مقالات وآراء

أحلام العرب بين السيريالية والواقع المُـرّ

أبهرني جداً فوز منتخب المغرب بكأس العالم للشباب تحت 20 سنة كأول منتخب عربي يحقق هذا الإنجاز وهذا يُعد امتداداً لصحوة الكرة المغربية بعد الوصول المستحق لنصف نهائي كأس العالم 2022 قطر؛ انا كسوداني عربي وافريقي شعرت بالفخر واعترتني حالة من الزهو لفوز منتخب ينتمي لشمال افريقيا ببطولة عالمية ككأس العالم للشباب وقد اعاد لذهني هذا الانتصار واقع العرب الحالي الضعيف السياسي وحتى الاجتماعي وعدم اعترافنا بهذا الضعف ابداً لذلك لن يتغير واقعنا في خارطة العالم السياسية؛ وسنكون دوماً أبعد ما يكون عن آلية اتخاذ القرار والاعتبارية الدولية .
” هل الوحدة العربية حلم سريالي ”
سئم المواطن العربي عبر عقود من الزمان من هذه المقولة (الوحدة العربية ) لأنها في ظاهرها الجمال وفي باطنها استحالة التحقيق؛ عبر التجربة ثبت ذلك .. فقد حلم الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بالوحدة العربية تحت مسمي ما يعرف بالقومية العربية ورغم المآخذ الايديولوجية الكثيرة على تلك الفكرة في وقتها والانتقادات التي وجهت للزعيم الراحل إلا أن الثابت في الموضوع هو استحالة تطبيق الوحدة العربية بالصورة الحقيقية التي تضمن قوة سياسية، اقتصادية، اجتماعية وحتى عسكرية !! لها وزنها وشأنها في الوسط العالمي .. ربما فطن عبد الناصر لهذا الشيء في الاخير .. فتوحيد العرب سياسياً يُعد ضرب من ضروب الخيال الصارخ .
” أحلامنا المشروعة هل تبدو غير واقعية التحقق !! ”
تقوم نهضة الشعوب بعناصر اساسية لا غنى عنها أولها العدالة الاجتماعية والتي ينبثق عنها عنصر لا يقل أهمية وهو التحرر السياسي وعدم عبادة الأشخاص أو الأنظمة الحاكمة .. فالضامن الحقيقي لنهضة الأمم هو وعي الشارع العام وبدونه ستتوه الحقيقة في غياهب المجهول .. فوعي الشارع العربي مثلاً بما كان يحدث في سوريا إبان فترة بشار الأسد ومحورية الأحداث في حرب غزة الأخيرة بين حماس وإسرائيل وتعقيدات الأمور في لبنان والمناوشات في ليبيا وحرب السودان المنسية وغيرها من أحداث جسام في وطننا العربي؛ هل فعلاً يعي المواطن العربي ذلك ؟ .. اطالع بصورة شبه يومية أغلب الصحف الإقليمية العربية ورغم الأسماء الرنانة في عالم صحافتنا إلا ان الجميع منغمس في قضايا دولته وحدوده الجغرافية فقط ويدور حول فلك مشاكلها ودوامة تعقيداتها التي لم ولن تنتهي لأن مشاكل دولنا العربية هي مجرد عدوى مرضية تتناقلها فيما بينها بالتناوب ولا شيء سوى ذلك؛ مالم يتعالج الكُل لن ينصلح حال البعض بكل تأكيد .احلام الإنسان العربي البسيط هو الاستماع لرأيه حتى وان كانت مطالبه لا تتعدى الحديث عن ابجديات الحياة كحقه في التعليم والشفاء والتوظيف والطموح والنجاح والمشاركة في تكوين الرأي العام السياسي في بلده .. إذا كانت مثل هذه الأمور احلام غير مشروعة فسوف ندرك ببساطة لماذا نحن هنا ولماذا استحققنا ان نكون بمعية دولنا في عالم التهميش الذي قُـصد أن نكون فيه بعد أن تم رسمه لنا من اعدائنا بعناية فائقة متخطية أسلوب ليوناردو دافنشي رسام الموناليزا .

” هل يمكن الموازنة بين حلم قومي كبير وواقع يومي مثقل بالمشاكل ”
تربى جيلنا قبل ظهور عهد منصات التواصل الاجتماعي السائد حالياً بصورة مخيفة واقول مخيفة لأنها اصبحت ” البروباغاندا ” التي تغسل دماغ الجميع بدون أي فرز الصغار والكبار على حد السواء؛ نعود لبداية الحديث نحن جيل تربينا على بطولات رأفت الهجان وجمعة الشوان في الدراما المصرية وتنفسنا عبق الشجاعة العربية عبر مسلسلات الفانتازيا السورية الجوارح والكواسر والبواسل .. والفانتازيا الأسطورية في مسلسل : الموت القادم إلى الشرق الذي يحاكي الواقع العربي المعاش بمعالجة ذكية من صناع المسلسل في ذلك الوقت؛ تربينا على كيفية تلاعب رأفت الهجان بالمخابرات الإسرائيلية واثبات تفوق العقل العربي على نظيره الصهيوني؛ شاهدنا منذ نعومة أظافرنا كيفية تغلُب قبيلة ابن الوهاج العربية على عنفوان وقوة قبيلة شقيف بن شامان غير العربية؛ وتشربنا طريقة عودة الحق ليأخذ بثأره ولو بعد حين في قصة سيف بن الصافي ( الموت القادم إلى الشرق ) بعد ان دك حصون الشر وشذاذ الآفاق الذين اغتصبوا أرضه وقتلوا أهله ..
نعم نحن الجيل الذي تربى على قيم الشموخ والانتصار وعدم الاستسلام؛ ولكن بعد ان قوي ساعدنا وهممنا لبلورة ما نشأنا عليه في طفولتنا تفاجأنا بواقع اليم عنوانه البطالة وفقدان الثقة بالمؤسسات والظلم الاجتماعي والحروب الأهلية التي تخدم مباشرة اجندة اعدائنا الحقيقيين !!
نحن لن نبكي على اللبن المسكوب ولن نذرف الدموع على اطلال خيبة الأمل ولكن سنحاول وضع الأمور في نطاقها الصحيح رغم واقعنا المعاش القاسي فالدعوة إلى الإصلاح لا يعني إلغاء الحلم بل على النقيض تماماً تعني وضعه في الإطار الصحيح الذي يمكن تحقيقه .

” إبراز دور الجيل الجديد في إعادة صياغة الحلم العربي بواقعية جديدة ”
يظل السؤال المعقد بدون إجابة هل نحتاج إلى نحلم اكثر أم أن نفيق لنصنع ما نحلم به ؟ إجابة هذا الاستفهام عند الجيل الجديد الذي سوف يكسر حاجز صمت جيل الأحلام غير المتحققة .. لكن هل سيفي جيل منصات تيك توك وفيس بوك وانستغرام وغيرها بالغرض !! أو كما يقال له جيل ” زد ” رغم معرفتي التامة بالإجابة ولكن جيل الخلاص متواجد بيننا الآن وسينضم له جيل لاحق في المستقبل لإحياء وعد الخلاص واعادة أمل الوحدة العربية بالصورة التي تجعل منها رقماً عالمياً يصعب تجاوزه بأي حال من الأحوال .. مشكلتنا في واقعنا العربي اننا نخاطب الواقع بالكلمات الرنانة مخادعين انفسنا بالأمل الكذوب منغمسين في ذاتنا بانانية قد تصل لدرجة النرجسية في بعض الأحيان والأدهى والأمَرّ اننا نتغافل عن المشكلة الحقيقية بقصد أو بدونه؛ لكن تبقى الحقيقة المُطلقة والمُجردة انه لا مستقبل لحلم عربي دون وحدة عربية حقيقية يُنادي بها الإعلام العربي قبل الجميع لنغرث في إعماق جيلنا الجديد رغبة ريادة وسيادة العالم عبر الوحدة وان الحلم العربي الذي طال أمده ليس سيريالياً كما اعتقدنا بل واقع سوف يتحقق ولو بعد حين.

تعليق واحد

  1. (تقوم نهضة الشعوب بعناصر اساسية لا غنى عنها أولها العدالة الاجتماعية والتي ينبثق عنها عنصر لا يقل أهمية وهو التحرر السياسي وعدم عبادة الأشخاص أو الأنظمة الحاكمة .. فالضامن الحقيقي لنهضة الأمم هو وعي الشارع العام وبدونه ستتوه الحقيقة في غياهب المجهول ) ي معلم العالم اتجاوز مسالة الاثنية والقبلية والمناطقية واصبح يتكلم عن الانسان والانتماء للانسانية العرب ما زالو يحلمون ويتوهمون امجاد فاشلة لا قيمة لها العرب اذا لم يتحررو من الاثنية والدخول في الانفتاح علي الانسانية سيظلون في ذيل الامم اين الرومان اي الفرس اي السلاجقة كلهم اندمجو في الانسانية واصبحو شعوب لها قيمة واحترام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..