الحقيقة التي أنهتها التجربة: ستة وثلاثون عامًا كافية لإسقاط وهم المشروع الحضاري الاسلاعروبي

الشعب السوداني هو صاحب القرار وموطن الشرعية، وليس المجتمع الدولي ولا رباعيته ولا الإمبريالية ولا حتى قوى الداخل المتنازعة من “حرية وتغيير” أو غيرها. القرار الشعبي هو الذي يحدد مستقبل السودان، وهو الذي أعلن بوضوح أن الطريق لاستكمال ثورته يبدأ بعزل وإقصاء ومحاكمة تنظيم الحركة الإسلامية ومليشيات الجنجويد، باعتبارهما أصل الأزمة ومصدر التدمير والتأزيم المستمر.
إن إقصاء هذه التنظيمات لا يمثل رغبة انتقامية ضيقة، بل هو الخطوة الأولى الصحيحة والضرورية من أجل استعادة الدولة، حماية المجتمع، وبناء مستقبل قائم على السلام والعدالة. فالتجربة الطويلة التي عاشها السودان خلال ستة وثلاثين عامًا من حكم الحركة الإسلامية لم تترك أي مجال للجدل أو المساومة: لا حول “الدولة الإسلامية”، ولا حول “دولة الخلافة”، ولا حول شعار “الإسلام هو الحل” ولا ما سُمّي بالمشروع الحضاري. ولامازق الهوية الرعناء عرب ام فارقة الهوية الأرض وعلاقاتها
لقد دفعت الشعوب السودانية تكلفة هذا الجدل الشيطاني من دمها وكرامتها واستقرارها. الحرب المستمرة، القهر، الفساد، تفكك الدولة، وتهجير الملايين، كل ذلك كان نتيجة مباشرة لشعارات لم تُترجم إلى مشروع إنساني أو وطني حقيقي، بل إلى منظومة عنف وفساد وهيمنة. حرب التجربة الطويلة أنهت أي قيمة لهذه الشعارات، وأثبتت أن ما بُني على الوهم لا يقود إلا إلى الخراب.
ستة وثلاثون عامًا من الهدر والقهر والدماء كانت كافية لإغلاق هذا الباب نهائيًا. لم يعد هناك مجال للحديث عن “الإسلام السياسي” كمشروع إنقاذ أو كطريق إلى الخلافة أو الدولة العادلة. التجربة نفسها كانت المحاكمة الفكرية والعملية، وكان الحكم واضحًا: الفشل الكامل، والانهيار الشامل، والدمار الذي غطّى كل السودان.
ولهذا فإن الثورة السودانية اليوم، في صميمها، ليست مجرد احتجاج على سلطة عابرة أو حكومة عسكرية أو مليشيا منفلتة، بل هي إعلان نهاية لمرحلة كاملة من الوهم. إقصاء التنظيمات المسؤولة ليس خيارًا سياسيًا بين خيارات متعددة، بل شرط أساسي لسلام السودان واستقراره.
إن قرار الشعب السوداني بقطع الطريق أمام هذه التنظيمات هو بداية الطريق الصحيح، وهو التعبير الأصدق عن إرادته الحرة التي لا يمكن مصادرها لا من الخارج ولا من الداخل.
فالسودان، بعد هذه التجربة المرة، يحتاج إلى بناء دولة ديمقراطية سودانية دولة مدنية عادلة، تحترم الإنسان وتحفظ الحقوق وتفتح الطريق أمام مستقبل يستند إلى قيم الأرض وعلاقاتها يستند على الحرية والعدالة والمساواة، يقر وستند على تفكير جديد أن السلطة الاقتصادية للمنتجين لا إلى شعارات جوفاء استُهلكت حتى تحولت إلى وبال على البلاد.



