بيان الرباعية: قراءة متفائلة للتعافي الوطني وبناء سودان جديد (2)

عبد القادر محمد أحمد / المحامي
فور صدور بيان “الرباعية”، رحّبت به قوى مدنية وسياسية ونقابية، بينما تباينت ردود أفعال الأفراد بين مرحّب ومتحفظ ورافض. وخارجياً، لقي البيان تأييدًا من منظمات إقليمية ودولية.
بيان الخارجية السودانية رحب بالجهود الخارجية والاستعداد على الانخراط مع أي جهة تسعى للمساعدة في إنهاء الحرب، شرط احترام السيادة، مؤكدًا أن القرار النهائي يجب أن يكون سودانيًا. كما رفض المساواة بين الدولة والدعم السريع، مشددًا على أن الشعب هو الذي يحدد كيفية الحكم من خلال جهود التوافق الوطني التي تسعى لها الحكومة التنفيذية.
أما بيان الحركة الإسلامية، فقد طغى عليه الطابع الديني التعبوي، مقدمًا الحركة بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب والجيش، ومتبنيًا موقفًا تصعيديًا يهاجم دول الرباعية ويرفض أي وساطة خارجية، ويصف القوى السياسية بالعمالة والخيانة، ويصور نفسه الحامي الأوحد للدين والوطن.
بالمقارنة بين البيانين، نجد أن بيان الخارجية جاء دبلوماسيًا ومتزنًا في لغته ومضمونه، بينما جاء بيان الحركة الإسلامية انفعاليًا وخارجًا عن اللباقة، إذ وصفوا أنفسهم بأنهم الممثل الشرعي الوحيد للشعب والجيش، وأنهما تحت وصايتهم، وهاجموا دول الرباعية بلغة الاستنفار والجهاد.
ويلاحظ أن البيانين صدرا في يوم واحد، لكن يبدو أن بيان الحركة الإسلامية جاء بعد اطلاع كاتبه على بيان الحكومة، إذ تعكس لغته ومضمونه أنه يرد على كل من بيان الحكومة وبيان الرباعية.
وبغض النظر عن حقيقة وضع الحركة الشائك وغير المعلن رسميا داخل السلطة، فإن بيانها يمثل إحراجًا كبيرًا للسلطة أمام الداخل والخارج، ويكشف تناقض المواقف ويشير إلى احتمالات مواجهة حتمية.
وخلافًا لما جاء في بيان الحركة الإسلامية، نرى أن قيام الرباعية بطرح خارطة طريق لإنهاء الحرب لا يمس السيادة، بل تبرره مأساة نزوح ملايين السودانيين قسرا إلى دول الجوار، حيث يواجهون الجوع والمرض ويشكلون أعباءً اقتصادية واجتماعية وأمنية على تلك الدول، إضافة إلى انتشار تجارة السلاح بين الدول، وتعطيل طرق التجارة الدولية، وتهديد استقرار البحر الأحمر كممر دولي. فأصبحت الحرب مهددًا للاستقرار الإقليمي والدولي، بما يستوجب تدخل مجلس الأمن، غير أنه لم يفعل بسبب تضارب مصالح الدول الكبرى واستخدام الفيتو.
ولذلك، فإن استمرار التمسك بالحرب يشكل استخفافًا بالمواطن والدولة ومحيطها الخارجي. فجاء بيان “الرباعية”، من حيث المبدأ، أمرًا حتميًا ومقبولًا، ويبقى حديث السيادة مجرد شعار بلا مضمون.
إن خطاب الحركة الإسلامية، أياً كانت مبرراته، يستوجب منا وقفة واعية والانتباه لخطورته، لأنه يربط مصير الحركة بمصير الوطن والشعب بأكمله، ويسعى لجر الرأي العام وراء شعارات تكرّس حرب السلطة والمال باسم الدين والوطنية، ويستغل الحرب للاستقطاب السياسي ولصراعات لا موجب لها في مواجهة المجتمع الدولي. في وقت نحن في امس الحاجة للجهود الدولية للخروج من هذه الأزمة الكارثية.
نواصل…


