
تحقيق ــ انتصار فضل الله
لم يتردد حسين، الذي كان يعمل في سوق الذهب بالخرطوم، في التوجه صوب الصحراء الممتدة من شرق البلاد إلى شمالها، لتعويض خسارته في سوق الذهب بعدما فقد رأس ماله إثر عمليات النهب التي وقعت خلال أسابيع الحرب الأولى.
يقول حسين، وهو اسم مستعار، إن المغامرة التي خاضها كانت محاطة بالمخاطر في ظل وجود عصابات وشبكات تسيطر على الصحراء دون ضابط ولا رابط، ابتداءً من أذونات خروج الذهب المزورة مرورًا بالتهرب الضريبي، وتنشط ذات الشبكات في تجارة المخدرات في مناطق واسعة في الصحراء.
قضى حسين أربعة أشهر متنقلًا بين مناجم الذهب الواقعة في منطقة “الكليس” بالصحراء، وتمكن خلال نصف هذه المدة فقط من تعويض كل خسارته، والتي قدرها بمليارات الجنيهات، حيث نشط مع آخرين في تهريب الذهب إلى مصر.
ويشير إلى أن مناجم الذهب في الصحراء تشهد عمليات تهريب مستمرة إلى مصر وجنوب السودان، وتتحكم شركات ومجموعات قبلية بعينها في سوق الذهب والتلاعب في عياراته وسط غياب كامل للسلطات الرسمية.

ويعمل التاجر أمين في التنقيب بمنطقة الكليس التابعة لولاية البحر الأحمر منذ سنوات؛ كان يأتي إلى الخرطوم لبيع إنتاجه لبعض الصاغة بأسعار متفق عليها، وعقب الحرب التي ألحقت به خسائر فادحة، تمكن في فترة وجيزة من إيجاد سوق لإنتاجه عبر التهريب وبأسعار مرضية.
يذكر أمين أن سوق التهريب وسّع نشاطه التجاري، حيث يقوم ببيع الذهب المهرب ويحوّل العائد منه لشراء مواد كيماوية تدخل ضمن عمليات استخلاص الذهب دون خضوعها لأي مواصفات ومعايير، حيث تخلو منطقة الصحراء من أي وجود لسلطات رسمية.
بعد اندلاع الحرب في الخرطوم في 15 أبريل 2023، تعرضت متاجر المجوهرات للسرقة بشكل كلي وجزئي، مما ترتب عليه خسائر مليارية على تجار الذهب، فكانت “الصحراء” وجهة لعدد فاق الـ100 تاجر ذهب، وفقًا لمعلومات غير رسمية تحصلنا عليها، جميعهم انخرطوا في نشاط التهريب لتعويض خسارتهم.
وتشير تقارير غير رسمية إلى ارتفاع كميات الذهب المهرب إلى جمهورية مصر منذ تفجر الحرب في أبريل 2023م، حيث تم تهريب ما بين 50 – 70% من إنتاج البلاد خلال هذه الفترة، دون تدخل رسمي في هذا الشأن.
وكشفت معلومات تفصيلية تحصلنا عليها أن حصيلة الصادر من المعدن النفيس، وفقًا للتقديرات الرسمية، ينبغي أن تعود على خزينة الدولة بما قيمته 7 مليارات دولار سنويًا، لكن الواقع الآن أن حصيلة الصادر لا تتجاوز 1.5 مليار دولار فقط.
واستعصى الحصول على معلومات حول حصائل الصادر من بنك السودان بسبب عدم رد المسؤولين، فيما اكتفت هند الصديق، وكيل وزارة المعادن، بالقول إنها بحاجة لوقت للتنظيم وإعداد خطط خارطة طريق لتطوير القطاع كله.
وحصيلة الصادر هي نسبة غير ثابتة يتم تحصيلها من تصدير السلع بواسطة المؤسسات الرسمية ذات الصلة، وعادةً توظف أموال حصيلة صادر الذهب في تمويل السلع الرئيسية مثل القمح والوقود، وتُفرض الحصيلة على الذهب المصدر عبر القنوات الرسمية، أما ما يتم تهريبه، وهو النسبة الأكبر، فلا يخضع لأي حصيلة صادر.
وكشفت ذات المعلومات التي تحصلنا عليها من مسؤول رفيع في مؤسسة رسمية في قطاع المعادن، أن عددًا مقدرًا من الشركات الحكومية المتنفذة بواسطة أجهزة نظامية، متورطة في التهرب من دفع حصيلة الصادر، لكن المصدر تحفظ عن تسمية الشركات والأجهزة النظامية. وحول كميات الذهب المهرب إلى مصر، قال المصدر الذي اشترط حجب اسمه مقابل الإدلاء بمعلومات: “تستقبل مصر شهريًا 6 أطنان من الذهب تقريبًا”، ولا يبدو أن هناك خطة لوقف التهريب ووضع سياسات تحد منه، وفقًا للمسؤول الذي رمى اللوم على سياسات البنك المركزي التي قال إنها تشجع على التهريب.

وقدّر مصدر رسمي آخر نسبة الذهب المهرب إلى مصر بأكثر من 35%، وفقًا لبيانات غير معلنة.
وقفزت صادرات الذهب في مصر بشكل غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة، وفقًا لتصريحات رسمية نقلتها وسائل الإعلام، حيث بلغت خلال الربع الأول من 2025 أكثر من 3 مليارات دولار، وذلك لأول مرة في تاريخ صادرات قطاع الذهب، وهو رقم يعادل إجمالي صادرات الذهب خلال الاثني عشر شهرًا الماضية.
وعجز البنك المركزي عن وضع حد لتهريب الذهب، إذ يقف توفر النقد الأجنبي عائقًا رئيسيًا في ظل تدهور مستمر للعملة المحلية، واتبع البنك سياسات عديدة للسيطرة على المعدن النفيس لكنها لم تصمد.
نفوذ قبلي واسع في الصحراء وغياب تام للدولة
خلال الإمساك بخيوط هذا التحقيق، وضعنا يدنا على نفوذ واسع لمجموعات من قبائل الرشايدة، والتي تسيطر على نشاط التهريب في الصحراء وتقوم بشراء غالبية الذهب المهرب وبأسعار مغرية للتجار.
ويحاكي الوضع طبيعة السيطرة القبلية على مناطق جبل عامر الغنية بالذهب في شمال دارفور إبان حكومة البشير، حيث تحل القبيلة محل الدولة الغائبة تمامًا في هذه المناطق.
وأفاد عدد من التجار تحدثوا لنا بأن هذه المجموعات القبلية هي التي تشتري الذهب بعد أن يقوم التجار أو الشركات بإنتاجه أو شرائه من الشركات الكبرى، وأوضح التجار أن المجموعات القبلية لديها حرية واسعة في الحركة في الصحراء حتى الحدود، وتقدم أسعارًا مغرية للتجار.
وكشف أحد التجار المتعاملين في سوق الذهب بالصحراء عن طائرات تتبع لشركات روسية وأردنية تهبط باستمرار في محيط المناجم في الصحراء.
خالد الخنجر تبيدي، رئيس غرفة الذهب بولاية الخرطوم، يقدّر إنتاج الصحراء من الذهب بـ100 طن يوميًا، ويقول إن نسبة الذهب المهرب أعلى من نسبة الذهب المشترى بواسطة البنك المركزي، ووفقًا لتقديرات غرفة الذهب بولاية الخرطوم، بلغت نسبة الذهب المهرب 40% من إجمالي الذهب المنتج في البلاد، وهي نسبة قريبة من الإحصائيات الرسمية غير المعلنة.
التاجر محمد بشير محمد الناير، يعمل في سوق الذهب بأم درمان؛ من خلال تجربته وعمله في المناجم في شرق وشمال البلاد، يؤكد النفوذ القبلي الواسع في هذه المناطق، حيث تتحكم مجموعات محددة في تهريب الذهب إلى مصر؛ تقوم بشراء الذهب بأسعار مغرية تفوق السعر السائد في السوق، مما تسبب في ارتفاع الأسعار وعجز صغار التجار عن مجاراتها، الأمر الذي خلق حالة عطالة وسط بعض تجار الذهب، وفقًا لوصف الناير، وعزا التهريب إلى مصر خلال الحرب لأنها الأقرب ويسهل الوصول إليها عن طريق البر بعد خروج المطار الرئيسي في الخرطوم عن الخدمة.
يؤكد الناير إنتاج مناجم الصحراء لكميات كبيرة من الذهب من خلال الطواحين الموجودة في منطقة العبيدية التابعة لولاية نهر النيل، بالإضافة لمناطق بورتسودان، أربعات، والكليس التابعة لولاية البحر الأحمر.
وقال إن الأخيرة تضم 120 شركة تعدين أهلي و200 محل ذهب، هم من يشترون الناتج من الشركات ثم يبيعونه لقبائل في الشرق، وقدّر تجار تحدثوا لنا حصيلة الذهب في هذه المنطقة بـ10 – 12 كيلوجرامًا يوميًا، وأوضحوا أن أقل شركة تستخدم 10 ماكينات طحن، حيث يتم تجميع كل الذهب وتسليمه للمجموعات القبلية المعنية والتي تتولى تهريبه.
تقارير دولية تضع يدها على أرقام فلكية
ووفقًا لتقرير الوكالة السويسرية للتنمية الدولية، الذي تحصلنا على نسخة منه، يهيمن التعدين الحرفي والصغير النطاق على قطاع الذهب في السودان، حيث يمثل 91.5% من إجمالي الإنتاج المعلن في عام 2024. وتلعب شركات معالجة المخلفات، التي غالبًا ما ترتبط بمصالح تجارية للنخب السياسية والجماعات المسلحة، دورًا مهمًا في هذا القطاع. على النقيض من ذلك، لا يشغل تعدين الذهب الصناعي سوى حصة ضئيلة من السوق.
وبحسب التقرير، تنتشر مواقع التعدين على مساحة شاسعة مع وجود إداري ضعيف؛ وعلى الرغم من التقديرات المتضاربة، قال التقرير إن السودان ينتج ما بين 70 و90 طنًا من الذهب سنويًا، مع زيادة الإنتاج في عام 2024 حيث وصل رسميًا إلى 64 طنًا في نهاية ذلك العام.
اعترافات رسمية بالتهريب
ووفقًا لتصريحات رسمية منسوبة لوزير المالية جبريل إبراهيم، أنتج السودان 64 طنًا من الذهب في 2024 وصدّر رسميًا 31 طنًا، أي أن نحو 50% من الإنتاج تم تهريبه.
ويشير تقرير الوكالة السويسرية إلى أن ما بين 50 و70 في المائة من إنتاج الذهب في السودان يتم تهريبه خارج البلاد كل عام، وتم شحن حوالي نصف هذا الذهب المهرب مباشرة إلى الإمارات العربية المتحدة، وبدرجة أقل إلى دول أخرى مثل روسيا، وتم شحن النصف الآخر إلى دول مجاورة.
وخلال السنوات الأخيرة، باتت الإمارات الوجهة الرئيسية لكل صادرات الذهب المعلنة من الصادرات الرسمية والمهربة، ويتم التهريب عبر مطار الخرطوم الدولي الذي ضبطت سلطاته مرارًا شحنات ذهب مهربة، غير أن خروج المطار الرئيسي من الخدمة بعد الحرب فتح بابًا جديدًا للتهريب عبر الصحراء، لتصبح مصر سوقًا جديدًا لذهب السودان المهرب.
وأشار تقرير الوكالة السويسرية إلى أنه منذ أبريل 2023، لا تشمل أرقام إنتاج الذهب الرسمية الذهب المنتج في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، والتي لا تتوفر عنها بيانات رسمية.
ورغم كل هذه الإحصائيات المتطابقة، إن كانت صادرة عن تقارير دولية أو تصريحات رسمية أو معلومات مسربة، تقول الشركة السودانية للموارد المعدنية إنه من الصعب التكهن بوجود نسبة تهريب للذهب، وأن أي جهة تقول غير ذلك كاذبة؛ مؤكدة في إفادتها لـ”SARC” تدني عمليات التهريب أمام نسبة الصادر الرسمي والإنتاج خلال الفترة الأخيرة.
وحسب إحصائيات تحصلنا عليها من إدارة التخطيط والمعلومات بالشركة، بلغ إنتاج السودان من الذهب خلال فترة الحرب من أبريل 2023 – مايو 2025م حوالي 114 طنًا؛ تعادل نسبة الصادر منه إلى الخارج 40% بحصيلة تجاوزت 2 مليار و300 مليون دولار؛ فيما توزعت نسبة 60% المتبقية ما بين نصيب للدولة وفقًا لاتفاقيات الشركات العاملة في مجال التعدين أو تذهب للتخزين والتصنيع والتشغيل في السوق المحلي.
وانتعش سوق التعدين التقليدي مع الحرب بعدما توقف عدد مقدر من القطاعات الإنتاجية، واتجهت أنظار كل العمالة الموجودة في المناطق الزراعية والحرفية إلى مناطق التعدين التقليدي، مما أدى بشكل مباشر إلى زيادة إنتاج التعدين الأهلي، حيث أصبح يعادل نسبة 80% من إنتاج السودان الكلي للذهب، وبلغ عدد المعدنيين التقليديين 2 مليون معدّن، وفقًا للبيانات الرسمية.
دارفور 24




اقتباس:-
كيف أصبحت مصر وجهة جديدة لتهريب الذهب من السودان؟!!
تعليق:-
عناوين اخبار دون الدخول في التفاصيل:
(أ)/- إيقاف عمليات شركة بدر للطيران لتكرر تهريب الذهب عبر طائراتها. – 15 مايو 2021-
(ب)/- حيلة إماراتية جديدة لتهريب الذهب من السودان -09.08.2025-
(ج)/- ضبط 4 سبائك ذهب زنة 10.37 كيلو داخل طائرة فلاي دبي.
(د)/- رغم الحظر: ذهب السودان يطير إلى الإمارات.. ما الذي يحدث ومن المستفيدمن حرب السودان؟!!. -٨/ اغسطس ٢٠٢٥-
(هـ)/- نيويورك تايمز : طائرة سرية تنقل ذهب بقيمة 25 مليون دولار من دارفور للإمارات. -ديسمبر 12, 2024-
(و)/- من وراء تهريب “102” طن ذهب من مطار الخرطوم عبر الخطوط الإماراتية؟!!. -27.01.2018-
(ز)/- إمارات ليكس ترصد خفايا سرقة الإمارات ذهب السودان.
-10.10.2019-
(ح)/- تفاصيل سرقة الإمارات لجبال الذهب في السودان وتهريبها من مطار الخرطوم!
https://www.youtube.com/watch?v=7BPPQ6Db8Fc
(ط)/- ذهب السودان.. (7) مليارات دولار خسائر الاقتصاد وتزايد نشاط شبكات التهريب. -7 سبتمبر 2025-
(ط)/- ميدل إيست آي تكشف عن طُرق تهريب ذهب السودان إلى مصر.
– 2024-11-22-
(ي)/- نهب الذهب السوداني: كيف تستغل الإمارات الفوضى لسرقة ثروات البلاد؟!!. -يونيو 24, 2025-
(ك)/- سبائك الدم: كيف يهرّب ذهب السودان الذي يموّل حربه الطاحنة؟!
-18.05.2025-
(ل)/- الفايننشال تايمز: تهريب الذهب من السودان إلي الإمارات وروسيا لتمويل الحرب. -يونيو20, 2025-
(م)/- أين يختفي ذهب السودان في زمن الحرب؟!!. -28.05.2025-
(ن)/- الذهب السوداني: من مناجم الحرب إلى أسواق مصر.
-17.11.2024-
(س)/- حمّى الذهب في السودان.. مَن يسرق الثروة الكبرى؟!!
-19.10.2024-
(ع)/- كيف يواجه السودان عمليات تهريب الذهب؟!!
https://www.youtube.com/watch?v=CO6X9HNaIfs
(ف)/- تهريب ذهب السودان في زمن الحرب.. خسارة مضاعفة ومأساة جديدة. -26.01.2024-
(ص)/- السودان.. إحباط محاولة تهريب 40 كيلوغراما من الذهب.
-29.07.2021 –
(ق)/- الأمم المتحدة: الذهب المهرب يؤجج الحرب في السودان.
-13.02.2024-
(ر)/- بلد مسروق: 8.1 مليار دولار من ذهب السودان إلى خزائن مصر.
-22.11.2024-
(ش)/- تقرير بريطاني : الذهب السوداني.. من مناجم الحرب إلى أسواق مصر عبر التهريب وسط غض الطرف لدعم الجنيه المصري.
-2024-11-18-
(ت)/-الذهب المسروق من السودان.. شرايين الحرب تمر عبر الإمارات.
-05.04.2025-
(ث)/- تهريب الذهب في السودان .. فساد مقنن وتسهيلات حكومية.
-02.01.2024-
(خ)/- السودان: التحقيق مع موظفين روس بتهمة تهريب الذهب.. صراع دولي بأدوات داخلية. -01 مارس 2023 –
(ذ)/- تهريب 267 طنا من الذهب السوداني خلال 7 سنوات. -28.09.2021-
(ض)/- تقرير بريطاني : نصف ذهب السودان يهرب الى هذه الدولتين الإمارات وروسيا. -2025-06-23-
(غ)/- سوداني يقف وراء اكبر عملية تهريب ذهب للهند في يوم واحد.
١/- تهريب ذهب السودان داخل أرحام الإبل إلى الشمال.
٢/- تهريب 75% من إنتاج الذهب بالسودان بسبب السياسات النقدية.
٣/- فضيحة تهريب الذهب: كيف أشعل ذهب السودان أزمة سياسية في سويسرا؟!!
٤/- ليست الإمارات.. لن تصدق.. صحفي يكشف عن تهريب 60% من ذهب السودان لهذه الدولة؟!!
٥/- السودان: تهريب ذهب بقيمة 10 ملايين دولار منذ بداية العام ٢٠٢١.
٦/- السودان.. تهريب 80 كيلوغرامًا من الذهب يوميا طوال 7 سنوات.
٧/- تهريب ذهب السودان داخل أرحام الإبل إلى تجار مصريين.
٨/- تحقيق يكشف عن تهريب 90% من ذهب السودان بمبالغ تصل لـ 13.4 مليار دولار.
٩/- شاهد: السودان يصادر 241 كيلوغراماً من الذهب ضبط على متن طائرة هبطت في الخرطوم.
١٠/- تهريب الذهب السوداني إلى الإمارات.. من يملك الثروة ومن يقرر وجهتها؟!!