إهانة أكرم المهن: التعليم بين سلعة رخيصة وانهيار القيم

إن كان ثمة مهنة تعلو على المهن كلها في شرفها ورمزيتها، فهي مهنة التعليم. هي المهنة التي أوكل الله رسله والأنبياء حمل رسالتها، بالعلم والتربية والأخلاق. لكن في السودان، على يد جماعة الإخوان المتأسلمين – هؤلاء المرضى النفسيين – تحولت هذه المهنة إلى سلعة رخيصة، وساحة للابتزاز والإذلال، بعد أن أفرغوها من مضمونها التربوي، وجعلوا همهم المال، ولو كان الثمن كرامة طفل بريء.
القصة التي تتداولها وسائل التواصل الاجتماعي عن روضة مدرسة “نور المعارف!!؟!” بمدينة الأبيض ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي جبل الجليد الذي يكشف الى أي قاعٍ أخلاقي سقط هؤلاء المرضى النفسيون.
قصة أمٍّ دفعت رسوم شهر كامل (١٥٠ ألف جنيه) لابنها في الروضة، ثم اضطرّت للرحيل بعيدًا عن المدرسة. أخبرت الإدارة بأنها دفعت ما عليها، ولن تستطيع الاستمرار. فماذا كان الرد؟ بكل لؤم ووقاحة، أصرت المسؤولة أن تدفع الأم بقية الأقساط لثلاثة أشهر لن يدرسها الطفل أصلاً! وعندما رفضت الأم، انحدرت “المشرفة!!” إلى الدرك الأسفل من الأخلاق: طالبتها برد ملابس المدرسة. الأم وافقت، وقالت ستعيدها فور وصول الطفل البيت.
لكن، وبلا خجل ولا ذرة إنسانية، ردّت المسؤولة: “سننزعها من الطفل الآن ونرسله عريانًا حتى البيت.
”وفعلوا ذلك! نزعوا ثياب طفل عمره ثلاث سنوات أمام زملائه، في الترحيل، وهو يبكي بدموع حارقة من الإذلال والعار.
هل هذه وزارة التربية والتعليم أم وزارة التعرية والإهانة؟!
أين التربية؟ أين الرحمة؟ أين الأخلاق؟
هذه القصة لو حدثت في أي دولة تحترم نفسها لكانت فضيحة مدوية، ومحاكمات عاجلة، وتعويض للطفل ولأسرته. لكن في السودان، تحت سيطرة الكيزان، لا حياة لمن تنادي.
ما فعله الإخوان المتأسلمون بالتعليم ليس مجرد فساد إداري أو جشع مالي، بل هو جريمة أخلاقية ونفسية كاملة الأركان. لقد قتلوا روح التربية في المدارس، حوّلوا الطالب إلى رقم في دفتر حساباتهم، والمعلّم إلى موظف مقهور، والمدرسة إلى سوق نخاسة.
وكما قال الأستاذ محمود محمد طه:
“كلما أسأت الظن بهذه (الجماعة)، تجد سوء ظنك في محله.
”وفي رواية أخرى:
“كلما أسأت الظن في هذه (الجماعة)، تجد أنك قد أحسنت فيهم الظن، لأنهم أسوأ من سوء الظن العريض.
”هذه الحكاية ليست مجرد حادثة فردية، بل مرآة لثلاثة عقود من حكم الكيزان. ثلاثون عامًا من تدمير التعليم، وإهانة المعلم، وتسليع التعليم والطالب، وتخريب القيم.
يا شعب السودان، لا تتهاونوا مع هذا النوع من الجرائم، فدموع ذلك الطفل العاري هي دموعكم جميعًا. وما لم نقف جميعًا ونقول: كفى، سيستمر الكيزان في قلع ثياب أطفالنا، لا في المدارس وحدها، بل في الوطن كله.



