مقالات وآراء

مأساة معلمي ولاية الجزيرة: جراح مفتوحة لا تندمل

في قلب السودان، وتحديدًا في ولاية الجزيرة، تتجلى واحدة من أفظع مآسي الكوادر التعليمية في العصر الحديث. إنها مأساة معلمي الجزيرة، الذين يُنهكون كل يوم تحت وطأة الظلم، ويُكابدون الذل والإهانة، لا لذنب اقترفوه سوى أنهم اختاروا أن يكونوا حَمَلة مشاعل النور في بلدٍ يطفئ شموعهم الواحدة تلو الأخرى.

مستحقات متراكمة وظلم لا يُطاق

قائمة المتأخرات التي يُطالب بها معلمو ولاية الجزيرة تكشف عن حجم الكارثة التي يعيشونها:
١. ٤٠٪ من مرتبات أشهر يوليو، أغسطس، سبتمبر، وأكتوبر ٢٠٢٣، لم تُصرف حتى اليوم.
٢. مرتبات عام ٢٠٢٤ كاملة، من يناير وحتى ديسمبر، أي ١٢ شهرًا بلا مقابل.
٣. مرتبات ثلاثة أشهر من عام ٢٠٢٥ (يوليو، أغسطس، سبتمبر) لم تُصرف.
٤. ست منح للأعياد، تُعتبر من أبسط حقوق العاملين في جهاز الدولة.
٥. بدل اللبس والبديل النقدي لثلاث سنوات متتالية.
٦. تعديل بدل الوجبة منذ صدور القرار، دون تنفيذ فعلي.
٧. الترقيات وفروقاتها التي تُمنح على الورق دون أثر مالي حقيقي.
٨. المطلب الأهم: إدخال البديل النقدي وبدل اللبس ضمن المرتب الأساسي ليُصرف بانتظام.

إهمال المعاشيين: ذروة الظلم
ولا تكتمل الصورة دون الحديث عن المعاشيين – أولئك الذين أفنوا أعمارهم في خدمة التعليم، وانتظروا بشيء من الأمل مكافأة نهاية مشوارهم، ليُفاجأوا بأن ما ينتظرهم ليس التكريم، بل الحرمان، الإذلال، والتجويع. فبدلاً من تكريمهم، يتم تجاهل حقوقهم، وكأن ما بذلوه من جهد لم يكن له وجود.

أين الدولة؟ وأين الضمير؟
كيف لدولة أن تتغاضى عن معلميها؟ من غيرهم يصنع الإنسان؟ من غيرهم يزرع بذور الأمل في أذهان الأجيال؟ من غيرهم يواجه الحرب والأزمات والدمار بسلاح الطباشير والسبورة والكلمة الصادقة؟ ورغم ذلك، يُعاملون وكأنهم عبء، لا قيمة لهم ولا اعتبار.

نداء عاجل
إن ما يحدث لمعلمي ولاية الجزيرة لا يجب أن يمر مرور الكرام. هذا ليس فقط ملفًا إداريًا أو مطلبًا نقابيًا، بل هو قضية أخلاقية وإنسانية. الصمت عنها يعني التواطؤ، ويعني أن القادم أسوأ لكل من يمتهن التعليم.
على الحكومة أن تفي بالتزاماتها فورًا، وأن تصرف جميع مستحقات المعلمين بلا تسويف أو مماطلة. كما يجب أن يُكرّم المعاشيون لا أن يُهانوا.
ففي النهاية، من لا يكرم معلميه، لا يملك مستقبلًا يُرجى.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..