حقيقة “مفاوضات” الجيش والدعم السريع في واشنطن .. وخطة الكيزان/الجيش المؤجلة!

منعم سليمان
لغط وشائعات وأخبار هي خليط من الرغبات والرفض والأمنيات والخوف، انتشرت منذ الأمس – ولا تزال – عن مفاوضات تجري في واشنطن بين وفدين من الجيش وقوات الدعم السريع، تحت رعاية الإدارة الأمريكية.
وما بين مكذب يهوى الإنكار ومصدق يفرط في التفاؤل، تاهت الحقيقة وسط غبار الحرب والدعاية. فالفريق الأول المساند للكيزان من جماعة (بل بس)، الذين يستثمرون في معاناة السودانيين، يجهدون في تكذيب كل بادرة أمل، بينما الفريق الآخر، وهو الشعب المنهك، لا يملك سوى التعلق بأي خيط من الأمل يوقف آلة الموت التي طحنته بلا رحمة، وهو لا يلام في إفراطه في التفاؤل، فقد بلغت الروح الحلقوم.
الحقيقة أن لقاءً – (لا مفاوضات)- قائم بالفعل الآن في واشنطن، ويتم مع وفدي الجيش والدعم السريع، كل على حدة لا مجتمعين، وأنهما قبل وصولهما قد اطلعا على أجندة الاجتماع، الذي لا يتناول أي قضايا سياسية أو ملفات الحرب والمحاسبة كما يتردد في الميديا، بل يقتصر على بند واحد فقط لا غير: *إقرار وقف لإطلاق النار لأسباب إنسانية بحتة*، يتيح مرور المساعدات إلى الملايين من السودانيين العالقين بين الجوع والمرض وانقطاع الدواء، من الخرطوم وأم درمان حتى دارفور، ويمكن أن يتطور لاحقًا إلى وقف دائم لإطلاق النار يؤدي إلى إنهاء الحرب.
إذن، ليس في الأمر صفقة سياسية ولا تسوية كبرى، ولا مفاوضات مباشرة بين الوفدين، بل مسعى لإنقاذ الأرواح المعلقة بين السماء والأرض.
المجموعة الأمريكية التي تدير الحوار مع الطرفين مجموعة فنية، ليست لها التفويض في مناقشة أي قضايا أخرى مع الوفدين الآن، بل تركز معهما على مناقشة اتفاق مؤقت وعملي، أعدت مسودته مراكز أمريكية وأوروبية، رسمت خريطة دقيقة لتنفيذ الهدنة على الأرض، في انتظار أن تتهيأ الظروف لحوار أوسع تشرف عليه اللجنة الرباعية المعنية بالملف السوداني، والتي يُنتظر أن تتواصل اجتماعاتها في واشنطن في الوقت ذاته.
أما اللغط والضجة التي أحاطت باللقاء، فقد كشفت أكثر مما أخفت. فالتضخيم الإعلامي والتكذيب الرسمي المتسرع من بعض أطراف ما يسمى بمجلس السيادة في بورتسودان، كانا مقصودين ومفهومين.
إنكار المجلس للقاء يأتي في سياق لعبة سياسية مزدوجة، تتعلق بأوضاع الجيش الذي يعلم الجميع – حتى قائده- بسيطرة الكيزان عليه، مع محاولته مسايرة التيار العالمي الذي تقوده أمريكا لوقف المعاناة الإنسانية التي خلفتها الحرب.
الجيش هنا يسبح مع التيار ويحاول تقديم نفسه بصورة الطرف المرن الساعي إلى السلام، دون أن يقدم أي دليل على تخليه عن نيته في السيطرة على الحكم بمشاركة الكيزان، مؤجلاً للأزمة لا حلاً لها.
خطة الجيش تقوم على المرحلة المقبلة، مرحلة الحل السياسي، حيث يتم إغراقها بالكيزان وواجهاتهم وبالمليشيات وجماعات “الموز” وغيرهم من القوى المعادية للديمقراطية، لعرقلة أي محاولة لعودة القوى المدنية الديمقراطية الحقيقية، وبالتالي قطع الطريق أمام المسار المدني الديمقراطي.
وتقف معه في ذلك، بل وتخطط له، قوى إقليمية معروفة، لها مصالح في السودان المنبوذ المعزول والمحاصر والكسيح، لا السودان المدني الديمقراطي القوي الذي يحظى باحترام العالم وتقديره ووقوفه معه.
وبالتالي، فإن هذه المرحلة بالنسبة للجيش تعد مرحلة “استراحة مخادع”، سيعيدوننا بعدها مرة أخرى إلى المربع الأول، مربع الحرب. وهذا المخطط يتم بالتنسيق مع الكيزان، لا ضدهم كما يتوهم البعض.
الأهم الآن ليس من التقى أو من أنكر، ولا من يخفي أو يضمر، بل أن تتوقف الحرب، فحياة السودانيين مقدمة على أي شيء آخر، وهذا ما ظلت تردده وتنادي به القوى الديمقراطية باستمرار.
المهم أن تُفتح الممرات الإنسانية أمام الغذاء والدواء والماء، وأن يُسمع صوت الضحايا بعيدًا عن ضجيج البنادق. فمهما اشتد الخداع وتلونت الأجندات، تبقى الحقيقة الساطعة أن هذه الحرب التي أشعلها الجيش/الكيزان قد دمرت السودان، وقتلت وشرّدت وأفقرت وأمرضت شعبه، وأن لا منتصر في هذه الحرب سوى الموت والدمار والجوع والمرض.



