على هامش التقاء القوتين المتحاربتين كلٌّ على حدة بالرباعية التي تقودها الولايات المتحدة
د. أحمد التيجاني سيد أحمد

مقدمة
كثر القول، وكثرت التكهنات.
حتى إنني استمعتُ البارحة إلى مجموعة إسفيرية تجاوز عدد المشاركين فيها ٤٥٠ شخصًا، وظلت تناقش لأكثر من أربع ساعات موضوع اللقاءات المنفردة التي تُعدّها الرباعية (الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة) مع طرفي الحرب في السودان.
كانت النقاشات خليطًا من التحليل والظنون، توغلت وتكهّنت، أضافت واختصرت، أنكرت وبالغت، لكنها في مجملها عبّرت عن اختلافٍ مدمر في ما يمكن اعتباره حقيقة أو خيالًا لشعبٍ ممزق.
والحقيقة، كما أراها من موقعي في تحالف تأسيس السودان، هي أن ما يُسمّى اليوم بـ«جيش البرهان» ليس جيشًا وطنيًا بالمعنى الدستوري، بل تحالف مليشيات متنافرة جمعتها بقايا ما أسقطته الثورة الديسمبرية من إرث التمكين الإسلامي القديم، وتستمد بقاءها من ماضٍ يرفض التغيير.
أما قوات الدعم السريع، فهي — رغم ما يحيط بها من التباسات ومآخذ، أو ما يُثار حولها من سوء فهم متعمّد — إحدى القوى المكوّنة لتحالف تأسيس السودان، وقد أعلنت منذ البداية التزامها بخيار التحوّل المدني والسلام الدستوري، بما ينسجم مع رؤية التأسيس.
تحالف تأسيس السودان: الفاعل الغائب الحاضر في مفاوضات الرباعية
في خضمّ اللقاءات التي تستضيفها واشنطن بين الرباعية وكلٍّ من ممثلي الجيش وقوات الدعم السريع، يبرز تحالف تأسيس السودان كـ الفاعل الغائب الحاضر في المشهد السياسي — الغائب عن الطاولة شكليًا، لكنه الحاضر في جوهر الفكرة، وفي منطلق الحل الذي تسعى إليه الرباعية ذاتها.
فبينما يتحرك ممثلو الجيش بوصفهم حراسًا لهيكلٍ متهالك، ويشارك ممثلو قوات الدعم السريع باعتبارهم قوةً ميدانية تسعى للتحوّل السياسي، فإن تحالف تأسيس السودان هو الإطار المدني الوحيد الذي يملك رؤية دستورية متكاملة لبناء الدولة ما بعد الحرب — دولة القانون والمواطنة والعدالة.
لقد أدركت دوائر القرار في واشنطن أن أي اتفاقٍ لا يُفضي إلى قيام سلطة مدنية دستورية سيظل هشًّا، وأن دستور التأسيس يقدم النموذج الأكثر واقعية لذلك التحوّل: تحوّلٌ يُعيد تعريف الأمن الوطني بأنه أمن المواطن أولًا، ويُوحّد السلاح تحت جيش الدستور، ويضمن الممرات الإنسانية المفتوحة، والعدالة الانتقالية غير القابلة للمساومة.
إن تحالف تأسيس السودان ليس طرفًا ثالثًا بين جيشٍ ودعمٍ سريع، بل هو الطرف المؤسِّس للحلّ نفسه، وصاحب الرؤية التي تلتقي حولها كل محاولات إنهاء الحرب وإطلاق عملية السلام الإنساني.
خاتمة تحليلية: بين اللقاء المنفصل والرؤية الموحّدة
ما يجري الآن في واشنطن دي سي ليس مؤتمرًا تفاوضيًا شاملاً، بل لقاءات منفصلة تعقدها الرباعية الدولية مع كلٍّ من طرفي الحرب على حدة: لقاء مع ممثلي الجيش السوداني (تجمّع المليشيات التي تدين بولائها للبرهان ولإرث الحركة الإسلامية)، ثم لقاء آخر مع ممثلي قوات الدعم السريع — وهي القوة الوحيدة من داخل تحالف تأسيس السودان التي ما زالت قائمة ميدانيًا وتحمل التزامًا معلنًا بخيار الدولة المدنية.
هذه اللقاءات المنفصلة لا تُنهي الحرب بحد ذاتها، لكنها تُمهّد للنتيجة الأهم التي توافقت عليها الرباعية وأطرافها الدولية، وهي:
إيقاف غير مشروطٍ للحرب في السودان، وتقديم العون الإنساني الكامل خلال فترة لا تتجاوز تسعين يومًا (٩٠ يومًا) من ختام لقاءات واشنطن دي سي.
وهو ما يتوافق تمامًا مع خطة السلام الإنساني العاجل التي يقود تنفيذها في الداخل السوداني الوزير عزالدين الصافي رئيس الهيئة الوطنية للوصول الإنساني، بتنسيقٍ مباشر مع شركاء الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية.
إنّ هذه الخطوة، إن اكتملت، ستكون أول انتصارٍ حقيقيٍ لروح الثورة ومبادئ التأسيس — إذ تُعيد توجيه البوصلة من صراع البندقية إلى حماية الحياة، ومن مشروع السلطة إلى مشروع الدولة.
فاللقاء المنفصل في واشنطن، مهما اختلفت أطرافه، سيظل ناقصًا ما لم يُتوَّج بلقاءٍ سودانيٍ جامعٍ على أرضية جديدة تُقرّ بأن زمن الوصاية العسكرية قد انتهى، وزمن التأسيس المدني قد بدأ.



