“تلودي” على حافة الهاوية: الموت يحصد أرواح المواطنين وسط التدهور الكارثي

في مشهد ينذر بكارثة بيئية وصحية، يعيش سكان منطقة التقولا بمحلية تلودي، بولاية جنوب كردفان، على وقع صدمة جماعية بعد تفشي إسهالات حادة قاتلة يُرجّح أنها ناجمة عن التلوث بمادة السيانيد المستخدمة في أنشطة التعدين بالمنطقة من قبل منظومات عسكريه متعدده.
وخلال الأيام الثلاثة الماضية، أُغلق سوق التقولا بالكامل، بعد ارتفاع عدد الوفيات إلى أكثر من ثلاثين شخصًا، بينما تجاوزت الإصابات 150 حالة، أغلبهم من الرجال، إلى جانب عدة حالات إجهاض بين النساء، حيث تبدأ الأعراض بإسهال حاد لا يستمر أكثر من يومين قبل أن تنتهي بالموت، ما جعل الأهالي يصفون ما يحدث بأنه موت سريع مجهول السبب.
ثورة تلودي
وتلودي هي عاصمة مديرية جبال النوبة أيام الاحتلال الانجلبزي، وقد شهدت ثورة في العام 1906م، ضد مامور المديرية حينها إبراهيم ابورفاس، هو مأمور مصري اسمه (ذكي بك واصف) واشتهر بلقب (أبورفاس) وقد أعتبرت أوئل حركات المقاومة الوطنية ضد المستعمر، وهي مسقط رأس البطل عبدالفضيل الماظ احد ابطال حركة اللواء الابيض، وبذلك تعتبر مدينة تلودي مدينة ذات ارث تاريخي كبير في النضال ضد الظلم والتهميش. وقد اعاد مواطنو تلودي اليوم تلك الأمجاد رغم القبضة الامنية التي تعيشها المدينة، الإ إنها انتفضت في مظاهرات إحتجاجية ضد استخدام مادة السيانيد ذات السمية القاتلة من قبل شركات التعدين التي وصفوها بشركات الموت.
هروب المدير التنفيذي
تحولت المدينة الي بركان غضب، وحاول المواطنين المحتجون، تسليم مذكرة احتجاج إلى المدير التنفيذي بالمنطقة، إلا أنهم لم يجدوه بعد أن غادر موقعه، وبحسب روايات شهود عيان تحدثوا لصحيفة”إدراك”،ثم توجه المحتجون إلى مقر الشركة المتهمة بالتسبب في التلوث وهي تقع بالقرب من الحاميه العسكريه فلم يجدوا سوى شخصًا واحدًا حاول إطلاق النار قبل أن يفرّ أمام غضب الجماهير.

مـافيا المـوت
يقول رئيس لجنة مناهضة السيانيد، محمد ابراهيم الخليفة في حديثه لـ”إدراك”، إنه في خلال الستة اشهر الماضية حازت شركات لقوات المشتركة(مناوي وجبريل وطمبور) بجانب شركات لكتيبة البراء بن مالك واخري للقيادي بالمؤتمر الوطني، ادم الفكي علي مربعات للتعدين بمحلية تلودي، وقد احاطت بهذه الشركات إجراءات امنية مشددة، تمنع المواطنين من الإقتراب منها، حيث تحرسها مجموعات من عناصر المشتركة وكتائب البراء بن مالك، وهي بجانب التعدين تقوم بتجنيد الشباب عبر الإغراءات مستقلة الظروف الإقتصادية التي يعاني منها المواطنين.
ويضيف الخليفة، إن غياب رقابة الشركة السودانية للموارد المعدنية لهذه الشركات، جعلها تستخدم المواد المحصورة دولياً مثل مادة السيانيد، محذراً من «كارثة إنسانية وبيئية» تهدّد الإنسان والنبات والحيوان، وكل ما من شأنه تدمير البيئة المحيطة بالإنسان في تلودي، تتمثل فيما أطلق عليه الكارثة الكبرى بواسطة “مافيا الموت”.
الكارثة الإنسانية
قبل ثلاث ايام، نقلت صحيفة “إدراك”، عن مصادر طبية وفاة حوالي (23) مواطن وإصابة (150) آخرين في ظروف غامضة.
ويقول طبيب بمستشفي تلودي، فضّل حجب إسمه لدواع امنية، إن الإصابات التي وصلت للمستشفي لاتشبه اعراض الكوليرا، مؤكداً تعرضهم لمواد ذات سميات ضارة، موضحاً بأن املاح مادة السيانيد تتغكك ببطء ويمكن ان تنتقل لمسافات بعيدة، عن طريق الامطار. مما قد ينذر بكارثة بيئية كبيرة، متوقعاً انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث البيئة، في وقت انهارت فيه البنية الصحية في المحلية بسبب الحرب.
وأضاف الطبيب، إن مدينة تلودي تحولت الان لمقابر، حيث اصبح المواطنون يموتون في الطرقات لصعوبة وصلوهم للمستشفي، كما إن الحالات التي استقبلتها المستشفي، توفي معظمها بعد يومين، مشيراً الي ان الامر اصبح خارج السيطرة الصحية.

براميل الموت
وتحصلت الصحيفة، علي صور حصرية تُظهر براميل كيميائية ضخمة، تحمل علامات شركة صينية يُعتقد أنها الجهة التي استوردت مادة السيانيد المستخدمة في التعدين قرب القرى السكنية والتي لا تتجاوز الكيلومترين، حيث يقول الخبير البيئي الدكتور تامر سعيد في حديثه لـ”إدراك”، إن الوضع في منجم التقولا عبارة “تلوث كيميائي غير مسيطر عليه”، مؤكدًا أن السيانيد من أخطر المواد التي يمكن أن تدخل جسم الإنسان حتى بكميات صغيرة، وأن تسربها إلى المياه أو التربة يحوّل المنطقة إلى بؤرة موت بطيء، مطالباً بتشكيل لجنة طبية وبيئية مستقلة فورًا لفحص عينات المياه والهواء والتربة، محذرًا من أن استمرار الصمت الرسمي يعني القبول بمجزرة بيئية مكتملة الأركان.