مقالات وآراء

العدالة للمعلم… أوقفوا نهب المرتبات باسم التحفيز! 

في زمنٍ يُفترض أن تكون فيه حكومة “الأمل” عنوانًا للنزاهة والمساءلة، يتكشّف واقعٌ صادم يعيد إلى الأذهان أكثر فصول الفساد انحطاطًا. فها هم معلمو مرحلة الأساس بولاية الخرطوم يرفعون صوتهم، لا للمطالبة برفاهية، بل لانتزاع أبسط حقوقهم: مرتباتهم التي نُهبت من داخل كشوفات الأجور نفسها.
يا لها من صرخةٍ من قلب المهنة النبيلة!ففي شكوى رسمية موثقة يوجّهها معلمو مرحلة الأساس إلى السيد المراجع العام لديوان المراجعة القومي، يكشفون عن استقطاعاتٍ غير شرعية تُنفذ شهريًا من مرتباتهم عبر تطبيقات البنوك، بحجة “تحفيز المحاسبين والموظفين الماليين بالمحليات”!تحفيزٌ على ماذا؟ على سرقة قوت المعلمين؟ أم على مكافأة الجشع من مالٍ لا يكفي أسبوعًا واحدًا من احتياجات أسرة المعلم في زمن الحرب والغلاء؟
إنها ليست “خطأً إداريًا” عابرًا، بل نهبٌ منظَّم بأوامر داخلية تُنفَّذ بدقة في كل محلية وقطاع، وتتراوح مبالغها بين ٢٠٠٠ و٧٠٠٠ جنيه من راتب كل معلم ومعلمة، حسب مزاج وجشع المسؤول المالي أو مدير الشؤون التعليمية.

أرقام تفضح حجم الفساد
بحسب إحصاءاتٍ رسمية لعام ٢٠٢١م، يبلغ عدد معلمي مرحلة الأساس بولاية الخرطوم قرابة ٢٨ ألف معلم ومعلمة، ما يعني أن المبالغ المختلسة شهريًا قد تتجاوز ١٢٥ مليون جنيه سوداني.
أما وفق تقرير صحيفة التغيير الفائزة بجائزة “طومسون فاونديشن” لعام ٢٠٢٤، فقد بلغ العدد قبل الحرب نحو ٦٠ ألف معلم ومعلمة، أي أن المبالغ المنهوبة ترتفع إلى ٢٧٠ مليون جنيه شهريًا!
مئات الملايين تُسلب من أفواه المعلمين كل شهر، في بلدٍ يعاني فيه المواطن الجوع والنزوح، بينما تُقدَّم السرقة بعبارةٍ مهذبة: “تحفيز الإدارات المالية”!
سرقة في زمن الكارثة
المعلم الذي هُجِّر من منزله، وضاع راتبه بين الحرب والفوضى، لم يسلم حتى من يدٍ تمتد إلى راتبه البائس لتقتطع منه ما تبقّى من كرامته.
إنها مأساةٌ أخلاقية قبل أن تكون مالية. فأيّ مجتمعٍ هذا الذي يُكرِّم الفاسدين ويُذلّ المعلّمين؟
أولئك الذين يُنشئون الأجيال ويزرعون بذور الوعي والضمير، يجدون أنفسهم اليوم ضحايا لنظامٍ إداريٍّ فاسد لا يعرف الرحمة، ولا يخاف الله ولا القانون.

نداء إلى ديوان المراجعة القومي
يرفع الزملاء شكواهم إلى ديوان المراجعة القومي، ونحن نضم صوتنا إلى صوتهم في المطالبة بفتح تحقيقٍ عاجل يشمل مراجعة كشوفات المرتبات منذ اندلاع الحرب وحتى يونيو الماضي، ومطابقتها بالإشعارات البنكية للمعلمين.
كما نطالب بمحاسبة الفاسدين علنًا واسترداد الأموال المنهوبة، فالقضية ليست مجرد أرقامٍ في دفتر حساب، بل قضية عدالة وكرامة وطنية.

رسالة إلى الحكومة
إلى حكومة “الأمل” التي وعدت بالشفافية والإصلاح:
لن يكون هناك “أمل” ما لم يُحمَ المعلّم من الفساد، وما لم يُرَدّ إليه حقه.
فالأمم لا تنهض بالشعارات الخاوية، بل بإكرام المعلّم وصون كرامته وحقوقه.
إن الدفاع عن المعلّم اليوم هو دفاعٌ عن مستقبل السودان نفسه، وعن قيم الأمانة التي أمر الله بها في قوله تعالى:
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا.”
ختامًا
التضامن كل التضامن مع معلمي الأساس بولاية الخرطوم.إنها ليست شكوى فئةٍ مهنيةٍ فحسب، بل صرخة وطنٍ يريد أن يُنقذ ضميره من غفلة الفاسدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..