مقالات وآراء

سردية الحقائق المرة توثيق للعبر التى لم نعتبر بها

 

محمد علي طه الملك

سردية الحقائق المرةتوثيق للعبر التى لم نعتبر بها
مبلغ ظني أن الشعب السوداني بكل مستنيرية من النخب مدنية كانت او عسكرية ، لم يخرجوا ، أو بالأصح لم يستقلوا بعد من عباءة قوى إقليمية واستعمارية، لازالت تفرض شروطها وتسيرنا بأيدي أبناءنا لتحقيق ماربها..
لعل الصراع الذي احتدم بعيد الاستقلال، والفشل الذي لازم كل أنظمة الحكم على تخالفها كانت مرجعيته بادىء الامر أيديولوجيا بحتا، وظفت له نخب ومؤسسات سياسية داخلية ، وكان الصراع الآيديولوجي بمثابة عصا التغير المرفوعة من القوى العالمية بين الانظمة الحاكمة في العالم الثالث ومنها السودان .
هذه الاستراتيجية تم التخلي عنها الأن عقب اسقاط نظم شمولية في عدد من البلدان العربية وغير العربية، واستبدلت باستراتيجية خبيثة جدا عرفت بحروب الجيل الرابع ، حيث يتم دراسة التناقضات وعناصر الضعف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في كل مجتمع ، خاصة تلك التي تتمتع بتنوع عرقي وثقافي، ومن ثم استغلال تلك العناصر وتوجيهها لكسر الاستقرار ، وخلق الفوضى في نظام الحكم وخلخلته، الى حين سقوطه دون إيجاد بديل ناجع يجب العيوب والازمات التي قادت الى السقوط ، لهذا السبب دارت استراتيجية التغيير في جمهوريات العالم الثالث في حلقة مفرغة، اشبه بلعبة الكراسي بين الجيش والقوى السياسية المدنية، ولكل منهما قيمة سوقية اقتصادية يقدمها للقوى الدولية والاقليمية بعلمه أو بدون عندما يحين وقتها ، ولتقريب المعنى فإن النظم العسكرية والشمولية ، تبقى في الحكم ما بقيت تحافظ على القيمة الاقتصادية التى تقدمها للقوى الكبرى ، وتقع تحت نير التغيير الشعبي اذا ما نضب معينها ، لكي تاتي الحكومات الديموقراطية وتواصل في تقديم قيمة اقتصادية أعلى، ليس صعبا البحث عن أمثلة واقعية تبرهن على ذلك ، فقد جاء تغيير نظام الحكم الديمقراطي الأول في السودان عقب الاستقلال بسبب تعثر الحكام في تحقيق مصلحة اقليمية، فجاء التغيير على يد العسكر لتمرير المصلحة الاقليمية ( السد العالي)، ثم جاء تغيير الحكم العسكري بالعود للنظام الديمقراطي حتى يتم إيقاف اتجاه النظام العسكري لاجراء تصفيات عسكرية كبيرة، تنهي المقاومة الجنوبية في مهدها ، بحكم ما تتمتع به من تفوق عسكري على مقاومة بكرة مازالت في طور التاسيس، لذلك كان مهما لدى القوى الدولية إنهاء النظام العسكري عن طريق تحريك القوى المدنية السياسية وتغيير نظام الحكم ، حتى تتاح فرصة للمقاومة الجنوبية لبناء نفسها وتأسيس قوتها العسكرية على الوجه الذي راينا فيما بعد ، لم يكن تحقيق تلك الغاية بحاجة لأكثر من عامين انتقاليين يعود بعدهما العسكر من جديد بغية تحقيق استراتيجية إقليمية قومية عربية اشتراكية كانت الأعلى باعا بين انظمة الاقليم وقت ذاك، قضى الحكم العسكري الشمولي الخالف من الوقت ما شاء له البقاء ، قدم خلالها القيمة الاقتصادية والاستراتيجية المرجوة للقوى الكبرى ، حيث اتاح لشركة شيفرون التنقيب عن البترول في مناطق التماس بين الشمال والجنوب، ثم أتى تغيير النظام بانتفاضة شعبية مرة أخرى ، كانت غايته الاقليمية والدولية الغير معلنة أو مرئية، تقديم الحماية والمساعدة لقوى المقاومة الجنوبية حتى يقوى عودها العسكري ، وخلق قاعدة تأييد ومناصرة دولية واقليمية لها ، ولم يمضي على العودة للنظام الديموقراطي الكثير ، حتى عاجلوه بانقلاب عسكري يحمل صبغة ذات ايديولوجية عقدية، اسهمت في تاجيج الصراع العسكري بين الشمال والجنوب على اسس عقدية ، فانفتح الباب أمام القوى الدولية، لترمي بثقلها في الشأن الداخلي، وتنهي الصراع باتفاق قاد في نهاية المطاف إلى انفصال الجنوب وتكوين دولته .بعد فصل الجنوب وذهاب الاستثمارات البترولية لصالح الدولة الجديدة، قدم النظام العسكري في الشمال – مدركا أو غير مدرك – القيمة الاستراتيجية التى خططت القوى الدولية الوصول اليها ، فكان ذلك ايذانا ببدء العد التنازلي لبقاء النظام العسكري الشمولي وحاضنته المدنية في الحكم ، وقبل إن يهنأ وتبرد فوهة البندقية بعد انفصال الجنوب ، أشعل تحت قدم النظام صراع مسلح في دارفور وجنوب كردفان، واعيد محاصرته داخليا وخارجيا ، بحيث لم يعد أمامه خيار لمقاومة التمردات ، سوى الاعتماد على الفوارق والصراعات القبلية المحلية ، وذلك بتغليب جهة على أخرى ومدها بكل ما تطلبه من عون عسكري وسلطة الدولة، فكان لا بد من تغيير كيفما كانت تكلفته الشعبية ، وبالفعل وقع التغيير وتاسست حكومة مختلطة بين العسكر والقوى السياسية المدنية كان أبرز محصلته:
١- تمكين القوى الدولية من العمل داخل أروقة السلطة .
٢ – توسيع صلاحيات وسلطة القوة العسكرية التى اسسها النظام السابق باسم الدعم السريع، ومنحها شرعية الوجود كمؤسسة نظامية مسلحة.
٣- توقيع اتفاق سلام جوبا وعودة الحركات المسلحة إلى الداخل والمشاركة في سلطة الحكم .ذاك ما اسفر عنه التغيير موضوعيا ، دون أي اعتبار أو انتباه ، لما يمكن ان يسفر عنه اشتعال التناقضات وتباين المصالح بين مكونات الانتقال الرئيسة، ممثلة في القوات المسلحة والنخبة المدنية والتدخل الدولي من جهة، والحركات المسلحة ومكونات اتفاق سلام جوبا ، و مكونات القوة العسكرية المشكلة للدعم السريع، الخصم التاريخي للحركات المسلحة الدارفورية على الأرض من جهة اخرى، على ذلك لم يكن من الميسور إدارة الحكم وتحقيق الاستقرار المطلوب في ظل سيطرة فسيفساء غير متجانسة، متباينة المصالح و متهافتة على السلطة ، لذا كانت التوقعات عالية في حدوث تغيير عسكري، يبعد القوى المدنية ومسانديها من المنظمة الاممية، حتى يتسنى للقوى المتجانسة ممثلة في الحركات المسلحة والقوات المسلحة والدعم السريع، الانفراد بالحكم على الأقل لفترة انتقالية، غير ان هذا الإجراء الانقلابي التحولي، لم يولى انتباهه لتاثيرات القوى الإقليمية والدولية، التي سرعان ما وظفت قوة إقليمية ، ودفعتها لكي تستثمر علاقتها ومصالحها التي توطدت مع ما يسمى بالدعم السريع وقياداته منذ عهد النظام السابق، ولم تكن تلك المصالح متوقفة عند حدود امدادها بالقوة العسكرية البشرية المدربة اذاء حربها في اليمن ، بل تجاوزتها إلى صفقات تجارية عالية القيمة في تجارة الذهب والمواشي وغيرهما، وربما الأسوأ وفق ما نتج عنه اجتياح العاصمة والجزيرة ، حيث نشأت باسم قيادات هذه القوة شركات تجارية اقليمية عابرة .
ربما لم تضع قيادة القوات المسلحة هذه المستجدات وأثرها في الاعتبار وهي تجري تغيرها على السلطة، أو ربما كانت تدرك أثر التغيير على مصالح شريكها العسكري في الحكم وامتداده الاقليمي ، غير أنها استسهلته أو ما توقعت ان يصل بها الحال الى حد المواجهة العسكرية التي قضت على الأخضر واليابس، وابرزت إلى السطح روح الانتقام جراء تراكمات الحروب الأهلية واوجاع النزوح .
لنكتشف مرة أخرى اننا حققنا ايضا للقوى الاقليمية والدولية مصلحتها الاقتصادية المستهدفة باستكمال بناء ومليء سد النهضة الإثيوبي، لذا لم يكن سؤالي القصير قبل اسابيع على هذه الصفحة عبثيا عن تاريخ نهاية هذه القتال الداخلي، بعد ان أنجزت إثيوبيا مشروعها على حساب دماء ابناء السودان. ومستقبله الاقتصادي. وحتى لا تسأل – فإن مساحات شاسعة وكيانات اجتماعية سودانية كبيرة تقع في ظل السد ، أضحى مصيرها مرهون بسلامة السد وحسن إدارته.
لقد أنهى تمرد الدعم السريع مؤسسات الدولة المدنية ، وتشردت قطاعات واسعة من الشعب ، ولا زال بعون اقليمي ظاهر ودولي خفي ، يشعل الصراع المسلح في دارفور وكردفان ، هل انا مخطيء إن قلت أنه ذات السيناريو ونفس الآليات التى استخدمتها القوى الإقليمية والدولية من قبل وادت لفصل الجنوب ؟
هل نعتبر ؟
السؤال موجه لوعي الشعب السوداني المستباح بتقنيات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي قبل الحكام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..