إذلال المعلّم… جريمة تُدار برعاية الوالي ونقابات السلطة!

في بلدٍ تتهاوى فيه القيم، وتختلط فيه المسؤوليات بين من وُكِّل إليهم الأمر وبين من يُفترض أن يُكرَّموا لا أن يُهانوا، أصبح المعلّم السوداني ــ رمز المعرفة وصانع الأجيال ــ أكثر الفئات إذلالاً وامتهاناً. واليد التي تمارس هذا الإذلال ليست يد القدر، بل هي يد الوالي، وإدارات التعليم، والوزارة المعنية، ومعهم شركاؤهم في الصمت: نقابات السلطة التي باعت ضميرها مقابل فتات من المخصصات والمناصب.
قصة ذلك المعلّم المسنّ التي سُطّرت في رسالةٍ موجعة لأحد زملائه، لا ينبغي أن تُقرأ كحادثة فردية، بل كصورة تختزل مأساة أمة بكاملها.
ذلك الرجل الذي أفنى شبابه في تربية النشء، وعاش عمره بين الطباشير والسبورة، لم يحصد في نهاية المطاف سوى الإهمال، والخذلان، والحرمان من أبسط مقومات الحياة… بيتٌ يأويه وأطفاله!
باع بيته الصغير ليحفظ كرامة أسرته، فأودع ماله في بنكٍ علّه يجد فيه الأمان، فإذا بالمال يضيع في دهاليز الاحتيال، ولا أحد يسأل أو يتحرك. لا الوزارة سعت لإنصافه، ولا الوالي تحرّك ضميره، ولا النقابة التي تزعم تمثيل المعلمين أصدرت حتى بياناً خجولاً!
بل إن مأساة الرجل بلغت أن يعمل مؤذناً وإماماً فقط ليجد سقفاً يأوي أسرته، ثم يُطرد من بيت الله بعد أن ضاقت به بيوت الناس!
أليس هذا إذلالاً منظّماً؟أليس هذا دليلاً على أن السلطة لم تعد ترى في المعلّم سوى موظف يمكن الاستغناء عنه، لا حامل رسالة ينبغي أن يُصان؟
إن ما يتعرّض له المعلمون اليوم هو شكل من أشكال القتل البطيء، تمارسه الحكومة عبر سياسات الإفقار، والوزارة عبر التجاهل، والوالي عبر الصمت، والنقابات عبر الخيانة.فبدلاً من أن يقف هؤلاء إلى جانب المعلم الذي علّم أبناءهم، نراهم يسومونه الذلّ، ويتركونه يستجدي الرحمة بعد أن انحنى ظهره وابيضّ شعره في خدمة الوطن.
أيها الوالي، يا من تتحدث في المحافل عن “نهضة التعليم” و“الاهتمام بالمعلم”،هل تعلم أن معلمك اليوم ينام في العراء؟
هل تعلم أن من خرّج الأطباء والمهندسين يعيش بلا مأوى؟
هل تعلم أن وزارتك التي تصرف الحوافز للمسؤولين، لم تفكر لحظة في إنقاذ رجلٍ أفنى عمره في خدمة أجيال السودان؟
إن صمتكم على مثل هذه المآسي هو شهادة ضدكم. وإن صمت نقاباتكم هو تواطؤ يرقى إلى الجريمة الأخلاقية.
المعلم لا يطلب ترفاً ولا امتيازاً… يطلب فقط كرامته.فإن لم تصونوها، فأنتم تقتلون في ضمائرنا ما تبقّى من احترامٍ للدولة ومؤسساتها.
فليرفع هذا المقال إلى كل من يملك سلطة أو ضميراً: أوقفوا إذلال المعلّم، قبل أن ينهار ما تبقّى من وطنٍ قام على كتفيه.




جزاك الله خيراً ، ( لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي )