تدهور الجنيه السوداني وتجارة الذهب بفعل حظر الطيران الإماراتي

في ضربة قاصمة للاقتصاد السوداني المنهك أصلاً، يشهد الجنيه السوداني انهياراً حاداً بعد أن تسبب حظر طيران إماراتي غير معلن في شلّ تجارة الذهب التي تُعد شريان الحياة للعملة الصعبة في البلاد. ووفقاً لتقرير خاص لرويترز، فإنّ الجنيه فقَد ما يقارب 40% من قيمته في أسابيع قليلة، فيما تحولت العلاقة المعقدة بين الجيش السوداني والإمارات إلى حرب اقتصادية صامتة تهدد بمزيد من التدهور.
وكشف ثلاثة من تجار الذهب والعملات لرويترز عن كارثة اقتصادية حقيقية، إذ انخفضت قيمة الجنيه السوداني من 2200 إلى 3600 جنيه للدولار، وذلك بعد أن أدى الحظر الفعلي للرحلات الجوية من بورتسودان إلى الإمارات إلى شلّ صادرات الذهب القانونية. للمقارنة، كان الجنيه يساوي 600 فقط للدولار قبل بداية الحرب في إبريل/نيسان 2023، ما يعني فقدانه أكثر من 80% من قيمته منذ اندلاع الصراع.
حظر الطيران: القشة التي قصمت ظهر البعير
وفقاً لهيئة الطيران المدني السودانية وبيانات تتبع الرحلات الجوية، أوقفت الإمارات في أوائل أغسطس جميع الرحلات الجوية التجارية من بورتسودان، المنفذ الرئيسي للتجارة الدولية في البلاد. كما كشفت إشعارات الشحن ومصادر في القطاع لرويترز أن الإمارات أوقفت أيضاً حركة الشحن عبر موانئها من وإلى السودان.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تتوتر فيه العلاقات بين الطرفين، إذ يتهم الجيش السوداني الإمارات بدعم قوات الدعم السريع شبه العسكرية، وهي تهمة تنفيها الإمارات بشدة. ورداً على ذلك، اتهمت الإمارات الجيش السوداني في أغسطس بتكثيف “الاتهامات الكاذبة والدعاية” دون تقديم تفاصيل.
90% من صادرات الذهب السوداني تتجه للإمارات
تكشف هذه الأزمة عن عمق الاعتماد الاقتصادي السوداني على الإمارات، رغم قطع العلاقات الدبلوماسية. فبحسب بيانات البنك المركزي السوداني التي اطّلعت عليها رويترز، استوردت الإمارات ما يقرب من 90% من صادرات السودان القانونية من الذهب، أي حوالى 8.8 أطنان في النصف الأول من عام 2025. وجلبت هذه الصادرات ما يقرب من 840 مليون دولار، ما يجعلها أكبر صادرات السودان حتّى الآن.
ويقول سكان السودان إنّ الحكومة استخدمت هذه العائدات لتمويل واردات السلع الاستراتيجية مثل الوقود والقمح، التي ارتفعت أسعارها كثيراً منذ أغسطس في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش.
تهريب الذهب بأربعة أضعاف الإنتاج الرسمي
الأمر لا يتوقف عند التجارة القانونية، فكما يقول متعاملون لرويترز، تشكل الإمارات أيضاً الوجهة الرئيسية للذهب السوداني المهرّب، والذي يمثل أربعة أضعاف الإنتاج الرسمي وفقاً لما ذكره مبارك أردول المدير العام السابق للشركة السودانية للموارد المعدنية. وأشار محللون ومصادر تجارية إلى أن كلاً من الجيش وقوات الدعم السريع ضالعان في عمليات التهريب هذه.
في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قال سليمان بلدو، مدير المرصد السوداني للشفافية والسياسات، إن السلطات في بورتسودان والتجار كانوا يستكشفون مسارات لأسواق بديلة في قطر وعُمان ومصر والسعودية، ولكن لم ينجح أي منها حتى الآن.
بل كشف بلدو وأربعة تجار لرويترز عن مفارقة مثيرة: فقد أدى الحظر الإماراتي إلى تهريب المزيد من الذهب إلى مصر، لينتهي معظمه في النهاية إلى الإمارات! كما أوضح بلدو: “مصر هي الرابح الأكبر. إذ يُعاد تصدير الذهب بكميات كبيرة إلى الإمارات، وتذهب كل الفائدة من (فرق السعر) إلى مصر”.
ويعود اعتماد السودان الشديد على الإمارات إلى عقود مضت، عندما جعلت العقوبات الأميركية المفروضة منذ أواخر التسعينيات التعامل مع معظم البنوك الدولية مستحيلاً. اليوم، أصبح بنك دبي الإسلامي أكبر مساهم في بنك الخرطوم الرئيسي في السودان، وتمر معظم المعاملات الحكومية عبر فرع بنك النيلين السوداني في أبوظبي.
كما أوضح أردول لرويترز أن قدرة الإمارات على تكرير الذهب تفوق بكثير قدرة دول المنطقة الأخرى، وأن مستوردي الذهب في الإمارات يسهلون التجارة من خلال تقديم مدفوعات مسبقة – وهي ميزة حيوية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.
(رويترز، العربي الجديد)