مأزق السودان: السيادة، والأطراف المعرقلة، ومسار الرباعية المحفوف بالمخاطر نحو السلام

مقدمة
يُسلط هذا التقرير الضوء على المفارقة الجوهرية التي تواجه جهود السلام الدولية في السودان. فمن جهة، شكّل تعيين المبعوث الأمريكي مسعد بولس والواجهة الدبلوماسية الموحدة للجنة الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر) دليلاً على تجدد الالتزام الدولي رفيع المستوى بإنهاء صراع تسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وقد ركز خطاب بولس المتفائل على ضرورة إيجاد “حل سلمي” و”حوار سوداني-سوداني”. ومن جهة أخرى، اصطدم هذا الزخم بموقف متصلب وغير قابل للمساومة من الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، الذي طالبت تصريحاته الأخيرة بتحقيق نصر عسكري كشرط مسبق للسلام. يخلق هذا الوضع حالة من الجمود الدبلوماسي، حيث يتم استخدام لغة السلام نفسها كسلاح. يسعى هذا التقرير إلى استقصاء التحديات العميقة التي تكمن وراء هذا المأزق، واقتراح استراتيجية متعددة المسارات لتجاوزه.
القسم الأول: تشريح خارطة طريق الرباعية: إطار عمل تحت الضغط
1.1. بنية مبادرة 12 سبتمبر
طرحت اللجنة الرباعية، في أعقاب اجتماع وزاري قادته الولايات المتحدة، مبادرة ذات هيكلية واضحة تهدف إلى إخراج السودان من دوامة العنف.
- المكونات الأساسية: تدعو المبادرة إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها مباشرة وقف دائم لإطلاق النار، ومن ثم إطلاق عملية انتقال سياسي شاملة لمدة تسعة أشهر لتشكيل حكومة مدنية.
- المبادئ المعلنة: يؤكد بيان الرباعية بشكل صريح على سيادة السودان ووحدته، ويرفض الحل العسكري، ويدعو إلى حماية المدنيين، ويحذر من الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة.
- التأييد الدولي: سرعان ما حظيت المبادرة بدعم دبلوماسي واسع من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، التي أشارت إلى توافقها مع خرائط الطريق الخاصة بها، مما أضفى عليها شرعية دولية كبيرة.
1.2. العيوب التأسيسية: فخ السيادة ومفارقة الوحدة
على الرغم من الدعم الدولي، حملت المبادرة في طياتها نقاط ضعف جوهرية استغلتها الأطراف المتحاربة لتقويضها منذ البداية.
- فخ السيادة: كانت دعوة الرباعية إلى تشكيل حكومة مستقبلية “لا تخضع لسيطرة أي طرف من الأطراف المتحاربة” تهدف إلى ضمان الحياد. لكن بالنسبة لحكومة البرهان، التي تعتبر نفسها الدولة الشرعية وقوات الدعم السريع “ميليشيا متمردة”، فإن هذه اللغة تمثل تهديدًا وجوديًا. فهي تساوي بين الدولة ذات السيادة وحركة تمرد، وهو تصور أثار رفضًا حادًا من وزارة الخارجية السودانية التي شجبت البيان باعتباره محاولة لفرض “وصاية” خارجية. إن صياغة الرباعية، وإن كانت حسنة النية، وفرت للبرهان ذريعة مثالية لرفض العملية برمتها، ليس من منطلق معارضة السلام، بل كدفاع عن السيادة الوطنية. لقد كان هذا خطأً دبلوماسيًا فادحًا، حيث منح القوات المسلحة السودانية أداة سردية قوية لنزع الشرعية عن المبادرة بأكملها على الصعيد المحلي.
- مفارقة الوحدة: تقدم الرباعية نفسها كجبهة موحدة، لكن مصالح أعضائها متباينة بشكل عميق. فمصر تقدم دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا للقوات المسلحة السودانية. في المقابل، اتُهمت الإمارات العربية المتحدة مرارًا من قبل الكونغرس الأمريكي وجهات أخرى بتقديم دعم مادي ومالي حاسم لقوات الدعم السريع. بينما تحاول المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لعب دور الوسيط. هذا الانقسام الداخلي مفهوم جيدًا لكل من البرهان وحميدتي، مما يسمح لهما باستغلال رعاتهما ضد الضغط الجماعي للرباعية. إن فشل الرباعية في إصدار بيان متابعة أو الاتفاق على خطوات تالية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي قيل إنه يرجع إلى اعتراضات إماراتية، يسلط الضوء على هذا الخلل الحاسم. يكشف الصراع السوداني عن حدود نفوذ علاقات الرعاية، حيث لا يستطيع الرعاة (مثل الإمارات ومصر) التحكم الكامل بعملائهم (قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية). بل إن العملاء يمكنهم أيضًا التلاعب برعاتهم. يدرك البرهان أن المصلحة الاستراتيجية لمصر في استقرار حدودها الجنوبية ووجود حكومة عسكرية صديقة في الخرطوم تمنحه نفوذًا لمقاومة ضغوط أعضاء الرباعية الآخرين.16 كما يدرك حميدتي أن المصالح الإقليمية للإمارات مرتبطة ببقائه. وهكذا، أصبح الرعاة محصورين في دعم عملائهم، مما يحد من قدرتهم الجماعية على فرض تسوية قد تضر بشريكهم المختار.
الجدول 1: تحليل مقارن لمبادرات السلام الرئيسية
لتوفير سياق أوسع لجهود الرباعية، من الضروري مقارنتها بالمحاولات السابقة. يوضح الجدول التالي تطور الاستراتيجيات الدبلوماسية ويسلط الضوء على أنماط الفشل المتكررة، مما يسمح لصانعي السياسات بفهم سبب تعرض مبادرة الرباعية، على الرغم من دعمها رفيع المستوى، لنفس مخاطر سابقاتها.
| الميزة | منبر جدة (2023) | خرائط طريق الاتحاد الأفريقي/إيغاد (2023) | مبادرة الرباعية (سبتمبر 2025) |
| الوسطاء | الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية | الاتحاد الأفريقي، إيغاد | الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر |
| المشاركون | القوات المسلحة السودانية، قوات الدعم السريع (الأطراف المتحاربة فقط) | تصور لمشاركة مدنية أوسع لكنها واجهت صعوبة في التنفيذ | تهدف إلى عملية “شاملة” لكن البيان الأولي يركز على المتحاربين |
| الهدف الأساسي | وقف إطلاق نار إنساني، بناء الثقة | تسوية سياسية شاملة، انتقال بقيادة مدنية | هدنة إنسانية تقود إلى عملية سياسية |
| نقطة الضعف الرئيسية | تركيز ضيق، انتهاكات متكررة، تم تعليقها | الافتقار إلى نفوذ لفرض الامتثال، اتهامات بالتحيز، مشاكل تنسيق داخلي | تناقضات داخلية بين الوسطاء، رفض من القوات المسلحة السودانية على أساس السيادة |
القسم الثاني: عامل بولس والمناورة الدبلوماسية الأمريكية
2.1. موقف دبلوماسي جديد
يمثل تعيين مسعد بولس تحولاً في النهج الأمريكي تجاه الأزمة.
- الملف الشخصي والتفويض: مسعد بولس، رجل أعمال لبناني-أمريكي يتمتع بعلاقات وثيقة مع إدارة ترامب، عُيّن مستشارًا رفيعًا للشؤون الأفريقية. يتميز نهجه بالمشاركة المباشرة ورفيعة المستوى وتفضيله المعلن لـ”حلول طويلة الأمد” بدلاً من الإصلاحات المؤقتة.
- الخطاب والأولويات: في مقابلات عديدة، أكد بولس باستمرار على ثلاث نقاط:) “لا يوجد حل عسكري” للصراع) الوضع الإنساني هو “الأسوأ في العالم” ويمثل أولوية مطلقة) الحل النهائي يجب أن يكون “سودانيًا-سودانيًا”، بتيسير من المجتمع الدولي.
2.2. اجتماع سويسرا: اختبار للدبلوماسية الشخصية
كان اللقاء المباشر بين بولس والبرهان هو الاختبار الأبرز لفعالية هذا النهج الجديد.
- مشاركة رفيعة المستوى: عقد بولس اجتماعًا مطولاً لمدة ثلاث ساعات مع الفريق أول البرهان في سويسرا في أغسطس 2025 لمناقشة مقترح أمريكي لوقف شامل لإطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. مثّل هذا اللقاء تصعيدًا كبيرًا في مستوى التواصل الدبلوماسي.
- نتائج متضاربة: في حين كان الاجتماع بحد ذاته إنجازًا دبلوماسيًا، كشفت تداعياته المباشرة عن الهوة السحيقة بين الطرفين. فقد أفادت التقارير أن البرهان أبلغ بولس بأنه “لا دور سياسيًا” لقوات الدعم السريع في مستقبل السودان، وهو شرط ينسف أي تسوية تفاوضية من أساسها. تبع ذلك بوقت قصير خطابات عامة للبرهان شدد فيها من موقفه، متحديًا بذلك فرضية المحادثات نفسها.
إن الإشارة إلى نجاح فريق بولس في التوسط في اتفاق سلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا كنموذج للسودان هي مقارنة معيبة. فالصراع في الكونغو، على الرغم من تعقيداته، كان في الأساس صراعًا بين دولتين وصراع دولة ضد وكلاء. أما الحرب في السودان فهي حرب أهلية بين فصيلين من المؤسسة الأمنية لدولة واحدة، وكلاهما له جذور عميقة في النسيج السياسي والاقتصادي للبلاد. علاوة على ذلك، فإن شبكة الرعاية الخارجية في السودان (مصر، الإمارات، إلخ) أكثر تجزؤًا وتنافسية مما كانت عليه في حالة منطقة البحيرات العظمى. إن تطبيق “نموذج الكونغو” يخاطر بالتشخيص الخاطئ للمشكلة الأساسية في السودان، والتي لا تتعلق فقط بالتدخل الخارجي، بل بإعادة التفاوض الجذري على هوية الدولة السودانية نفسها.
قد يكون للانخراط الأمريكي رفيع المستوى تأثير غير مقصود. فالاجتماع مع مستشار رئاسي أمريكي كبير يمكن تفسيره على أنه منح للشرعية. البرهان، الذي يسعى لترسيخ مكانته كرئيس فعلي للدولة، ربما رأى في اجتماع سويسرا مصادقة على موقفه. وبعد تأمين هذا الاعتراف رفيع المستوى، ربما شعر بثقة أكبر في إصدار مطالبه المتشددة لاحقًا، معتقدًا أن الولايات المتحدة بحاجة إليه الآن أكثر من حاجته هو لعمليتهم المقترحة. إن توقيت خطاباته المتحدية، بعد فترة وجيزة من الاجتماع وزيارته للقاهرة، يدعم هذا التفسير.
القسم الثالث: دفاع السيادة: تفكيك الخطوط الحمراء للفريق أول البرهان
3.1. خطاب الرفض
يمكن تتبع موقف البرهان من خلال تحليل خطاباته العامة التي شهدت تحولاً تكتيكياً.
- من الرفض المطلق إلى المشاركة المشروطة: في مايو 2024، كان موقفه مطلقًا: “لا مفاوضات ولا سلام ولا وقف إطلاق نار” إلا بعد دحر “التمرد”. بحلول أكتوبر 2025، وبعد مبادرة الرباعية، تحولت لغته إلى صيغة مشروطة: “لا تفاوض مع أي جهة، سواء كانت الرباعية أو غيرها، إلا بما يصلح البلاد وينهي الحرب بصورة تعيد إلى السودان كرامته ووحدته”.
- الشروط الأساسية: شروطه هي في الواقع مطالب باستسلام قوات الدعم السريع: الإنهاء الكامل لـ”التمرد”، واستعادة احتكار الجيش للقوة، ورفض أي حكومة “مفروضة”.
3.2. المنطق الاستراتيجي وراء الموقف المتشدد
هناك عدة عوامل استراتيجية تدفع القوات المسلحة السودانية إلى تبني هذا الموقف المتصلب.
- الزخم العسكري: بعد نكسات أولية، حققت القوات المسلحة السودانية مكاسب عسكرية، واستعادت السيطرة على أراضٍ ووضعت قوات الدعم السريع في موقف دفاعي في بعض المناطق. هذا الزخم في ساحة المعركة يقلل من أي حافز للتفاوض من موقع ضعف متصور. يعتقد الجيش أنه يمكنه تحقيق نتيجة أفضل عسكريًا منها دبلوماسيًا.
- التحالف الإسلامي: يضم تحالف القوات المسلحة السودانية عناصر إسلامية صاعدة من نظام البشير السابق. بالنسبة لهذا الفصيل، فإن تسوية تفاوضية تشمل قوات الدعم السريع والقوى المدنية العلمانية تمثل تهديدًا وجوديًا لهدفهم المتمثل في استعادة السيطرة على الدولة. إنهم يمثلون لوبيًا داخليًا قويًا ضد أي حل وسط.
- الدعم المصري: تشير زيارة البرهان إلى القاهرة قبل خطاباته المتحدية مباشرة إلى أنه تلقى تأكيدات بالدعم من الرئيس السيسي. تتمثل الضرورة الاستراتيجية لمصر في منع انهيار الدولة على حدودها ودعم مؤسسة عسكرية تقليدية مثل القوات المسلحة السودانية على حساب قوة شبه عسكرية مثل قوات الدعم السريع. يوفر هذا الدعم للبرهان الغطاء الدبلوماسي لتحدي المجتمع الدولي الأوسع.
إن الشروط التي يطرحها البرهان ليست أساسًا للتفاوض؛ بل هي النتائج المرجوة من حرب ناجحة. من خلال المطالبة بـ”إنهاء التمرد” كشرط مسبق للمحادثات، فإنه يؤطر العملية على أنها عملية يجب فيها على قوات الدعم السريع أولاً الاستسلام ونزع سلاحها قبل أن يمكن مناقشة مستقبلها. هذه استراتيجية متعمدة للظهور بمظهر المنفتح على “السلام” مع جعل المحادثات الجوهرية مستحيلة، وبالتالي كسب الوقت لمزيد من الحملات العسكرية. وعندما يتحدث البرهان عن “استعادة كرامة السودان ووحدته” ، فإنها ليست دعوة وطنية محايدة. في سياق تحالفه مع إسلاميي النظام القديم، هي لغة مشفرة لاستعادة الدولة المركزية التي يهيمن عليها الجيش والتي كانت قائمة قبل ثورة 2019. إنها رفض للفيدرالية واللامركزية وإصلاح القطاع الأمني التي تطالب بها قوات الدعم السريع والعديد من القوى المدنية. وبالتالي، فإن الصراع ليس مجرد صراع على السلطة، بل معركة حول الهوية الأساسية للدولة السودانية.
القسم الرابع: المشروع السياسي لقوات الدعم السريع: من ميليشيا إلى حركة
4.1. السردية المضادة للسلام والديمقراطية
تبنت قوات الدعم السريع خطابًا عامًا يتناقض بشكل حاد مع خطاب القوات المسلحة.
- الانفتاح على التفاوض: على عكس البرهان، صرح قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (“حميدتي”)، باستمرار عن استعداده للتفاوض والحل السلمي. وقد رحب بخارطة طريق الرباعية.
- رؤية “سودان جديد”: يصور خطاب حميدتي الحرب على أنها صراع ضد فلول نظام البشير والمؤسسة العسكرية “القديمة”. ويدعو إلى جيش وطني جديد وموحد ومهني، والانتقال إلى دولة ديمقراطية بقيادة مدنية يتمتع فيها جميع السودانيين بالمساواة. وهذا يمثل نداءً مباشرًا للمجتمعات المهمشة والمدنيين المؤيدين للديمقراطية.
4.2. الحقائق على الأرض: بناء الدولة الموازية
يتناقض خطاب قوات الدعم السريع مع أفعالها على الأرض بشكل كبير.
- الاستراتيجية العسكرية والانتهاكات: بينما تتحدث عن السلام، تواصل قوات الدعم السريع شن حرب وحشية، وتُتهم بارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي، لا سيما في دارفور، وقد بسطت سيطرتها على أراضٍ واسعة.
- الحكم الموازي: دعمت قوات الدعم السريع تشكيل حكومة مدنية موازية، وهي خطوة رفضها الاتحاد الأفريقي وآخرون باعتبارها محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على تقسيم البلاد. هذا الإجراء يقوض التزامها المعلن بوحدة السودان.
إن تبني قوات الدعم السريع للدبلوماسية هو مكمل استراتيجي لحملتها العسكرية، وليس بديلاً عنها. من خلال الظهور كطرف أكثر عقلانية، يهدف حميدتي إلى كسب الشرعية الدولية، وعزل القوات المسلحة السودانية دبلوماسيًا، وتأمين مقعد على الطاولة ليس كـ”متمرد” بل كشريك متساوٍ في تحديد مستقبل السودان. يتمثل مشروعه السياسي في تحويل قوات الدعم السريع من ميليشيا إلى حركة سياسية-عسكرية شرعية، وبانٍ للدولة بحكم الأمر الواقع في الأراضي التي يسيطر عليها. كما أن دعوة حميدتي لبناء “جيش موحد جديد” 38 ليست مجرد دعوة لإصلاح القطاع الأمني، بل هي اقتراح لحل القوات المسلحة السودانية القائمة، التي يراها مخترقة من قبل الإسلاميين، وإعادة بناء جيش وطني جديد تكون قوات الدعم السريع في صلبه. وهذا يمثل تحديًا جوهريًا للوجود المؤسسي للقوات المسلحة السودانية ويفسر مقاومتها الوجودية لأي تفاوض يضفي الشرعية على قوات الدعم السريع.
القسم الخامس: رقعة الشطرنج الإقليمية والدولية
5.1. معضلة الرعاة: مصر والإمارات
- موقف مصر: تعتبر القاهرة القوات المسلحة السودانية ضامنًا لاستقرار الدولة على حدودها الجنوبية وشريكًا حاسمًا في قضايا مثل سد النهضة الإثيوبي وأمن البحر الأحمر. وقد قدمت دعمًا عسكريًا ودبلوماسيًا للبرهان.
- موقف الإمارات: لأبوظبي مصالح اقتصادية عميقة في السودان (الموانئ، الزراعة)، ويُزعم أنها استخدمت قوات الدعم السريع كقوة وكيلة رئيسية، حيث قدمت الأسلحة والتمويل الذي كان حاسمًا في استمرار المجهود الحربي. هذا الدعم يخلق تناقضًا مباشرًا داخل الرباعية.
5.2. الحدود الهشة: تشاد وجنوب السودان
- تشاد: تشترك في حدود طويلة وهشة مع دارفور وروابط عرقية عميقة (قبيلة الزغاوة تمتد عبر البلدين). وهي وجهة رئيسية للاجئين ولكنها متهمة من قبل القوات المسلحة السودانية بأنها ممر للدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، وهي تهمة تنفيها. استقرار تشاد نفسه مهدد بشكل مباشر بالصراع.
- جنوب السودان: للحرب في السودان تداعيات خطيرة على استقرار جنوب السودان واقتصاده (رسوم عبور النفط) ووضعه الإنساني، حيث يتدفق اللاجئون في كلا الاتجاهين. حاولت جوبا التوسط لكنها نفسها هشة وعرضة لتداعيات الصراع.
5.3. الاستجابة الأفريقية: أزمة نفوذ
- مبادرات الاتحاد الأفريقي وإيغاد: اقترحت كلتا المنظمتين خرائط طريق للسلام وأنشأت آليات تنسيق.
- تحديات الحياد والإنفاذ: أدى رفض الاتحاد الأفريقي الاعتراف بالحكومة الموازية المدعومة من قوات الدعم السريع إلى اتهامات بالتحيز، مما قوض مصداقيته كوسيط.21 تفتقر كلتا المنظمتين إلى الموارد المالية والقدرة على الإنفاذ العسكري لإجبار الأطراف المتحاربة على الامتثال لقراراتها.
الجدول 2: مصفوفة مواقف الأطراف الفاعلة ونفوذها
تقدم هذه المصفوفة ملخصًا مرئيًا لشبكة المصالح المعقدة، مما يساعد على تحديد نقاط النفوذ المحتملة ومجالات الصراع أو التوافق التي قد لا تكون واضحة للوهلة الأولى، مما يجعلها أداة لا تقدر بثمن للاستراتيجيين الدبلوماسيين.
| الطرف الفاعل | المصلحة الأساسية | الموقف المعلن من المفاوضات | مصادر النفوذ الرئيسية |
| القوات المسلحة (البرهان) | البقاء المؤسسي؛ استعادة نظام ما قبل 2019 | مشروطة باستسلام قوات الدعم السريع | السيطرة على مؤسسات الدولة؛ الدعم المصري؛ الاعتراف الدولي كحكومة |
| قوات الدعم السريع (حميدتي) | الشرعية السياسية؛ دور مهيمن في الدولة الجديدة | استعداد غير مشروط للحوار | السيطرة على الأراضي/الموارد؛ الدعم الإماراتي المزعوم؛ المرونة العسكرية |
| مصر | استقرار الحدود؛ شريك دولة قوي | تدعم عملية بقيادة القوات المسلحة | الدعم الدبلوماسي/العسكري للقوات المسلحة؛ النفوذ الإقليمي |
| الإمارات | المصالح الاقتصادية؛ النفوذ الإقليمي | تدعم الرباعية علنًا؛ يُزعم أنها تسلح قوات الدعم السريع | القوة المالية؛ دور رئيسي في الرباعية؛ الرعاية المزعومة لقوات الدعم السريع |
| الولايات المتحدة | مكافحة الإرهاب؛ الاستقرار الإقليمي؛ المخاوف الإنسانية | تدفع باتجاه تسوية تفاوضية شاملة | القيادة الدبلوماسية؛ العقوبات؛ منظم اجتماعات الرباعية |
| السعودية | أمن البحر الأحمر؛ الاستقرار الإقليمي | وسيط مشارك مع الولايات المتحدة | النفوذ الدبلوماسي؛ الموارد المالية؛ مضيف محادثات جدة |
| الاتحاد الأفريقي/إيغاد | الحفاظ على بنية السلم والأمن القارية | تدعم حلاً شاملاً بقيادة أفريقية | الشرعية الدبلوماسية؛ الأطر الإقليمية (لكن الإنفاذ ضعيف) |
| المدنيون السودانيون | إنهاء الحرب؛ انتقال ديمقراطي؛ مساءلة | يطالبون بالإدماج في عملية السلام | السلطة الأخلاقية؛ الشرعية الشعبية؛ القدرة على التعبئة (محدودة أثناء الحرب) |
القسم السادس: مسارات لتجاوز الجمود: استراتيجية متعددة المسارات للسلام
6.1. المسار الأول: إعادة تنظيم الوسطاء – تشكيل نواة متماسكة
إن الضعف الأساسي للرباعية هو انقسامها الداخلي. يجب أن تكون الخطوة الأولى حوارًا استراتيجيًا خاصًا رفيع المستوى بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة، ومصر والإمارات من جهة أخرى. الهدف هو التوصل إلى إجماع ملزم حول خط أحمر واحد: وقف كل الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة. يجب أن يكون الامتثال شرطًا أساسيًا للحصول على مقعد على طاولة الوساطة. هذا يعالج “مفارقة الوحدة” بشكل مباشر.
6.2. المسار الثاني: إعادة تعريف إطار التفاوض – من السياسة إلى الأمن أولاً
لتجاوز “فخ السيادة” واستراتيجية البرهان “للتفاوض من أجل الاستسلام”، يجب إعادة ترتيب تسلسل الإطار التفاوضي. فبدلاً من البدء بتسوية سياسية، يجب أن تبدأ العملية بـ”اتفاقية فصل القوات” ذات طابع فني وتشرف عليها الأمم المتحدة. وسيشمل ذلك إنشاء مناطق عازلة، وسحب الأسلحة الثقيلة من المراكز الحضرية، وفتح ممرات إنسانية، دون معالجة الوضع السياسي النهائي لأي من القوتين على الفور. هذا من شأنه أن يخفف من تصعيد الصراع ويبني الثقة قبل معالجة المسائل السياسية المستعصية.
6.3. المسار الثالث: الارتقاء بـ”السودان الثالث” – تمكين الجبهة المدنية
يجب على المجتمع الدولي أن يتجاوز معاملة القوى المدنية كهيئة استشارية، وأن يمكنها كركيزة ثالثة للعملية. يتضمن ذلك تقديم دعم مالي وتقني مباشر لمنصة مدنية موحدة (مثل تحالف “تقدم” موسع أو هيئة مماثلة) ومنحها تفويضًا رسميًا لصياغة المبادئ الدستورية للفترة الانتقالية. وهذا يخلق بديلاً شرعيًا للرؤية الصفرية للطرفين المتحاربين.
6.4. المسار الرابع: ميثاق إقليمي لعدم التدخل – تأمين الجوار
يجب أن يركز مسار دبلوماسي موازٍ، بقيادة الاتحاد الأفريقي وبدعم من الأمم المتحدة، على تأمين ميثاق ملزم لعدم التدخل وأمن الحدود مع جيران السودان، وخاصة تشاد وجنوب السودان وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وفي مقابل التزامات يمكن التحقق منها بوقف تدفق الأسلحة والمرتزقة، ستحصل هذه البلدان على حزمة دعم دولية كبيرة لاستضافة اللاجئين، وتكنولوجيا إدارة الحدود، والتنمية الاقتصادية. وهذا يعالج مخاوفها الأمنية المشروعة ويزيل القواعد اللوجستية الخلفية للأطراف المتحاربة.




لم تذكروا رأي الشعب في الموضوع ده كلو عشان تكون الصورة واضحة.