مقالات وآراء

قراءة نفسية سياسية في شخصية البرهان القائد الممزق بين الخوف والسلطة

اكرم إبراهيم البكري

من رحم الأزمات تولد الشخصيات الهشة التي تتقن البقاء أكثر مما تتقن القيادة عبد الفتاح البرهان ليس استثناء في ذلك ولم يخرج من هذا النمط فهو ابن الدولة السودانية التي لم تحسن تعريف ذاتها منذ الاستقلال لا هي مدنية ولا هي عسكرية، لا عربية ولا إفريقية دولة غير واعية بهويتها ولا بمعنى وجودها على الكوكب .
في مثل هذه الفوضى تكون الضابط الذي لا يملك مشروع، بل يتكيّف مع من يملك القوة في اللحظة الآنية ومن هنا يصعب علينا ان نصف البرهان بانه قائد او حاكم بل هو البديل المؤقت للفراغ رجل الواجب اللحظي ، او كما تسميه الأحزاب ( كادر العدم )
يري فرويد ان الانسان اسير لعقده الاولي وان علاقة الابن بالأب تترك اثر عميق في النفس ومن هنا يمكن ان نفهم السلوك السياسي للقادة فالأب عند فرويد ليس شخص بذاته وانما هو رمز للسلطة العليا التي تتماهي معها الذات وتخافها في الوقت نفسه ،وفي حالة البرهان يتمثل الأب في المؤسسة العسكرية المصرية التي احتكرت رمزية الجيش العربي النموذج فمنذ ان تخرج البرهان في بيئة عسكرية مشبعة بالتأثير المصري ظلت القاهرة حاضرة في لا وعيه كصورة الاب القوي الذي يجب ارضاءه لذلك يبدو لنا ان تبعية البرهان لمصر نفسية اكثر من كونها سياسية فحين يتحدث مع المسؤولين المصريين يتقمص لغة الخضوع، وحين يعود إلى السودان يحاول أن يعوض هذا النقص بتمثيل البطولة أمام جنوده.
ولعمري انها الدونية النفسية التي تولّد تناقضات الرجل في مواقفه، وتجعله يتبدل خطابه حسب الجمهور والمكان، في محاولة دائمة لإرضاء الأب الخارجي وتسكين الشعور بالنقص الداخلي
حين بدأ البرهان يشعر بانسلاخ شرعيته الوطنية بعد انقلاب 2021، بحث في لا وعيه عن اب جديد يعيد اليه الأمان والتوازن النفسي الذي فقده وفي بحثه هذا وجد في الإسلاميين ما يحتاجه فتحالف معهم لا عن قناعة دينية او لتحقيق مشروع سياسي، بل كآليه نفسية تعويضية ، فالإسلاميين منحوه ما لم يجده في ذاته شعور بالقوة والانتماء حتى ولو زائفا وتملقاً ، الاخوان المسلمين لهم باع طويل في صناعة الاصنام ولهم خبره ودراية في لعبة السلطة والظل .
تحالف البرهان مع المؤتمر الوطني المنظومة البائدة تحالف قائم على الحاجة النفسية لا على المصلحة السياسية ، فكما يهرب الابن من قسوة اب متجبر الى أحضان الشارع
هرب البرهان من عقدة الأب المصري إلى حضن الإسلاميين الذين وعدوه بالشرعية والولاء
لكن هذا التحالف سرعان ما كشف هشاشته، لأن القاعدة التي بُني عليها كانت الخوف لا القناعة، فتحالف الخوف لا يصمد اطلاقا كما لا يصمد الايمان الذي يولد من القهر .
حين اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع، انكسفت أعماق البرهان اكثر من اى وقت مضي فالرجل وجد نفسه امام مواجهة وجودية تمثل صراع نفسي رهيب بين صورتين متناقضتين صورة الضابط صورة الضابط المطيع للاب المصري وللمؤسسة العسكرية التقليدية وصورة القائد الوطني الذي يحاول ان يثبت استقلاليته وشجاعته وفى هذا الصراع سلك البرهان سلوك الحائر مرة يقاتل بضراوة كمن يريد اثبات ذاته ومرة اخري يتحدث عن التفاوض كمن يريد ان يهرب من ذاته

حروبه الإعلامية، خطاباته متذبذبة، تحالفاته المتناقضة كلها علامات على صراع داخلي بين هو والانا الأعلى حسب فرويد.
ولنا ان نعلم بان الحرب بالنسبة للبرهان ليست فقط معركة سياسية، بل مرآة لذاته
ومن هنا يمكننا ان نفهم تردده، وغموض خطابه، وإدمانه المحتمل للمشروبات الروحية بوصفه هروب من الوعي إلى الغياب.
شخصية البرهان ليست حلة فردية، بل تجسيد درامي لانقسام الدولة السودانية نفسها
فكما أن السودان يعيش بين العروبة والأفريقانية، وبين الدين والدولة، يعيش البرهان بين الأب المصري والإسلاميين، بين السلطة والضعف، بين التبعية والاستقلال هو مرآة لبلد فقد بوصلته فانجب قائد بلا بوصلة ، فحين ننظر الى البرهان فاننا في الحقيقة نري ازمة القيادة في السودان متجسدة في جسد واحد ، جسد يرتدي البدلة العسكرية ليخفى خوفه ويتحدث منافقا عن الوطنية ليغطي تبعيته ويقاتل خصومه ويهرب من نفسه.
يمكننا تلخيص شخصية البرهان من خلال منهج التحليل الفرويدي ومكيافيللي
هو ضابط يعيش عقدة الأب المصري، ويبحث عن خلاصه في تحالفات الأب البديل، يحكم السودان بيد مرتعشة، ويقاتل خصومه كمن يقاتل ظله
تحالفه مع الإسلاميين ليس سياسة، بل علاج نفسي مؤقت لعقدة العجز والدونية
وحربه ليست دفاع عن الدولة بقدر ما هي محاولة لإقناع نفسه بأنه ما زال يملك السيطرة
وفي النهاية البرهان ليس الأسد الذي يخشاه الجميع، ولا الثعلب الذي يخدعهم، بل مجرد (عسكري ) تائه وضائع بين اللاوعي والقدر ونهايته سوف تكون بشعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..