مقالات وآراء

الإعلام العالمي ومأساة السودان: لماذا تُركت الحرب لتصبح منسية؟

زهير عثمان حمد

أود في مستهل هذا التحليل الصحفي أن أعبر عن شكري العميق للإخوة والأخوات في منصة “عازة” على تطبيق كلوب هاوس، وجميع المشاركين عبر المنصات المختلفة، على جهودهم الجادة في إحياء النقاش حول كارثة السودان. هذه الحوارات تثبت أن الصوت السوداني، رغم محاولات إسكاته، يظل قادراً على الوصول والتأثير إذا توفرت الإرادة الجماعية والرؤية المشتركة. في ظل تاريخ اليوم (20 أكتوبر 2025)، حيث يدخل النزاع عامه الثالث، يبرز هذا التحليل الحاجة الملحة لتحويل النقاش إلى فعل، مدعماً بحقائق وإحصاءات من تقارير دولية حديثة.
بين التجاهل والصمت: لماذا تُرك السودان ليُنسى؟
يغرق السودان اليوم في دوامة دمار غير مسبوق، تمثل أكبر كارثة إنسانية في العالم المعاصر، مع أكثر من 12 مليون نازح داخلياً وخارجياً، و24.6 مليون شخص يواجهون انعدام أمن غذائي حاد، بل ومجاعة مؤكدة في مخيمات دارفور كما وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها العالمي لعام 2025. رغم ذلك، تظل صرخات السودانيين غير مسموعة في الساحة الإعلامية العالمية، حيث تُمسح مدن بأكملها من الخريطة، ويُقتل عشرات الآلاف، وتهدد المجاعة حياة الملايين دون أن تحتل هذه المأساة عناوين الصحف الرئيسية أو نشرات الأخبار الدولية. هذا التجاهل ليس مصادفة بريئة، بل نتيجة منطقية لتركيبة معقدة تجمع بين الجيوسياسية، المصالح الاقتصادية، العنصرية الهيكلية، والإخفاقات الداخلية، كما يظهر من تحليل التقارير الدولية والمناقشات على منصات مثل إكس.
انتقائية الإعلام العالمي- حين تتحكم المسافة والمصالح في إنسانية الخبر
يعمل الإعلام العالمي، خاصة في الغرب، وفق “اقتصاد الاهتمام”، حيث تُقيم قيمة الخبر بناءً على قربه الجغرافي، الثقافي، والاستراتيجي من الجمهور المستهدف. على سبيل المثال، حظيت الحرب في أوكرانيا بتغطية إعلامية مكثفة لأنها امتداد لصراع جيوسياسي مع روسيا يمس الأمن الأوروبي مباشرة، بالإضافة إلى أن اللاجئ الأوكراني يُرى كـ”جار” ثقافياً ومظهرياً، مما يثير تعاطفاً أكبر لدى الجمهور الغربي الذي لا يزال متأثراً بصور نمطية عن “الآخر” الأفريقي أو الشرق أوسطي. في المقابل، تُصور الأزمات الأفريقية مثل السودان كـ”صراعات قبلية معقدة” أو “كوارث حتمية”، مما يولد شعوراً باليأس لدى المشاهد ويبرر التجاهل، كما أكدت تقارير تشاتهام هاوس في سبتمبر 2025، مشيرة إلى أن السودان يتلقى اهتماماً دبلوماسياً وإعلامياً ضئيلاً رغم كونه أكبر كارثة إنسانية.
هذه الانتقائية ليست جديدة، بل نمط متكرر-
حرب الكونغو الديمقراطية، التي أودت بحياة ملايين، بقيت لعقود “الحرب الأكثر فتكاً التي لا يتحدث عنها أحد”.
أزمة تيغراي في إثيوبيا، حيث حُاصر ملايين المدنيين دون تغطية إعلامية كافية.
السودان نفسه، الذي شهد إبادة جماعية في دارفور قبل عقدين، لتعود اليوم في نسخة أشد قسوة، مع تصاعد العنف العرقي كما وثق تقرير الأمم المتحدة في سبتمبر 2025.

على منصات التواصل مثل إكس، يعبر المستخدمون عن غضبهم من هذه الانتقائية، مقارنين بين تغطية غزة والسودان، ومتهمين الإعلام الغربي بتجاهل النزاعات الأفريقية لأنها لا تخدم رواياتهم السياسية، كما في تغريدات حديثة تتحدث عن “السودان المنسي” ودعم الإمارات لقوات الدعم السريع (RSF).
غياب الصوت السوداني في المهجر- بين الإمكانيات غير المستغلة وتفتت الجهود
رغم وجود كفاءات سودانية بارزة في الإعلام، الدبلوماسية، والقانون بالخارج، يظل تأثيرها الجماعي محدوداً بسبب:

غياب اللوبيات المنظمة- لا توجد كيانات ضغط سودانية قادرة على بناء جسور مع البرلمانات والإعلام الدولي، بخلاف لوبيات أخرى مثل الأوكرانية أو الإسرائيلية.
التشرذم السياسي- انعكست الخلافات الداخلية على الجاليات، مما أضعف الرسالة الموحدة، كما يظهر في مناقشات إكس حول الحاجة إلى حركة موحدة مثل حماس لجذب الاهتمام.
ضعف الاستثمار الإعلامي- الافتقار إلى منصات بالإنجليزية أو الفرنسية يحد من الوصول، مع فجوة بين الجهود الإنسانية (مثل جمع التبرعات) وقصص المعاناة غير المحولة إلى محتوى مؤثر.

انهيار المنظومة الإعلامية المحلية- عندما يُسكت الصوت من الداخل
وثقت اليونسكو ومنظمات دولية انهياراً كاملاً للإعلام السوداني، مع:

استهداف الصحفيين- قتل 31 صحفياً على الأقل منذ بداية النزاع، و506 انتهاكات مسجلة، بما في ذلك الاعتقالات والتهديدات، كما في تقرير اليونسكو ليونيو 2025.
انهيار البنية التحتية- انقطاع الإنترنت والاتصالات يعيق نقل الحقيقة، مما يجعل وكالات مثل رويترز وأسوشيتد برس المصادر الرئيسية، لكنها تعمل تحت قيود أمنية.
تدهور التمويل- توقف معظم الصحف والقنوات، مع تدمير مقرات 29 مؤسسة إعلامية كما أفاد نقابة الصحفيين السودانيين.

هذا الانهيار خلق فجوة سردية هائلة، جعلت الحرب “منسية” رغم خطورتها، كما وصفتها تقارير الأمم المتحدة بأنها أسوأ كارثة إنسانية للنساء والفتيات.
من التهميش إلى الفعل- نحو استعادة الصوت السوداني
لإعادة السودان إلى واجهة الاهتمام، يجب الانتقال إلى التنظيم المنطقي عبر:

بناء تحالفات إعلامية دولية مع هيومن رايتس ووتش واليونسكو لتوثيق الانتهاكات.
توحيد الخطاب في الخارج عبر كيان ضغط مشترك، مستلهماً نماذج ناجحة مثل حملات غزة.
توظيف وسائل التواصل بذكاء – إنتاج إنفوغرافيك ومحتوى بصري بلغات عالمية لشرح المأساة، كما في دعوات على إكس لتوثيق أفضل.
تمكين الإعلام المحلي تقنياً ومادياً، مع التركيز على حماية الصحفيين.
تسييس المعاناة بإبراز تأثير الحرب على الأمن الإقليمي (مثل دعم الإمارات للـ RSF) والعالمي، ليس كمأساة محلية فقط.

خاتمة: السودان ليس منسياً، بل يُهمَّش عمداً
الحرب في السودان ليست منسية لعدم أهميتها، بل لأن العالم تعمد تجاهلها، مدفوعاً بانتقائية إعلامية ومصالح جيوسياسية. المسؤولية مشتركة بين الإعلام الدولي الذي مارس الانحياز، والنخب السودانية التي قصرت في بناء صوت موحد. الطريق للاستعادة يبدأ بالوعي الجمعي، تحويل الألم إلى فعل، والغضب إلى تغيير. السودان قادر على تعليم العالم كيف يولد الأمل من الركام، إذا سمع العالم صوته بوضوح.
مراجع مختارة (موسعة بناءً على تحديثات 2025):

Human Rights Watch (2025) – Sudan: World Report 2025.
UNESCO (2025) – Despite the dire circumstances, journalists in Sudan continue their work with remarkable resilience.
The Guardian (April 2025) – Death, displacement and devastation: two years of war in Sudan.
Associated Press (June 2025) – UN: Sudan war is world’s worst humanitarian crisis.
Reuters (October 2025) – UN warns 13.7 million Sudanese face severe hunger.
The Canary (October 2025) – Journalism is under fire in Sudan’s civil war.
OHCHR (September 2025) – Sudan crisis deepens amid rising civilian casualties.
Chatham House (September 2025) – Why ending the war in Sudan should be a higher priority for the West.

تعليق واحد

  1. (السودان ليس منسياً، بل يُهمَّش عمداً) استاذي نحن نقتل بعضنا البعض ونعمل بكل وعي او بدون وعي من اجل ان نقتل بعضنا البعض وهذا حال دول العالم الثالث ونحمل فشل ادارتنا لمواردنا وظلمنا لبعضنا البعض للدول الغربية ونعتبرهم محتلين ويسرقون خيرتنا لاننا ننتعامل مع مليشياتهم الاجرامية اما دولهم فلدينا انظمة وحوكمة وشفافية اذا النزمنا بها يتعاملون معنا غير ذلك لا يتعاملون معك ولديهم ما افكارهم التي يطورونها ونحن لدينا هوس نريد ان ينصاع بعضنا لبعض اما بالمصلحة او بالعنف او الاقصاء والقضاء علي من يخالفنا الذنب ذنبنا والمشكلة من بيننا والفشل حتي يعالج علينا انعترف ثم ثم نطلب العالم ليساعدنا لكي ننقذ مجتمعاتنا وليس اتهام العالم انه لا يهتم لنا ولا يريد لنا الخير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..