مقالات وآراء

اللجنة الأولمبية السودانية… وطنٌ صغير يوحّد كل الرياضات باسم السودان الكبير

م. معاوية ماجد

من رحم التحدي يولد الحلم الأولمبي

في كل دورةٍ أولمبيةٍ تُضاء فيها الشعلة، ويُرفع فيها علم السودان بين أعلام العالم، يتجدد الإحساس بأن الرياضة ليست منافسةً فحسب، بل وطنٌ صغير يحمل في قلبه السودان الكبير. وطنٌ تُجسده اللجنة الأولمبية السودانية في رؤيتها ومسيرتها، وهي تعيد اليوم بناء مشروعها الرياضي على أسسٍ من الإيمان العميق بالإنسان السوداني، الذي ظل عبر التاريخ يخلق من الصعوبات فرصًا، ومن التحدي حلمًا أولمبيًا جديدًا يولد من رحم العزيمة.
في ظل قيادة السيد أحمد أبو القاسم، تنبعث الروح في جسد الرياضة الوطنية. مشروعٌ إصلاحيّ متكامل يسعى إلى إعادة صياغة البنية الرياضية في السودان، لا كمنظومة منافساتٍ فحسب، بل كقيمة وطنية تُعيد اللحمة للبلاد، وتستثمر تنوعها البشري والجغرافي لصناعة أبطالٍ من صميم الأرض، يحملون في عضلاتهم قوة الوطن وفي قلوبهم نيله وسمائه وسهوله وجباله.
لقد أدركت اللجنة الأولمبية أن السودان ليس مجرد مساحة جغرافية، بل فسيفساءٌ من الطاقات الطبيعية والقدرات المتنوعة التي يمكن أن تصنع نهضةً رياضية غير مسبوقة. فـ إنسان جبال النوبة بصلابته وعدوه السريع هو رمز العزيمة التي لا تُقهر، بينما يمتاز إنسان دارفور بفروسيته الأصيلة ودقته التي ورثها من تقاليد الرماية، فصارت فيه الفروسية والرماية لغتين متكاملتين للجسد والعزيمة. أما إنسان كردفان، فحيث تمتد الصحراء كبحرٍ من الضوء، يولد عداؤها من رحم الرمال، يركض بصلابة الأرض التي حملته منذ الطفولة، لا يهاب المسافات، كأنه يسابق الريح ليبلغ الحلم الأولمبي، إلى جانب الفروسية التي من الأجداد. وفي شرق السودان، تتلاقى الرمال بالموج، فيُولد الإنسان رشيقًا كالنوارس، خفيف الحركة، قوي التركيز، فتصب فيه الطبيعة كل مؤهلات الألعاب القتالية كالتايكوندو والكاراتيه. وأبناء النيل، على ضفتيه الممتدتين، يحملون في أجسادهم انسياب الماء وصبره، فكانوا أهلًا للتجديف والسباحة، يكتبون بالنهر سيرة السودان المترامي في صفاءٍ واحد. أما في النيل الأزرق، حيث يلتقي التنوع البشري في أرقى صوره، تنصهر الطاقات في جسدٍ واحدٍ تتحد فيه السرعة والقوة والمرونة، فتخرج منه أجيالٌ قادرة على المنافسة في مضامير ألعاب القوى. وفي كل هذه الجغرافيا الشاسعة، تمتد المربعات الرياضية كمفهومٍ جديدٍ أقدمه كمقترحه للجنة الأولمبية: أن يُقسّم السودان إلى مربعات متخصصة، تُعنى كل منطقةٍ برياضةٍ تناسب طبيعتها، لتتحول البلاد كلها إلى أكاديميةٍ وطنيةٍ كبرى تنتج الأبطال من بيئاتهم الأصلية، وترسم خريطةً متكاملةً للتنمية الرياضية الشاملة.
هذا المقترح، الذي ينطلق من رؤية وطنية، يجد صداه في فكر اللجنة التي جعلت من التنوع مصدر قوةٍ لا انقسام، ومن الاختلاف وقودًا للتميّز. فهكذا يكون الحلم الأولمبي السوداني: أن يولد من رحم التحدي، وأن يحمل ملامح البلاد كلها، لا وجهًا واحدًا ولا لهجة واحدة، بل مزيجًا من النيل والرمل والجبل والبحر، من عرق الفلاحين، وركض الأطفال، وصبر الأمهات اللواتي ينسجن من الصعاب إرادة الحياة.
وفي خضم هذه الرؤية، تتجلى اللجنة الأولمبية السودانية في دورها المحوري كبيتٍ جامعٍ لكل الاتحادات الرياضية، لا تمارس الوصاية، بل تصنع الشراكة.
فهي المظلة التي تجمع تحت جناحيها اتحادات كرة القدم التي تصوغ ذاكرة الجماهير، وكرة السلة التي تبني روح الفريق، وكرة اليد والطائرة والتنس والطاولة التي تزرع الدقة والانضباط، واتحاد ألعاب القوى الذي يُخرّج العدّائين الذين يصنعون مجد السودان في الميادين الدولية. وتضم اللجنة كذلك اتحادات الملاكمة والمصارعة والتايكوندو والجودو والكاراتيه والكونغ فو، حيث تتجسد القوة والانضباط والشرف الرياضي، واتحادات الرماية والفروسية والهجن، التي تمثل امتدادًا لتراث الفروسية السودانية العريق، واتحاد السباحة والتجديف والشراع الذي يحمل روح النيل في مساره الأزلي، واتحادات الجمباز ورفع الأثقال والدراجات التي تبني الجسد وتغذّي الإرادة. كما تحتضن اللجنة اتحادات الشطرنج والهوكي والتنس الأرضي والريشة الطائرة والتزلج، لتكتمل منظومة الرياضة السودانية في لوحةٍ جامعةٍ من العزيمة والموهبة والانتماء.
وهكذا، أصبحت اللجنة الأولمبية السودانية، في ظل قيادة السيد. أحمد أبو القاسم، جسرًا بين الاتحادات لا سلطةً عليها، تُدير الحوار، وتُذيب الفوارق، وتُعيد تعريف العلاقة بين المركز والأطراف في صيغةٍ تقوم على الشفافية والتعاون والمسؤولية المشتركة. تُعقد الاجتماعات الدورية لتشخيص الخلل ووضع الحلول، في بيئةٍ من الثقة والاحترام، تُغلق فيها أبواب الصراع وتُفتح نوافذ الإبداع.
ومن رحم الحرب والظروف القاسية، تولد إرادةٌ لا تعرف الانكسار. فبين ركام المدن ووجع النزوح، تستعد اللجنة الأولمبية لمرحلة السلام القادمة، حين تُرفع راية الرياضة بدل راية الحرب، وحين تعود البطولات الوطنية لتملأ الميادين في القرى والمدن. سيكون ذلك اليوم يوم ميلادٍ جديدٍ للوطن الرياضي الكبير، يومًا تُزهر فيه الملاعب، وتُرفرف فيه أعلام السودان في فضاءاتٍ بعيدة، تقول للعالم: نحن هنا… من رحم التحدي يولد الحلم الأولمبي.
وفي هذا السياق، أتقدم بمقترحٍ إعلاميٍ إلى إدارة اللجنة الأولمبية، يتمثل في إطلاق قناةٍ أولمبيةٍ سودانية، تُعنى بتوثيق الأنشطة وتغطية البطولات، وتكون منبرًا لاكتشاف المواهب وبناء الوعي الرياضي الجديد، وصوتًا يعكس للعالم وجه السودان المتجدد، حيث يُعاد تعريف الرياضة كقيمةٍ وطنيةٍ وإنسانيةٍ تُوحد ولا تُفرّق، وتبني السلام من بوابة المنافسة الشريفة.
وهكذا تمضي اللجنة الأولمبية السودانية في طريقها، تجمع تحت ظلها كل الاتحادات والأحلام، وتفتح ذراعيها لدعم الدولة ووفاء رجال الأعمال والمحبين للرياضة السودانية، أولئك الذين يرون في دعمهم للوطن رسالةً قبل أن تكون رعاية. فها نحن أبناء النيل، وكل السودان — غربه وشرقه وجنوبه وشماله — نركض نحو المستقبل بخطى ثابتة، نحمل في صدورنا الأمل وفي أقدامنا العزم، نؤمن أن الفجر السوداني قادم، وأن الحكاية لم تنتهِ بعد.
فمن رحم التحدي، سيولد الحلم الأولمبي السوداني من جديد، حلمٌ تصنعه ـ سواعد الرياضيين، وعقول القادة، وأيادي الدولة التي تؤمن أن الرياضة ليست ترفًا، بل طريقًا نحو النهضة والكرامة الإنسانية. ذلك هو السودان الذي نحلم به — السودان الذي يكتب اسمه على لافتة المجد الرياضي، لا بالحبر، بل بعرق العدّائين وصهيل الخيل وهدير الجماهير التي تهتف باسم الوطن الواحد… السودان.

إن الرياضة ليست سباقًا نحو الميداليات فحسب، بل رحلة وعيٍ نحو بناء الإنسان، ودرسٌ في الانتماء والعمل الجماعي والحلم المشترك. واللجنة الأولمبية السودانية، وهي تمضي بثقة في طريق الإصلاح والنهضة، تُعيد إلينا الإيمان بأن السودان، رغم جراحه، قادرٌ على أن ينهض من جديد حين تتوحد الإرادة وتلتقي الأيدي على قلب وطنٍ واحد. فالحلم الأولمبي ليس بعيدًا، ما دامت القلوب تصدق، والأقدام تركض، والرايات تُرفع باسم السودان الكبير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..