مقالات وآراء

عالم بلا سلاح… حلم أم ضرورة؟

منذ فجر التاريخ، ظل السلاح رمزاً للقوة وهيبة الدول. غير أنّ ما تشهده منطقتنا العربية والإسلامية اليوم يكشف بجلاء أنّ السلاح لم يعد، اليوم، ضمانةً للأمن ولا حصناً للحياة الكريمة. بل أصبح لعنةً تستنزف الثروات، وتُشعل الحروب، وتزرع الموت والدمار حيثما حلّ.
أليست القضية الفلسطينية أوضح شاهد على بطلان منطق السلاح؟ أكثر من سبعة عقود وأمتنا تنفق المليارات على التسلّح، لكن فلسطين لا تزال تحت الاحتلال، وغزة تنزف يومياً دماً وجوعاً وتهجيراً، بينما يمعن الاحتلال الإسرائيلي في بطشه وإرهابه الممنهج دون أن يردعه رادع.
فما نفع الترسانات العسكرية الضخمة، وما جدوى الصواريخ والطائرات إن لم تحمِ الإنسان من الذبح والحصار والتجويع؟وليس المثال القطري ببعيد عن الأذهان. قطر، التي تحتضن أقوى قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، لم تمنعها هذه الترسانة الحديثة من أن تُستباح سماؤها وتُضرب عاصمتها الدوحة في عمقها بكل جرأة ووقاحة. فهل بعد هذا يظل السلاح عنواناً للسيادة، أم أنه مجرد وهم كبير تروّجه شركات السلاح العابرة للقارات وتستثمر فيه القوى الكبرى لترسيخ هيمنتها؟الشواهد على عبثية السلاح لا تُحصى.
دول وجماعات امتلكت أحدث ما أنتجته مصانع الموت، لكنها انهارت في ساعات أمام خصوم أقل عدداً. وإسرائيل، التي أصبحت أضعف سياسياً رغم امتلاكها ترسانة ضخمة وغطرسة عسكرية، جلبت على نفسها غضب العالم بأسره. فاستخدام قوة السلاح لم ولن يجلب لها الاحترام، بل أضعفها وجعل رئيس وزرائها مطارَداً أمام محكمة الجنايات الدولية.
وها هي أكثر من مئة وخمسين دولة في العالم تعلن اعترافها بدولة فلسطين، في مقابل عشر دول فقط تعارض ذلك. فيثبت، بياناً بالعمل، أنّ السلاح الذي استنزف المليارات وأعمار الأجيال لم يكن سوى حديدٍ أصمّ ينهار مع أول اختبار حقيقي. بل إن تكديس السلاح صار في ذاته سبباً للحروب، ومبرّراً للتدخلات الخارجية، ومدخلاً لتدمير المجتمعات من الداخل، ومجلبةً لغضب الأمم على من يستخدمه طلباً للقوة والمجد، فلا مجد يأتي بالسلاح.
إذن، ما قيمة السلاح إذا كان لا يحمي صاحبه؟ ما جدواه إذا كان لا يمنع الهزائم، ولا يوقف المجازر، ولا يحقق الهيمنة والقوة لمستخدميه؟ ألا يكون الأجدر أن نحلم بعالم لا تحكمه المدافع ولا الطائرات، بل يسوده العقل والحوار والتعاون؟ عالم يشتري فيه الإنسان راحة البال بلا جهد ولا دماء ولا مليارات تُهدر؟
إنّ الدعوة إلى عالم منزوع السلاح ليست حلماً رومانسياً بعيد المنال، بل هي ضرورة وجودية لإنقاذ إنسان هذا الكوكب من الجنون النووي والحروب العبثية.
فلتكن البداية من عالمنا العربي والإسلامي، حيث آن الأوان أن نُعيد تعريف القوة: لا بأنها في امتلاك السلاح، بل في امتلاك القدرة على بناء السلام العادل والمستدام.
أرجو ان تكون القمة العربية الاسلامية التي تنعقد في الدوحة والتي تبحث الرد الدبلوماسي، السياسي على العدوان الاسرائيلي الجبان ضد دولة قطر- تمهداً لبداية السير في الطريق نحو السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..