مقالات وآراء

حكومة “الأمل الخائبة”.. حين يتحول الدين إلى تجارة والوزارة إلى غنيمة! 

 

حكومة “الأمل الخائبة”.. حين يتحول الدين إلى تجارة والوزارة إلى غنيمة!

في زمنٍ يتسول فيه المواطن رغيف الخبز، ويقضي الليالي في العراء خوفًا من قصفٍ أو جوعٍ أو مرض، يخرج علينا وزير في حكومة ما يُسمّى بـ”الأمل” ليؤكد أن الأمل ليس سوى خديعةً سياسية كبرى، وأن “الخائبة” هي الوصف الأدق لهذه الحكومة.
وزير الشؤون الدينية والأوقاف، الأستاذ بشير هارون — الحافظ لكتاب الله كما يُقدَّم في الإعلام — أبرم عقدًا لاستئجار منزلٍ فاخر بمدينة بورتسودان بمبلغ (١٤٠ مليار جنيه بالقديم)، أي ما يعادل أكثر من مليوني جنيه في اليوم الواحد، وذلك لمدة مائةٍ وخمسين يومًا فقط!
وفي حال التجديد، قد يصل المبلغ إلى ٣٤٠ مليار جنيه في عامٍ واحد، وهو مبلغٌ يكفي لبناء مدينة الحجاج بسواكن التي وعد بها الوزير نفسه عقب زيارته للسعودية.
فأي نفاقٍ هذا؟
وأي فقهٍ ذاك الذي يُبرّر البذخ في زمنٍ تُفرض فيه الضرائب على الجائعين، وتُغلق فيه المدارس والمستشفيات لعدم توفّر المال؟إنه فقه الترف في زمن الجوع.
الوزير الذي يُفترض أن يكون قدوةً في الزهد والتقشّف، قرّر أن يعيش في “فيلةٍ أرضي وطابق أول”، بينما مئات الآلاف من النازحين في دارفور وكردفان والخرطوم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
أليس الأولى بوزير “الدعوة والإرشاد” أن يعيش بين الناس، يواسيهم ويدعوهم للصبر والعمل والإيمان؟
لكن يبدو أن الدعوة صارت تُؤدَّى من على الأرائك الوثيرة، وأن “الإرشاد” صار من داخل بيوتٍ تستنزف خزينة الدولة.
لقد صار سلوك الوزير مثالًا حيًّا لتناقض القانون والأخلاق؛ فبينما وزارة المالية تعتذر عن إيجاد مقرٍّ لوزارة الخارجية أو لمراسم رئاسة الجمهورية، نجد المال متاحًا لوزيرٍ أراد لنفسه سكنًا فخمًا يتباهى به أمام زوّاره!
“وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا…” [النساء: ٥] أليس هذا هو عين السَّفَه، أن تُهدر مئات المليارات على فيلا، في وقتٍ تعجز فيه الدولة عن دفع مرتبات المعلمين وشراء الأدوية لمرضى الكُلى؟
إن من يفسد باسم الدين يفسد ضعف الفساد؛ فخطورته لا تكمن في المال المنهوب، بل في كونه يرتدي عباءة الدين ويستظلّ بظلّ الوزارة التي يُفترض أن تكون ضمير الأمة.وحين يفسد وزير الأوقاف، فإن رسالته الأخلاقية تنهار، ويُفقد الناس الثقة في كل من يتحدث باسم الدين.
لسنا أمام “زلةٍ إدارية”، بل أمام خطيئةٍ أخلاقية ودينية وسياسية تمثّل سقوطًا مدوّيًا لحكومة تُسمّي نفسها “الأمل”.
فيا سعادة الوزير، أين فقه النوازل في زمن الحرب؟
السودان يعيش فقه النوازل الحقيقي: حرب، وتشريد، وجوع، وفقر، ودماء تسيل.وفي مثل هذه الظروف، تُشرّع حتى صلاة الخوف، ويُجيز الفقهاء تقنين الموارد وتوجيهها للمجهود الحربي والإغاثي.لكن وزير الأوقاف اختار أن يستثمر “النازلة” في بناء قصرٍ شخصي على حساب الوطن، غير مكترثٍ لأطفالٍ يموتون في الفاشر، أو للاجئين في معسكرات تشاد.
ولا تسألوا: أين رئيس الحكومة؟ وأين البرهان؟
فالبرهان مشغول بالاستعداد لاستقبال “البطل” إبراهيم بقال، والي الخرطوم المزعوم في عهد الدعم السريع، كما استُقبل “كيكل” من قبل، وكما أن ابن الحلمان مهموم بالبحث عن كلمات الإساءة والعباراتٍ الخادشة لكل سودانيٍّ، فلم يعد للوهمان بقية من الأخلاق.
أما كامل إدريس، فلم ينفد مخزونه من الهتاف منذ “جيش واحد شعب واحد” وحتى “عاش أسياس أفورقي.. عاش البرهان!”، فهو ليس “فائقًا” لهذا الفساد الانصرافي.
وما قيمة حديث البرهان ووزرائه عن “المسؤولية” و”الأمانة” إذا كان وزيرٌ في حكومة “الأمل الخائبة” يُبدّد المال العام بهذه الصورة الفاضحة؟
بل ما قيمة الحديث عن “الدين” إذا كان من يتولّاه يستغل منصبه في اللهو والترف؟
وإن لم تُفتح تحقيقات علنية في هذا الفساد، وإن لم يُقدَّم الوزير إلى المساءلة، فإن “الأمل” الذي وُعد به الشعب السوداني لن يكون إلا وهمًا جديدًا في سلسلة الأكاذيب السياسية.
ولن يحدث شيء من ذلك، لأن الصمت صار سياسة، والفساد صار عرفًا.
ولا بد من كلمةٍ أخيرة موجعة:
الوزير الذي يعيش في القصور بينما الناس ينامون في الخيام لا يعرف الله حقّ المعرفة، ولا يعرف من الدين إلا اسمه.
والحكومة التي تصمت على هذا الفساد لا تُسمّى “حكومة الأمل”، بل حكومة الخيبة والعار.
“يا قادة الأمة، يا ملح البلد، من يُصلح الملح إذا الملح فسد؟
“— قالها عبد الله بن المبارك، ونُعيدها اليوم على مسامع من باعوا القيم بثمن فيلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..