مقالات وآراء

دولة 56، 1956.. أم دولة 98، 1898؟!

الحسن النذير

في السنوات الأخيرة، بعد ثوررة ديسمبر المجيدة، كثر الحديث حول ما يسمي “دولة 56″، كتعبير عن تهميش أو ظلم وقع ولا يزال، علي ما يعرف بالقطاع التقليدي أو قل “الأقاليم”، في بقاع السودان المختلفة، وبصفة خاصة في دارفور كردفان، جبال النوبة، الشرق وجنوب النيل الأزرق؛ وللغرابة يستثني مستخدموا هذا المصطلح “دولة 56″، يستثنون المناطق الواقعة علي النيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل، ويسمونها  “الشريط النيلي”؛ يستثنونها من الظلم والتهميش برغم ان “جل” تلك المناطق يعاني من الفقر وشح الخدمات وتردي البنية التحتية، بنسب متفاوته نوعأ ما، لكي نكون أقرب إلي الحقيقة.
 التساؤل المشروع والملح هنا: لا يتعلق بالتخلف والواقع المذري الذي تعيش فيه المناطق المشمولة في القطاع المعني بالتهميش، أو بمعني آخر القطاع التقليدى، لأنها فعلا تعاني من واقع مذري لا يمكن إنكاره. لكن السؤال الواجب طرحه، هنا: ما هو سبب هذا الواقع ومن يقف ورائه؟  هل هو صناعة الدولة التي قامت في 1956؟ أو بطريقة أكثر وضوحأ، نظام الحكم في البلاد بعد خروج المستعمر؟ لكن،  قبل الإجابة علي هذا السؤال، نطرح سؤالأ آخرأ: هل ظهر القطاع التقليدي، أو المهمش، سمه كيف شئت، هل ظهر أو همش بعد خروج المستعمر، أي في 1956، حتي نقرنه بهذا التاريخ؟ نحن هنا لا نريد بأي حال من الأحوال، الدفاع عن نظام الحكم الذي أتي بعد 1956، فالطريق الذي سارت فيه البلاد بعد خروج المستعمر، لا يمكن الدفاع عنه. لكن ليس من الصعب إدراك، حقيقة أن نشأة “الإزدواجية القطاعية”، كما  سماها آرثر لويس في بداية خمسينات القرن الماضي، أي نشأة ما يسمي بالقطاع الحديث، الذي ينعم بخدمات تعليم، صحة، كهرباء،  مياه، طرق معبدة الخ…، مع ترك مناطق أخري، “قطاع تقليدي”، محرومة من كل ذلك.
نشأة هذا الوضع في الواقع، ترجع للمستعمر، الذي أتي بغرض نهب ثروات البلاد، حيث أسس في السودان، مشاريع زراعة القطن – للتصدير الي مصانع النسيج في إنجلترا- في وسط البلاد، وما  تبعها من قنوات ري، طرق، سكك حديدية، ومدارس لتخرج الكوادر الوسيطة للإدارة. ورغم إهمال القطاع التقليدى وحرمانه من الخدمات الاساسية، إلا أنه لم يسلم من النهب؛ وعلي سبيل المثال نذكر هنا بنزيف الموارد  والثروات الطبيعية مثل الصمغ والماشية، تجاه القطاع الحديث، بغرض التصدير بالدرجة الأولي. وصارت العلاقة بين القطاعين، ذات اتجاه واحد، حيث لايرجع شئ من عائد الصادر للإستثمار أو التنمية في القطاع التقليدي. بلغة أخري، تستنزف موارد وثروات القطاع التقليدي دون مردود يساعد في تطوير القطاع  أو تحسين حياة سكانه. هذا هو مصدر البلاء،  “دولة 98″، أي الاستعمار هو الذي تسبب في خلق هذه العلاقة الشائهة بين القطاعين. ولما استقل السودان في العام 1956، وبرغم أن أغلبية أعضاء البرلمان آنذاك أتت من دوائر القطاع التقليدي في كردفان، دارفور، شمال وشرق البلاد حيث النفوذ الطائفي لأحزاب الأغلبية آنذاك. برغم ذلك، لم تطرح الحكومات الوطنية أي برامج تنموية ذات وزن، للنهوض بالقطاع التقليدي.
يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..