مقالات وآراء

وقف الحرب قبل السلطة.. فصل التفاوض عن شرعنة العنف

عبد الحافظ سعد الطيب

الشعب هو الطرف الأول

وقف الحرب قبل السلطة.. فصل التفاوض عن شرعنة العنف

مقدمة

آن الأوان أن يتقدّم الشعب السوداني ليتحمّل مسؤوليته التاريخية في تقرير مصيره، وأن يكون هو الطرف الأصيل في أي تفاوض أو تسوية تخص مستقبل البلاد.
لقد أثبتت التجربة أن كل التسويات التي جرت في غياب الشعوب السودانية لم تعالج جذور الأزمة، بل أعادت تدوير ذات النخب التي تسببت فيها.

إن إصرار الشعب السوداني على تمثيل نفسه كطرف أول وصاحب مصلحة حقيقية سيغيّر طبيعة التسويات والاتفاقات والمواثيق التاريخية التي طالما غُيّب عنها قسرًا أو استُبعد منها استهبالاً.
هذه المرة، لن يُكتب مصير الناس باسمهم، بل بحضورهم الفعلي وإرادتهم المباشرة.

أولاً: وقف الحرب قبل السلطة

وقف الحرب واجب إنساني وأخلاقي وسياسي مُقدّم على أي تفاوض حول السلطة أو المشاركة السياسية.
أي خلط بين وقف الحرب وتقاسم السلطة هو خيانة لدماء الضحايا، وترسيخ لفكرة أن البندقية طريق مشروع إلى الحكم.

يجب أن يكون الوقف الفوري والمستدام للقتال شرطًا مسبقًا لأي مسار سياسي، مع آليات مراقبة محلية ودولية قابلة للتحقق، تُخرج المدنيين من دائرة العنف فورًا وتضمن جمع السلاح وتجريم استخدامه لتحقيق غايات سياسية.

ثانياً: فصل التفاوض عن شرعنة العنف

يُعدّ التفاوض على السلطة في ظلّ السلاح أخطر أنواع الخلط السياسي، لأنه يُحوّل العنف إلى مكسب، ويمنح الأطراف المسلحة «تكريمًا» وجائزةً سياسية على أفعالها.
وهذا يخلق رسالة كارثية مفادها أن القوّة تُثمر مكاسب، وأن الطريق إلى الدولة يمر عبر الحرب لا عبر الصندوق.

إنّ هذا الفهم المريض يُغذي دوامة العنف، ويُكرّس تهميش الضحايا، ويُغلق ملفات العدالة والمساءلة.
لذا يجب أن تكون القاعدة الصارمة:

> لا تفاوض على السلطة قبل وقف الحرب، ولا شرعية تُمنح تحت تهديد السلاح.

ثالثاً: مبادئ تفاوضية جديدة

1. وقف فوري ومستدام للقتال كشرط مسبق لأي مفاوضات سياسية، مع آليات تحقق ومراقبة.

2. فصل واضح بين التسويات المؤقتة والتسويات الدائمة، بخارطة طريق انتقالية قابلة للقياس ومؤشرات زمنية محددة وآليات متابعة.

3. لا حصانة دون عدالة انتقالية: تحقيقات مستقلة، محاكمات لجرائم الحرب والانتهاكات، ومصارحة مشروطة بالاعتراف والحقيقة والتعويض.

4. مشاركة أهل المصلحة الحقيقية: الشعوب السودانية المتضررة مباشرة من الحرب، والضحايا، والمجتمع المدني، والنساء، والشباب — لا القادة العسكريون أو السياسيون وحدهم.

5. ضمانات إقليمية ودولية واضحة: آليات عقوبات وسحب شرعية عند خرق أي اتفاق.

6. حصر السلاح في يد الجيش تحت وصاية مدنية، وتجريم استخدامه لتحقيق أهداف سياسية.

رابعاً: مشاركة أهل المصلحة والشعوب السودانية

لا يمكن بناء أي اتفاقٍ عادل أو مستدام دون مشاركة فعلية لأصحاب المصلحة الحقيقيين — الشعوب السودانية في قراها ومدنها ومعسكراتها وفي الشتات.

إنّ إصرار الشعب السوداني على تمثيل نفسه كطرف أول وأصيل في أي تفاوض أو تسوية سيُغيّر جذرياً طبيعة التسويات التاريخية التي غُيّب عنها لعقود طويلة.
هذه المرّة، لن يُكتب مصير الناس باسمهم، بل بحضورهم الفعلي.

وتتحمل المنظمات الدولية والإقليمية دورًا مهمًا في دعم هذا التحول التاريخي عبر:

تجميع أصحاب المصلحة الحقيقيين من المجتمعات المتضررة مباشرة من الحرب،

إعداد ملفاتهم ومطالبهم،

تمكينهم من تنظيم أنفسهم في مناطقهم دون وصاية من النخب أو السماسرة،

وضمان أن تكون مساهماتهم أصيلة لا شكلية.

ويجب الاستفادة من سلبيات التجارب القديمة، حيث تحولت مشاركة المجتمع المدني إلى واجهة شكلية أو منصة لنخب محددة.
اليوم، المطلوب هو تمثيل شعبي حقيقي، تُسانده المنظمات الدولية بخبراتها، لكن توجهه إرادة الناس وإجماعهم.

خامساً: أدوات عملية للحشد والضغط الشعبي

تحشيد الرأي العام بشعار: “وقف الحرب قبل أي تفاوض على السلطة”.

رفض أي اتفاق يمنح الشرعية لمن مارس العنف دون مساءلة.

إطلاق عرائض شعبية محلية ودولية تطالب بوقف الحرب فوراً وبنود واضحة للمساءلة والعدالة.

إنشاء شبكات مراقبة مجتمعية لرصد الانتهاكات وتوثيقها.

تحالفات مدنية واسعة تضم منظمات النساء والشباب والمناطق المتأثرة بالحرب.

استخدام الإعلام ومنصات التواصل لنشر الوعي بأن أي تسوية بلا عدالة هي هدنة مؤقتة للخراب.

سادساً: أسئلة واجبة على كل الأطراف

هل تريدون المشاركة في السلطة، أم تبحثون عن غطاء سياسي لنتائج الحرب؟
من يختار العدالة والمساءلة فهو شريك في السلام، ومن يختار التبرير والتسوية بلا حق فهو خصم للشعب.

سابعاً: الخلاصة

إنّ التفاوض لوقف الحرب واجبٌ مقدّم، منفصلٌ ومستقل عن أي تسوية سياسية.
أي خلط بينهما من دون آليات ضمان ومساءلة سيكرّس مبدأً خطيرًا: أن السلاح وسيلة مشروعة للوصول إلى السلطة — وهذا مرفوض سياسيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا.

اليوم، يجب التواثق على ميثاق لحماية الشعوب السودانية وميثاق لحماية الديمقراطية وآلياتها الدستورية، يضمن أن تكون إرادة الناس هي المصدر الأول للشرعية.
فالشعب، هذه المرّة، لن يكون مُلحَقًا أو غائبًا، بل هو الطرف الأول وصاحب القرار والمصلحة.

تعليق واحد

  1. لم أقرا المقال لكني اكتفيت موقتا بالعنوان الذكي
    نعم شرعنة العنف وما ادراكما الشرعنة وشرعنة الباطل تحديدا شكر لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..