الأسود يليق بك .. والحب أيضاً !!

مزمل عليم (موزارت)
● كل مشاكل الإنسانية سببها الأول والأخير التمترس تحت ما يسمى بغريزة ” البقاء ” وهي التي تدور حول فلكها كل الغرائز الأخرى بلا أدنى شك؛ فالتكاثر والأكل وحب السيطرة كلها غرائز تدعم البقاء في المقام الأول وعندما تكون بصورتها المثالية أو الاعتيادية فسنشهد بكل تأكيد حالة الاستقرار لدى البشر بصورة عامة؛ أي خلل بالزيادة أو النقصان فيها يعني الغوص في أعماق المجهول بلا رجعة .
● عندما نستفيق في صباح كل يوم على خبر مقتل ” عروس ” أو إصابتها أو حتى طلاقها في أيام زفافها الأولى من قِبل زوجها وحامي عرضها الأول بعد اخذها من والدها فهنا يجب أن نأخذ وقفة خصوصاً بعد انتشار هذه الحالات كإنتشار النار في الهشيم بصورة واضحة في فترة الحرب التي تشهدها بلادنا؛ ما الذي يحدث بالضبط ؟ .. هل الخلل ناتج عن ظروف الحرب وإفرازاتها ؟ أم أن هناك أسباباً تراكمية أكثر عمقاً وتعقيداً وفوق قدرة استيعاب المجتمع ..
● إذا أردنا طرح مشكلة يجب في البداية وصفها الوصف الصحيح والواضح من أجل الوصول إلى ناتج الحل النهائي؛ لذلك التدقيق في الوصف مهم جداً وحسب المُلاحظ انتشار ظاهرة الزواج في السودان بصورة غير اعتيادية في فترة الحرب مقارنة بما قبلها !!
فهل الظروف المادية تحسنت بشكل غير مسبوق للمواطن مع الحرب أم أن الزواج أصبح متاحاً بسهولة نسبة للتعلل بظروف الحرب ومن باب التيسير وفقاً للأحوال المحيطة ؟
الحقيقة تقال كل ما ذُكر أعلاه صحيح؛ ولكن الزيادة المضطرة في أعداد الزيجات له علاقة بالجانب السلبي ومن ضمنه يلجأ الأباء للتخلص من الفتيات بأي طريقة تفادياً للصرف عليهن دون حتى النظر لتاريخ (العريس) .. فقط خذها واذهب وأرحني منها ” هذا ما يأتي في خاطر والد العروس ” ..
وعندها تذهب الفتاة مع زوجها إلى حياة طبيعية جميلة أو سجن محاط بأسوار الجحيم هي وحظها أما ان يكون حظ سعيد أو عاثر .
● توجد عدة أنواع للأنانية؛ ولعل الأسواء من بينها على الأطلاق ما تسمى بــ( الأنانية العاطفية أو الاجتماعية) وتظهر جلياً في العلاقات عندما يقدم شخص مشاعره على حساب الآخرين دون الاعتبار لهم بأي صورة والتركيز في مشاعره الأنانية فقط؛ وهنا يظهر لنا زواج الاكراه في مجتمعنا وتتبلور بوضوح هيمنة الذكور في اتخاذ قرارات تهضم حق الأنثى التي وهبها له الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سموات؛ فبدون أسباب التخلص المادي من الفتيات هنالك اسباب متعلقة بسايكولوجية سلوك مجتمعنا الذي يمارس ذكوره سلطات غير مشروعة على إناثه بفرض وصايا حتى الدين الحنيف يتبرأ منها .
● تذكر جيداً عندما تُـجبر ابنتك على الزواج بالاكراه من اجل نقص مادي تعاني منه أو عقدة نقص نفسي تعاني منها أنت شخصياً فالنتيجة سوف تكون كارثية من الألم النفسي والبدني وكل أنواع الآلام والمحصلة ستكون قتل الحياة ولو معنوياً وليس بالمفهوم البيولوجي فقط؛ أن تزف ابنتك إلى مثواها الأخير مع رجل لا ينظر إليها إلا كشيء للتملك فهذه جريمة إنسانية فحتى وإن لم يوجد قانون رادع يحاسب عليها فقانون العدل الإلهي موجود .
● رسالة مهمة لمن يظن أن الاصرار على فعل اشياء بالقوة واستغلال ظروف الآخرين بكل أنواع الاستغلال من أجل الحصول على ما تريد فقط دون النظر لمشاعر الآخرين؛ مثل الذي يتزوج فتاة مستغلاً ظرفها المادي أو ظرف أسرتها أو استمالة فرد من أسرتها للتأثير عليها وبسط النفوذ بالقوة فأنت بكل بساطة مصاب بما يعرف بالإصرار المرضي والتكرار القهري لفعل شيء بالأساس هو غير مخول لك؛ وهذا السلوك الوسواسي ناتج من نقص داخلي نابع من ذاتك ربما لحدث قديم أو شيء فطري قد ولد معك منذ الطفولة هذا الإصرار الوهمي والعناد في مواجهة الحقيقة والواقع مثلا : ( الذي يتزوج وهو غير قادر مادياً ونفسياً تقليداً لغيره فقط وكذلك الذي يتزوج فتاة بالإكراه مستغلاً الظروف المحيطة بها) فكل ذلك يؤدي إلى ما نشاهده اليوم من جرائم في مجتمعنا ونندهش عندما نسمع بها ونحن لا ندري اننها نمهد لها يومياً بسلوكياتنا التي لا تمد للواقع والدين والإنسانية بأي صلة ..
الأسود يليق بالحياة والحب :
● الحداد ليس فيما نرتديه من سواد بل فيما نراه بأم عيننا من ظلم أقرب الناس؛ والأحلام التي تبقى أحلاماً لا تؤلمنا؛ نحن لا نحزن على شيء تمنيناه ولم يحدث؛ الألم العميق هو على ما حدث مرة واحدة وما كنا ندري انه لن يتكرر .. فــ(جواهر كَلِم) الروائية القديرة أحلام مستغانمي هي الأنسب والأكثر قدرة بلاغية في تشييع فتياتنا في ليالي زفافهن إلى قبورهن التي شيدت بواسطة أبائهن وأقرب الناس إليهن ..
لحن الختام :
● الأسود يليق بك؛ كما يليق بك الحب والحياة .. لأن المرأة التي لا تطلب شيئاً هي المرأة التي تستحق كل شيء .



