخرج من حيز الإسلاميات الكلاسيكية و نضيف لقول محمد أركون بما يؤكد أن فكر الصادق المهدي أيضا لم يخرج أبدا من ظلال الأرثوذكسية الدينية.
لذلك يمكننا القول أن ابراهيم البدوي لم ينتبه الى أننا على أعتاب عالم جديد لم تفسره غير فلسفة التاريخ الحديثة و هي على عكس فكر الإمام الصادق المهدي في بحثه عن ماضي ذهبي لن يعود على الإطلاق في زمن أصبحت فيه مسألة التحول في المفاهيم ملازمة للإنسانية التاريخية و قد أصبح في ظلها مفهوم الدين تاريخي و لم يعد بالإمكان أن نصالح بين مفهوم الدين العمودي بشرائعه وبين مجد العقلانية و إبداع العقل البشري.
أي بتعبير آخر لم يعد هناك إمكانية العودة الى زمن تصبح فيه الأديان و الشرائع كمنظم تأتي كأوامر من خارج المجتمع الذي قد أصبح فيه الفعل الإنساني فعل تلقائي و عفوي يسير نحو توازنه الإجتماعي بإفتراض أن كل فرد بالضرورة عقلاني و أخلاقي وفقا لأفكار عمانويل كانط و علم إجتماع منتسكيو.
عندما نذكر مفهوم الدين التاريخي قطعا نقصد حديث جون لوك في رسالة في التسامح و هو يؤكد فيها بأن أي منطلق من خطاب ديني كالإمام الصادق المهدي لا يمكنه أن يبرر على أنه على قدر من التسامح لأن أي خطاب ديني لا يترك لك حيز من التسامح و هو حديث عن تسامح الخطاب الديني – أي دين ما هي إلا نتاج خضوعك للأرثوذكسية الدينية و هذا هو حال أغلب السودانيين في حديثهم عن إمكانية وجود تسامح في الخطاب الديني و هيهات.
لذلك يقول جون لوك إذا كان هناك مطلق واحد يجب الإيمان به هو مسألة فصل الدين عن الدولة التي يعارضها الإمام الصادق المهدي أي يعارض الصادق المهدي مسألة فصل الدين عن الدولة و يؤكد جون لوك بأن دعوته الى فصل الدين عن الدولة لا تعني دعوة للإلحاد لأنه كان يمقت الإلحاد و يمقت كل مقاوم لفكرة فصل الدين عن الدولة لأن الدين عند جون لوك و من بعده توكفيل قد أصبح أفق الرجاء و علاقة بين كل فرد و ربه بلا واسطة من مرشد و لا ختم و لا إمام و يضيف توكفيل أن قيم الجمهورية و الديمقراطية الليبرالية قد أصبحت بديلا للفكر الديني.
المضحك أن ليس ابراهيم البدوي وحده من باغتته تسارع الأحداث التي تقول الكثير بل حتى أتباع الماركسية الأرثوذكسية أيضا تفاجوا بأن نسختهم المتكلسة من الشيوعية السودانية قد أصبحت في مهب الريح. و بالتالي ظهر الزعّاق بمقالات تتحدث عن شيوعية و إشتراكية من واقعنا لا من أكثر رافضا أي حديث عن الفكر الليبرالي و الديمقراطية الليبرالية عاكس عقل التربية الحزبية التي تكرر تخريج المؤمنين بفلسفة التاريخ التقليدية و لا تعطي غير الريادات الوطنية غير الواعية كما جاء في عنوان المقال.
و عليه نقول أن تسارع الأحداث الآن هي نهاية الفكر العابر و المؤقت كالشيوعية السودانية و إصرارها على الماركسية الأرثوذكسية و أيضا نهاية نسخة الأرثوذكسية الدينية في السودان و ما محاولات إحياءها من قبل الدكتور ابراهيم البدوي إلا محاولة إحياء لحظات يائسة لفكر عابر و مؤقت.
و ليس غريب أن تذكّرنا بما حدث في مطلع ثلاثينيات القرن المنصرم حيث تنبه كل من ريموند أرون و صديقه بول نيزان الى كساد الفكر الذي كان يقوده أستاذتهم و قد هاجمهم كل من بول نيزان و ريموند أرون. بول نيزان في هجومه على أستاتذته وصفهم بأنهم كلاب الحراسة في كتاب عنوانه كلاب الحراسة و بول نيزان يكفينا أخذ عنوان كتابه فقط لوصف محاولات إحياء ابراهيم البدوي لفكر الإمام الصادق المهدي.
و كذلك يصلح عنوان الكتاب أي كلاب الحراسة لوصف المصريين على نسخة الشيوعية السودانية المتكلسة و إحياءها كماركسية أرثوذكسية يحوم حول حماها نتاج التربية الحزبية التي لا تنتج إلا الزعّاق الذي يغالط بأن الشيوعية ليست فكرا عابرا و مؤقت.
كتاب كلاب الحراسة إنتقده ريموند أرون و هو ليبرالي و صديقه بول نيزان كان شيوعيا و قدم ريموند أرون فكرا يوضح فيه كيف إنتهت الليبرالية التقليدية؟ و فكّر في فلسفة تاريخ حديثة تخرج من رحاب فكرها ليبرالية حديثة و لا تولد إلا على قاعدة فلسفة تاريخ حديثة.
و هذا ما ندعو له النخب السودانية و ندعوهم للتحقق من ميلاد فلسفة التاريخ الحديثة و هي على بعد قرن كامل و ما زالت بلا أفق في ساحة النخب السودانية. و هنا يكمن السر حيث لم تنتبه النخب السودانية الى أن تسارع الأحداث الآن هي لحظة إنقلاب زمان إنقضى فيه فكر الأرثوذكسية الدينية و الأرثوذكسية الماركسية و أصبحتا أمام الرياح هباء و عليه لا تصلح دعوات كلاب الحراسة لإصلاح ما أفسده الدهر.
هناك شئ مهم و يجب أن ننبه له عن حالة السودان حيث وصلت الأرثوذكسية الدينية و الماركسية الأرثوذكسية السودانية الى نهايتهما المحزنة فإن ميلا د فكر جديد لا يأتي بين عشية و ضحاها بل يحتاج لعقود لكي يتبلور فكر جديد و معاصر و له القدرة على مواكبة مواكب البشرية و هي قد قطعت شوطا بعيدا و حققت إزدهار ماديا إنعكس في إرتفاع مستويات المعيشة.
و في هذه اللحظة الحرجة سيظهر دعاة إعادة ماضي فكر الصادق المهدي كحالة الدكتور ابراهيم البدوي و المطبليين الى علمانية محمد ابراهيم نقد المحابية للأديان و غيرهم من في طور الشرنقة التي لم تصل الى نهاية دورة حياة الزنبور أي أن يصل الى مرحلة أن يكون زنبورا شيوعيا كامل و هذه الشرنقة الشيوعية السودانية التي لم تصل لزنبور شيوعيا مزعجة جدا لأن ميلاد الفكر الجديد يزعجها و يقطع الطريق أمامها بأن تكمل دورة حياة الزنبور الشيوعي و لن تكتمل لأن الشيوعية نفسها فكرا عابرا و مؤقت.
على العموم نضيف الى الدكتور ابراهيم البدوي رأي عالم الإجتماع العراقي علي الوردي الذي يقول لا يمكن أن تكون هناك مصالحة بين الأصالة و الحداثة كما يزعم كثر و من بينهم دكتور ابراهيم البدوي و نورد هنا ما قاله عالم الإجتماع العراقي علي الوردي لكي نؤكد بأن الدين و الدولة لا يلتقيان و لنر ماذا قال علي الوردي قال علي الوردي”ان الدين و الدولة أمران متنافران بالطبيعة. فاذا اتحدا في فترة من الزمن كان اتحادهما مؤقتا و لا مناص من أن ياتي عليهما يوم و يفترقان فيه و إذا رأينا الدين ملتصقا بالدولة زمنا طويلا علمنا أنه دين كهان لا دين أنبياء” و لذلك نقول للدكتور ابراهيم البدوي و نطلب منه ألا يعيد علينا دين الكهان الذي يلتصق بالدولة كما يقول عالم الإجتماع العراقي علي الوردي و نقول لدكتور ابراهيم البدوي حديثه عن المصالحة بين الأصالة و الحداثة في فكر الإمام الصادق المهدي حديث ليس له علاقة بالفكر و لا يشبهه إلا ترقيع الكيزان و تلفيقهم الكاذب.
بالمناسبة علي الوردي في عام 1950 قال كلام يشبه فكر الإستاذ محمود محمد طه إلا أنه إنصرف عنه و لم يكمله كما فعل الإستاذ محمود محمد طه و الأستاذ محمود محمد طه في فكره نجده قد رفض الأرثوذكسية الدينية من زمن بعيد مقارنة بمحمد أركون إلا أن محمد أركون في تفكيكه لخطاب وحل الفكر الديني أستعان بعلم النفس و علم الإجتماع و الفلسفة و الأنثروبولوجيا و وصل الى فكرة المستحيل التفكير فيه أو اللا مفكر فيه و لمن يريد المزيد فعليه بكتب محمد أركون لأن المقال و مساحاته لا تسمح بميراد المزيد أما الأستاذ محمود فقد وصل لنفس الذي وصل له محمد أركون بل قد سبقه عليه أي كان الأستاذ محمود محمد طه سباقا لفكرة رفض الأرثوذكسية الدينية.
أما الكلام علي الوردي الذي يشبه كلام الأستاذ محمود محمد طه أن علي الوردي قال إذا لم تكن هجرة النبي الى المدينة لكان السيادة لفكر الأيات المكية و فكرة الحرية التي يتحدث عنها الأستاذ محمود محمد طه في الأيات المكية.
في الختام نقول جاءت كتابة هذا المقال في زمن إنقلاب زمان فقد ماتت فلسفة التاريخ التقليدية في السودان و إنتظارنا لفلسفة تاريخ حديثة في السودان تحتاج ربما لعقود و لذلك يمكننا القول أن حال الإضطراب في السودان ربما سيطول لأن حال السودان كحال أوروبا بين الحربين العالمتين فكانت سنين إضطراب و السودان الآن قد إفتتح زمن مبتداء الأوجاع.