محمد الحسن سالم حميد… شاعر الوجدان وإرث الثورة

تمهيد: الشاعر الذي أصبح وجدانًا
لم يكن محمد الحسن سالم حميد مجرد شاعر يكتب القصائد، بل كان رمزاً ثقافياً وسياسياً فريداً في المشهد السوداني. لقد تحوّل إلى صوت الشعب، يترجم آماله وآلامه، ويجسد صراعه اليومي من أجل الكرامة والحرية. رحيله المفاجئ في حادث مروري عام 2012 شكل خسارة وطنية عميقة، وقد قارن بعض النقاد مكانته بمكانة الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قضيته، نظراً لما قدمه من إرث شعري حمل على عاتقه هموم وطنه وقضايا فقرائه.1 يسعى هذا التقرير إلى تقديم تحليل معمق لمسيرة الشاعر حميد، مؤكداً أن عبقريته تكمن في قدرته على صهر تجربته الحياتية الفريدة، التي جمعت بين البيئة الريفية والمدينة، في نصوص شعرية رمزية مكتنزة. هذه النصوص استطاعت، بفضل انتشارها الواسع عبر الغناء، أن تشكّل وجدان الشعب السوداني وتتحول إلى وقود رئيسي للثورة الشعبية التي اندلعت بعد رحيله بسنوات. سيتم تتبع مسيرته الحياتية والمهنية، واستعراض أعماله الأدبية الرئيسية، وتحليل خصائصه الأسلوبية واللغوية، وصولاً إلى تقييم إرثه الثقافي والسياسي المستمر، مع التركيز بشكل خاص على دوره في ثورة ديسمبر 2018.
الفصل الأول: النشأة والمسيرة المهنية… من القرية إلى المدينة والعودة
ولد محمد الحسن سالم حميد في عام 1956 بقرية جريف نوري، في الولاية الشمالية من السودان.2 كانت هذه البيئة الزراعية الهادئة مصدراً أساسياً لإلهامه، حيث تلقى تعليمه الأولي والأوسط في مدينة نوري. بعد ذلك، انتقل إلى مدينة عطبرة، عاصمة السكك الحديدية السودانية، ليلتحق بمدرسة عطبرة الشعبية الثانوية.2
خلال فترة دراسته الثانوية في عطبرة، التي كانت تغص بالوعي العمالي والنقابي، كتب حميد واحدة من أهم قصائده المبكرة، وهي قصيدة “طعم الدروس”.5 كانت هذه القصيدة بمثابة رسالة شعرية إلى والدته، يعبر فيها عن حنينه وشوقه إلى قريته وبيئته الريفية الأصيلة.5 لقيت القصيدة رواجاً كبيراً وتم تداولها وغناؤها من قبل فنانين محليين، مثل محمد كرم الله، مما يعكس بداية تأثيره الشعبي الواسع.5
بعد إكماله تعليمه الثانوي، عمل حميد في هيئة الموانئ البحرية في الفترة ما بين 1978 و1992، متنقلاً بين مدينتي الخرطوم وبورتسودان.2 هذه التجربة المهنية لم تكن مجرد محطة عابرة في حياته، بل كانت الأساس الذي بنى عليه العديد من ثيمات شعره. فالانتقال من البيئة الزراعية الهادئة في نوري إلى البيئة العمالية الصاخبة في عطبرة وبورتسودان هو السبب المباشر لتناوله ثنائية الريف والمدينة، وتصويره الدقيق لمعاناة المزارعين وعمال الموانئ والكادحين.7 إن تجربته الشخصية كعامل ومزارع لاحقاً منحت شعره مصداقية وعمقاً، وجعلته يلامس وجدان “الغلابة” والكادحين، لأن ما كان يكتبه لم يكن مجرد خيال، بل كان واقعاً عاشه وشعر به. لاحقاً، تفرّغ حميد للعمل الثقافي والإنساني قبل أن يعود إلى قريته ليعمل مزارعاً وسط أهله.6 هذا المسار الحياتي المتنقل، الذي عكس تنوعاً في الخبرات، هو ما شكل البنية العضوية لشعره ومنحه ثراءً فريداً.
الفصل الثاني: الدواوين الشعرية واستعراض الأعمال الرئيسية
أصدر حميد العديد من الدواوين الشعرية التي شكلت علامات فارقة في مسيرته الأدبية. من أبرز هذه الدواوين 3:
- “حجر الدغش”
- “مجموعة نورا”
- “الجابرية”
- “ست الدار”
- “الرجعة للبيت القديم” (صدر عام 2003)
- “مصابيح السما التامنة وطشيش” (صدر عام 2004)
- “أرضاً سلاح” (صدر في يناير 2012)
- “سيرة السُّرة بت عوض الكريم” 6
استلهم حميد شخصياته الشعرية من الواقع السوداني اليومي، وحولها إلى رموز خالدة تعبر عن قضايا المجتمع.7 من أبرز هذه الشخصيات:
“عم عبد الرحيم”: يجسد معاناة الفلاح السوداني البسيط والكادح الذي يصارع من أجل لقمة العيش والحرية.9 أصبحت هذه القصيدة واحدة من أشهر أعماله بعد أن غناها الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد.3
“نورة”: تمثل المرأة الحالمة بوطن خالٍ من القمع، وكانت رمزاً للصمود والأمل.7 غنتها فرقة عقد الجلاد والفنان مصطفى سيد أحمد، مما ساهم في انتشارها الواسع.3
“ست الدار”: هي رمز للمرأة السودانية الأصيلة، الأم والزوجة والأخت، التي تخوض معركة الصمود في وجه الظروف الاقتصادية القاسية، وحتى في وجه الاعتقال السياسي.1
لم تكن قصائد حميد مجرد نصوص مقروءة، بل كانت “متداولة كالعملة” في القرى والحضر، تنتشر عبر أجهزة التسجيل، شعراً وغناءً.3 هذا الانتشار الواسع كان نتيجة مباشرة لتمازج الكلمة واللحن، حيث لحّن قصائده وغناها العديد من المطربين السودانيين، وأشهرهم مصطفى سيد أحمد الذي تعاون معه في أكثر من عشرين قصيدة.3 إن قدرته على الوصول إلى الجماهير عبر وسيلة الغناء، التي تتجاوز حواجز الأمية والنخبوية، هي ما يؤكد وعيه العميق بآليات التأثير الفني في الوجدان الجمعي. لقد أدرك حميد أن مهمة الشاعر لا تقتصر على الكتابة، بل تمتد إلى ضمان وصول رسالته إلى كل شرائح المجتمع، وهذا ما جعله فناناً جماهيرياً بامتياز، وشاعراً للجميع.
الفصل الثالث: الخصائص الأسلوبية واللغوية في شعر حميد
يتميز شعر محمد الحسن سالم حميد بخصائص أسلوبية ولغوية فريدة، جعلته علامة فارقة في الشعر السوداني الحديث. كان حميد مؤمناً بقوة اللغة العامية، وكتب بها “كثيراً”.4 لكنه لم يكتفِ باستخدامها فحسب، بل ارتقى بها من كونها مجرد لغة للتواصل اليومي إلى لغة شعرية تحمل “معاني جمالية سامية وقيمًا إنسانية راقية”.7 لقد قام بـ “نفض الغبار عن مفردات محلية قديمة وأعاد لها الشباب”، مما أثرى قاموس الشعر العامي السوداني.7
تميزت مفرداته بقوة “اكتنازية خارقة”، أي أنها تحمل في طياتها أكثر من تفسير، وتتيح للقارئ أو المستمع تأويلها بما يتناسب مع مزاجه الثقافي ودرجة وعيه.7 هذا الاكتناز في المفردة هو ما جعل شعره قابلاً للتوظيف في سياقات سياسية واجتماعية مختلفة. ولعل هذا يفسر موقفه الفلسفي من علاقته بالنص، حيث رفض في أحد الحوارات التلفزيونية الإجابة على سؤال حول معاني بعض مفرداته، معتبراً أن مهمة الشاعر تنتهي عند “إطلاق النص”، وأن وظيفة الشرح والتفسير مفتوحة لكل قارئ “فطن”.7
إن رفض حميد تفسير شعره ليس مجرد موقف شخصي، بل هو خيار فني وسياسي عميق يكشف عن وعي مبكر بطبيعة الإبداع وتأثيره. من خلال ترك نصوصه مفتوحة للتأويل، جعلها قابلة للتكيف مع أي وضع سياسي واجتماعي، مما مكن الأجيال اللاحقة من إعادة توظيفها في سياقات لم يكن موجوداً فيها. هذا المبدأ هو السبب المباشر وراء قوة شعره الرمزية، وهذا الاكتناز هو ما سمح لقصائده أن تكون “فتحاً للجميع” 1، وأن تتحول إلى شعارات ثورية بعد سنوات من كتابتها، لأنها لم تكن مرتبطة بحدث أو زمان محدد، بل كانت رؤية قابلة للتجدد.
الفصل الرابع: الأثر الثقافي والسياسي والإرث المستمر
تعد مكانة محمد الحسن سالم حميد في الثقافة السودانية فريدة من نوعها. فقد كان من “الرواد الذين شكلوا وجدان الشعب السوداني”.2 أصبح شعره مرجعية لاستلهام القيم والمعاني الوطنية وحب الوطن.4 ولقب بـ “شاعر الفقراء والمساكين” و”شاعر الوطن والنضال”، وهو ما يؤكد علاقته العضوية بقضايا شعبه ومعاناتهم.10
لم يكن حميد شاعراً منعزلاً في برجه العاجي، بل كان “مشاكساً للأنظمة السياسية” التي تعاقبت على حكم السودان، وصدح بـ “القصائد المصادمة”.4 هذا الموقف المبدئي من الحرية والديمقراطية والسلام جعله يدفع ثمناً باهظاً، حيث عانى من “مرارات الاعتقال والسجن والنفي والتعذيب”.10
لعل أكثر ما يميز إرثه هو دوره المحوري في ثورة ديسمبر 2018. على الرغم من وفاته قبل سنوات من اندلاع الثورة، إلا أن قصائده كانت “المزود الرئيسي لشعارات الثورة السودانية”.3 لقد أصبح شعار الثورة الأبرز “حرية سلام وعدالة” من مقولاته الشعرية التي أثرت في الوجدان الجمعي.12 وعنوان ديوانه الأخير، “أرضاً سلاح”، تحوّل من مجرد عنوان لديوان إلى دعوة رمزية لترك العنف والعمل على بناء ديمقراطية حقيقية.1
يمثل تأثير حميد على ثورة 2018 نموذجاً فريداً لتأثير شاعر على حراك سياسي بعد وفاته بسنوات. قصائده، التي وثقت معاناة سابقة، أصبحت وقوداً لحراك لاحق، وهو ما يثبت أن رؤيته كانت استشرافية وتجاوزت حدود زمنه. حميد توفي في عام 2012، بينما بدأت ثورة ديسمبر في عام 2018، وأسقطت نظام عمر البشير في 11 أبريل 2019.2 هذا الارتباط بين شعره والثورة بعد وفاته بست سنوات يؤكد أن إرثه لم يكن مجرد ذكرى، بل كان حياً وفعالاً، وأن قصائده كانت بمثابة بذرة نضالية لم تثمر إلا بعد حين، وهو ما يمنح إرثه بعداً نبوياً وتاريخياً عميقاً.
خاتمة: مشروع لم يكتمل، وإرث لا ينتهي
يخلص هذا التقرير إلى أن محمد الحسن سالم حميد لم يكن شاعراً للنخبة، بل كان شاعراً للناس. لقد استمد مادته الشعرية من الحياة اليومية للكادحين، وصاغها بلغتهم (العامية)، وجعلها متداولة ومنتشرة عبر الغناء. أكد النقاد أن مشروعه الشعري كان “فرداً لا يتكرر” 1، لكنه للأسف لم يكتمل.1
رغم وفاته المفاجئة، لا يزال إرثه قائماً ومؤثراً. لقد ترك بصمة لا تُمحى في الوجدان السوداني، وشعره يظل شاهداً حياً على إيمان راسخ بالحرية، والديمقراطية، والسلام. لقد تجاوز الشاعر حميد حدود الزمان والمكان، وأصبح صوته الهادئ وقصائده العميقة جزءاً من الهوية السودانية. وهو ما جسده ديوانه الأخير “أرضاً سلاح”، الذي تحوّل إلى شعار لمرحلة تاريخية كاملة، تؤمن بضرورة التغيير السلمي، وترك العنف لبناء وطن يتسع للجميع. لقد تم في هذا التقرير استبعاد كافة المصادر التي تشير إلى شعراء آخرين يحملون اسم “حميد” (مثل حميد سعيد أو حميد قاسم)، وذلك لضمان الدقة والتركيز على الشاعر السوداني محمد الحسن سالم حميد، إيماناً بأن البحث الاستقصائي المعمق يتطلب التدقيق والتمييز بين المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة.
المراجع
صحيفة التحرير » الشاعر محمد الحسن حسن سالم (حميد).. يا حسرة على …, accessed September 12, 2025, https://www.alttahrer.com/archives/77890
محمد الحسن سالم حميد – ويكي الاقتباس, accessed September 12, 2025, https://ar.wikiquote.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%85_%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF
محمد الحسن سالم حميد – ويكيبيديا, accessed September 12, 2025, https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D9%86_%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%85_%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF
محمد الحسن سالم حميد صوت الوطن والنضال – أ / ربيع يوسف – مساء جديد …, accessed September 12, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=AGzQo0wxwqY
محمد الحسن سالم حميد ـ الرد علي طعم الدروس يا خالتي شيليها الظنون والله ما بينكن فرق, accessed September 12, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=AZtwsJHGWGY
الشاعر محمد الحسن حسن سالم (حميد), accessed September 12, 2025, https://himmaid.com/
الشاعر محمد الحسن حسن سالم (حميد) يا حسرة على مشروع لم يكتمل بعد …, accessed September 12, 2025, https://alsudaninews.com/?p=149202
محمد الحسن سالم حميد (Author of ارضاً سلاح) – Goodreads, accessed September 12, 2025, https://www.goodreads.com/author/show/7265505._
رحيل سالم حميد.. شاعر العامية السياسية و«أبنودي» السودان – الإمارات اليوم, accessed September 12, 2025, https://www.emaratalyoum.com/life/culture/2012-03-25-1.471019
الشاعر الراحل محمد الحسن سالم حميد – مساء جديد – 01 06 2021 – YouTube, accessed September 12, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=T953Ryxpru0
وفاة حميد “شاعر النضال السوداني” | سكاي نيوز عربية, accessed September 12, 2025, https://www.skynewsarabia.com/varieties/11461-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B6%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A
فنون الثورات.. كيف عبّر السودانيون عن غضبهم بالريشة والألوان؟ | فن …, accessed September 12, 2025, https://www.aljazeera.net/arts/2021/10/24/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A7%D8%AA




طيب ما قلتوا فلول ودولة 56 والشريط النيلي وللاسف يطلع واحد سوداني يسب بني جلدته واخوانه في الوطن والله من السهولة نرد وكلها حقائق قد لا تعجبكم لكن من اجل هذا الوطن واهل كثير من هذا الوطن نحن نسكت وضربت لكم مثلا في تعلق سابق بخصوص محنة ومحبة الوطن (( بينما امرأتان معهما ابناهما ، إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر ، فقالت الكبرى : إنما ذهب بابنك . وقالت الصغرى : إنما ذهب بابنك . فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى ، فخرجتا على سليمان ، فقال : ائتوني بالسكين أشقه نصفين ، لكل واحدة منكما نصفه . فقالت الصغرى : لا تفعل ، يرحمك الله ، هو ابنها . فقضى به لها حسب الرواية وهي في عهد سيدنا داؤود عليه السلام بالاول حسب ما قدمت الاولى تبكي وتصرخ حكم لها داؤود فسيدنا سليمان قال اتوني سكين اقطع نصفين فهنا ظهرت الام الحقيقية للطفل رفضت قطعه قالت اعطيه ليها سالم لا تقطعه …. لذلك هذا الوطن له اهل ويعرفون حبه والانتماء له اما الورجغه وناس تعمل بجهل وبدون مسؤولية لا تحب هذا الوطن مشاكل السودان ليس السبب هم مجتمع الشماليين ولا الوسط ولاغيرهم من ابناء هذا الوطن قضية السودان اكثر زول وصفها صح هو النور حمد ونبه لهذا الشعار وله فيديو موثق اي زول يمكن يذهب يراجعه لمن قال هذا الفيديو هو يعلم النخب التي تعمل مع الدعم السريع اليوم ……….. واين ولد حميد و؟؟؟؟ اين ولد الطيب صالح ؟؟؟؟؟؟؟ اين ولد محمد وردي ؟؟؟؟؟؟ محي الدين فارس ولد عام 1936 له ديوان شعر 1956 الطين والاظافر … محي الدين الذي كتب ( ستعود إفريقيا لنا…وتعود أنغام الصباح ) هل هؤلاء كتبوا لقبائلهم لنظار لشيوخ ….. راجعوا ماذا كتب هؤلاء للامة والوطن … أنا لست رعديداً يكبل خطوه ثقل الحديد
وهناك أسراب الضحايا الكادحون
العائدون مع الظلام من المصانع والحقول
ملأوا الطريق
عيونهم مجروحة الأغوار ذابلة البريق يتهامسون
وسياط جلاد تسوق خطاهم ما تصنعون
يجلجل الصوت الرهيب كأنه القدر اللعين
تظل تفغر في الدجى المشئوم أفواه السجون
فيغمغمون نحن الشعوب الكادحون
وهناك قافلة تولول في متاهات الزمان
وبلا دليل
عمياء فاقدة المصير
تمشى الملايين الحفاة العراة الجائعون مشردون
في السفح في دنيا المزا بل والخرائب ينبشون
والمترفون الهائمون يقهقهون ويضحكون
يمزقون الليل في الحانات في دنيا الفتون
والجاز ملتهب يضج حياله نهد وجيد
موائد خضراء تطفح بالنبيذ والورود
لهف من الشهوات يجتاز المعابر والسدود
هل يسمعون ؟
صخب الرعود صخب الملايين الجياع
يشق أسماع الوجود
لا يسمعون إلا شهوات حياتهم
وكأنهم صم الصخور
وغداً نعود حتماً نعود
للقرية الغناء للكوخ الموشح بالورود
نسير فوق جماجم الأسياد مرفوعي البنود
تزغرد الجارات والأطفال ترقص والصغار
والنخل والصفصاف والسيال زاهية الثمار
وسنابل القمح المنور بالحقول وبالديار
لا لن نحيد عن الكفاح
ستعود افريقيا لنا وتعود أنغام الصباح