
في حال توصلت الرباعية الدولية إلى اتفاق سلام دائم بين طرفي الحرب في السودان، سيجد الوطن نفسه أمام فراغ سياسي خطير نتيجة لتشظي القوى المدنية وتراجع ثقة الشارع في النخب التقليدية. وفي مثل هذه اللحظة التاريخية الحساسة، لا بد من بروز البديل الوطني الحقيقي القادر على انتشال البلاد من مستنقع الانقسام إلى برّ الأمان والاستقرار.
ذلك البديل ليس الأحزاب ولا المليشيات ولا الطامعين في السلطة، بل هم خبراء السودان في كل التخصصات: العلماء، الأكاديميون، المهندسون، الأطباء، القانونيون، الاقتصاديون، والمبدعون من داخل الوطن ومن المهاجر والشتات. إنهم وحدهم القادرون على بناء مشروع وطني عقلاني، قائم على العلم والخبرة لا على الولاء والجهوية.
ولتحقيق ذلك، يجب أن ينهض هؤلاء الخبراء من الآن لتشكيل ورش تخصصية في كل مجال، تضع الخطط العلمية والعملية لإدارة الدولة في مرحلة السلام. ومن داخل هذه الورش تُختار حكومة خبراء وطنية — وزراء ورئيس وزراء — يتم انتخابهم انتخابًا داخليًا من زملائهم في كل تخصص، لا بالتعيين السياسي ولا بالمحاصصة. وما يُميز هذا المشروع أنه قابل للتنفيذ السريع والفعّال، إذ يمكن لهؤلاء الخبراء التواصل والالتقاء بسهولة عبر شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الحديثة، مما يتيح عقد ورش عمل واجتماعات دورية افتراضية بين الداخل والخارج، ويُسرّع من بلورة البرامج والخطط العملية دون عوائق المسافة أو البيروقراطية.
بهذه الآلية الشفافة والعلمية، ستجد هذه الحكومة تأييدًا شعبيًا واسعًا لأنها تمثل كفاءة الوطن لا انتماءاته الضيقة، كما سيحظى مشروعها بدعم المجتمع الدولي الباحث عن شريك مدني موثوق لبناء سودان جديد قائم على المعرفة والحوكمة الرشيدة.
إنها لحظة مفصلية تتطلب شجاعة فكرية ووطنية…
فإما أن ينهض الخبراء لإنقاذ وطنهم،
وإما أن يملأ الفراغ الانتهازيون وأعداء الشعب.