
ها هو أكتوبر يعود من جديد، لا كشهرٍ في التقويم فحسب، بل كرمزٍ للبعث، وكفجرٍ جديدٍ يطل على أفق السودان المثقل بالحروب والآلام. يعود أكتوبر المجيد، حاملًا ذاكرة الثورة الأولى التي لقّنت الطغاة درسًا خالدًا في إرادة الشعوب، ومجدّدًا العهد بأن هذا الوطن، مهما طال ليله، لا بد أن ينهض إلى فجر الحرية والنور.
لقد أنهكت الحربُ هذا الوطن الجريح، وجرّدت أبناءه من كل شيءٍ إلا الإيمان بأن السودان لا يموت. واليوم، بعد أن انكشفت الأقنعة وسقطت مشاريع الوهم والاستبداد، يتهيأ السودانيون لمرحلةٍ جديدةٍ من عمر الوطن — مرحلةٍ ينهض فيها على قدميه ليبني، لا ليهدم، وليُحِبّ، لا ليكره، وليصنع السلام كما صنع أجداده ثورة أكتوبر المجيدة قبل واحدٍ وستين عامًا.
نحن على أعتاب فجرٍ مدنيٍّ جديد، حكومةٍ من صميم الشعب ولأجل الشعب، حكومةٍ تحقق تطلعات الناس لا رغبات المتسلطين، وتعيد للوطن كرامته المسلوبة، وللإنسان السوداني مكانته التي يستحقها بين الأمم. حكومةٍ تقوم على القيم والأخلاق، وعلى الإيمان العميق بكرامة الإنسان وحقه في الحرية والعدالة.
يبشرنا أكتوبر اليوم بتحقق البشارة التي نطق بها شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه — الثورة الكبرى، ثورة القلوب والعقول، ثورة الروح قبل المادة — حيث تتحقق “جنة الله في أرض السودا”. جنةٌ يعيش فيها الناس في سلامٍ وعدلٍ ومحبة، لا ظلمَ فيها ولا جوعَ ولا خوف، جنةُ العمل والصدق والعلم، جنةٌ يبكي فيها السودانيون من الفرح كما بكوا من الألم، جنةٌ لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر.
ها هي تباشير أكتوبر تتلألأ من جديد، تبشر بزمنٍ جديدٍ، بزوال عهد الدم والكراهية، وبقدوم عهدٍ يسوده السلام والعقل والضمير الحي. فلنستقبل أكتوبر بقلوبٍ صافية، ولنفتح صدورنا للنور، ولنتحد على كلمةٍ سواء: أن الوطن يسع الجميع، وأن الحرب إلى زوال.
سلامٌ على السودان يومَ يولد من جديد،
وسلامٌ على الشعب حين يبكي من الفرح،
وسلامٌ على أكتوبر — شهرِ البشارة الكبرى،
وشعلةِ الحرية التي لا تنطفئ.




مافي بشارات ولا حاجة.. تضحك على نفسك ساكت.