مقالات وآراء

نحن لسنا شرقكم ولا غربكم: كيف يعاد استعمارنا باسم الديمقراطية والإنسانية؟ بعد حربكم وسلاحكم

منذ أن نشر إدوارد سعيد كتابه الاستشراق (1978)، أصبح من الصعب تجاهل حقيقة مؤلمة: “الشرق” لم يكن مجرد واقع جغرافي أو ثقافي بقدر ما كان بناءً خطابيًا صنعه الغرب لتبرير الهيمنة. سعيد كشف كيف أن صورة “الشرق” في الأدب والسياسة والمستعمرات كانت اختراعًا يخدم مصالح السلطة. لكن النقاش لم يتوقّف هناك: نيشا ماك سويني والباحثون المعاصرون ذكرونا أيضاً بأن “الغرب” هو في حد ذاته اختراعٌ خطابِيّ — صورة صنعها الغرب عن نفسه لتثبيت موقعه كقوة عقلانية وإنسانية متفوقة.
بعبارة أخرى: ثنائية “شرق/غرب” ليست حقيقة طبيعية بل سردية كبيرة صاغتها أنظمة السلطة والمعرفة. وما بعد الكولونيالية جاءت لتهشم هذه الثنائية وتعرض استمرار الكولونيالية في وجوهٍ جديدة — ليس فقط بالاحتلال العسكري، بل بالتحكم في السرد، التمويل، والسلاح.اللعب بغباء ابنائنا الليبراليون والكمبرادورات

الاستعمار تغيّر شكله لكنه لم يرحل
فرانز فانون قال إن الاستعمار يترك مرضًا في النفوس؛ عقدة نقص تُسوِّق صورة الآخر كأجود وأكمل. اليوم لا نواجه احتلالًا تقليديًا فحسب، بل نواجه استعمارًا “ناعماً” يَعمل بالتمويل والمنح وصور “الإنسانية” والديمقراطية. برامج الدعم تُفرض أحيانًا بشروط تخدم مصالح الممولين، وصفقات السلاح تغذي الصراعات بينما أرباحها تهرّب للخارج، واقتصاد إعادة الإعمار واللوجستيات يصبح مصدر ربح للدول والشركات التي استفزت الدمار أصلاً.
هذه الآلية تُولِّد حلقة من الاعتماد: منظمات محلية تُصبح مرتهنة للتمويل، نخبة سياسية تُنتخب أو تُسهّل عبر شبكات دعم خارجي، مثال
مشروع الفكر الديمقراطي شمس الدين ضوالبيت مفكر إسلامي
والديمقراطية اولا وكثير منها
وشعبٌ يُحرم من بدائل اقتصادية حقيقية فيلجأ شبابه إلى الهجرة في قوارب الموت، باحثين عن “الإنسانية” المزيفة التي بُرِّرت بها سياسات الخارج
هل يمكن للمستضعفين أن يتكلموا؟غاياتري سبيفاك طرحت السؤال المحوري: هل يُسمح للمستضعفين أن يتكلموا؟ الجواب العملي في بلادنا هو: ليس إذ لم نستعد صوتنا ونشكّل منصات حقيقية للمساءلة الذاتية. كثيرٌ من خطاب “حقوق الإنسان” و”بناء الديمقراطية” يتولاه آخرون عنا، يُمثِّلون قضايا شعبنا بلغة ومقاييس لا تعكس حاجاتنا الحقيقية. النتيجة أن قرارَ مستقبلنا يتحوّل إلى لعبة صادرة عن عواصم ليست لنا.هل يمكن للمستضعفين أن يتكلموا؟
الإجابة العمليّة هي: ليس إلا إذا استعادت لجان المقاومة الثورية صوتها ومكانتها. فهذه اللجان، التي لم تكن مسلحة وإنما سلمية بالكامل، أثبتت أنها قادرة على تحدي السلطة المحلية، وانتزاع انتصارات حقيقية ضد تنظيم الحركة الإسلامية. لقد كانت رأس رمح الثورة السودانية، وحصنًا أمام سياسات النيوليبراليين الجدد الذين يحاولون إعادة إنتاج السيطرة باسم الديمقراطية والإنسانية.
لكن الزمن الثوري لا ينتظر. على لجان المقاومة أن تعيد قراءة تجربتها بعد الحرب، وتعيد صياغة نفسها بما يتناسب مع مستجدات الحرب الحالية، كي لا تتحول إلى مجرد “ضرورة مرحلة” ويضيع دورها الثوري. إعادة البناء تتطلب تقييم القوة والضعف، وفهم التحولات الاجتماعية والسياسية، واستثمار المكاسب السلمية لتعزيز استقلالية القرار الثوري الشعبي الان بعد تفجير الحرب وعودة نفس التسويات القديمة قد فهمت ان(لن يحكمنا الاستعمار لن يحكمنا البنك الدولي) ليس شعار خاوي والان علموا من هم الكمبرادورات موظفي المال العالمي سيرجعوا لنفس التسويات وماهماهم
المكان الثالث والهجنة: البديلُ الممكن
هومي بهابها كتب أن الهويات ليست ثابتة؛ هناك “مكان ثالث” يمكن أن ينتج هجنة مفيدة — هويات تتجاوز الثنائية (عرب افارقة.) غابة وصحراء المفروضة. بالنسبة لنا هذا يعني أننا لسنا مضطرين لنُقلّد النموذج الغربي الديمقراطي بحذافيره، ولا أن نتمسك بنماذج سلطوية تحت مسوغاتٍ تقليدية. ولابتسويات تؤبد فوقنا النخب السلطوية يمكننا ابتكار نموذج تسويات أخرى تصيب قضايا الشعوب المنتجة لامصالح النخب وحاملي بنادق الاستعمار نموذج ديمقراطي-اقتصادي-ثقافي يتناسب مع خصوصيتنا، يحفظ كرامتنا، ويستثمر في شبابنا بدلاً من أن يدفعهم إلى البحر.
السياسات التي تقتل مستقبل الشباب وترميهم في بحار إلموت واسواق النخاسه العالمية
ما نحتاجه الآن نابع من فهمٍ واضح: تمويلات “الديمقراطية” و”الإنسانية” التي لا ترافقها مساءلة محلية تعيد إنتاج نفس بنية السيطرة. أما التجارة في السلاح فتبقي النار مشتعلة؛ والصفقات الدولية تُغذّي اقتصاد العنف وتُبقي شبكات الفساد عاملًا أساسيًا في استنزاف موارد الأمة. الشباب يُعامل كبضاعة في سوق الدولي: عناصر عملة، أرقام في تقارير، أو زبائن لمهربي البشر.

الخروج من الأسر: مقاومة معاصرة نصوغها بأنفسنا
إدوارد سعيد هدانا لنرى كيف صُيغ الشرق، ونيشا ماك سويني ذكّرتنا بأن الغرب أيضًا اختراعٌ. فانون وسبيفاك وبهابها وماركس أعطونا أدوات تحلل وتحرر. لكن الفكر وحده لا يكفي — مطلوب فعلٌ سياسي واجتماعي وثقافي ملموس.
في البداية  والنهايه — نحن ندخل مرحلة مقاومة معاصرة لا تكتفي بالكلام وإنما تعمل على أرض الواقع: مقاومة للاستعمار الناعم، مقاومة لاقتصاد الحرب، ومقاومة لأي أجندة خارجية وبنوك وبيوتات مال تحوّلنا إلى ساحة لتصفية مصالح الآخرين. ونؤكد هنا شعارنا القديم الذي يجب أن يعود ليكون نبراسنا:

“لن يحكمنا الاستعمار — لن يحكمنا البنك الدولي.”
هذا الشعار ليس جمال كلمات؛ إنه بيان موقف عملي: رفض للإملاءات السياساتية والاقتصادية الخارجة عن إرادتنا، ومطالبة بمساءلة حقيقية لكل تمويل وكل شراكة. وفي هذا الطريق يجب أن نواجه أيضاً تنظيماتٍ محلية، بما في ذلك الحركة الإسلامية حين تُمارس سياسات تتقاطع مع النيوليبراليين والقوى الخارجية — فهي حين تفعل ذلك لا تكون في موقع مُناهضة الاستعمار بل في حلقة من إعادة إنتاج تبعيتنا. علينا أن نقول ذلك بصراحة: أي قوة محلية تتعاون مع اقتصادات الحرب والبنك الدولي أو تُشجّع تبعية القرار الاقتصادي والسياسي يجب أن تُحاسب من قبل الشعب ذاته.
نحن لسنا نصاً في كتاب مستشرق، ولا مادة لبرنامج إنساني يُكتب في عواصم بعيدة. نحن شعب يملك ذاكرة وإمكانيات وحقًا في صياغة مستقبله. البداية تكون بموقف واضح؛ موقف يرفض الإملاءات ويستعيد الصوت والمبادرة. شعارنا القديم ــ “لن يحكمنا الاستعمار — لن يحكمنا البنك الدولي” ــ هو نقطة انطلاق، ومواجهة الحركة الإسلامية أو أي قوة محلية تتماهى مع النيوليبرالية تُعدّ اختبارًا لصدق تلك المقاومة.
لن نرضى أن تكون حرية شبابنا ومستقبلهم ثمنًا يدفع في أسواق السلاح أو صفقات التنمية المزيفة. سنصوغ الدنيا الجديدة وفق مانهوي نصوغ دولتنا ومجتمعنا بمبادراتنا، بشبابنا، وبصوتٍ لا يطلب الإذن كي يتكلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..