25 أكتوبر.. زمن الأخطاء

كتب محمد الفكي سليمان – عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق
مثل انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، ذروة سنام الأخطاء الوطنية والسياسية والعسكرية وكشف ضعف قدرة القيادة الانقلابية على تقييم الموقف داخلياً واقليمياً ودولياً ،مايُعرف بـ ” تقدير الموقف عند العسكريين ” .
على المستوى الوطني قطع الانقلاب الطريق أمام التعافي الوطني وانحسار خطاب الاستقطاب الاثني والاجتماعي وبفعل المفاوضات المستمرة والتسويات التي ادارتها حكومة الفترة الانتقالية صمتت أصوات البنادق لأول مرة منذ فترة طويلة وبدأت البلاد تتطلع لطي صفحة المجموعات المقاتلة تحت مظلة جيش مهني واحد .
أما على المستوى الاقتصادي بدأت الخطة الاقتصادية القاسية التي اطلقتها الحكومة الانتقالية تأتي أً كلتها بسرعةٍ مذهلة حيرت حتى المراقبين الدوليين وفي ظرف نصف عام استقر سعر الصرف لأول مرة منذ انفصال الجنوب وذهاب البترول جنوباً وبدأت الاستثمارات تتدفق نحو البلاد وأصبحت الحواضر الإقليمية مزدهرةً بفعل الإنتاج وهجرة الناس تلقاء سنار ،القضارف ، الأبيض آملين في فجرٍ جديد .
على المستوى السياسي لم يكن الشارع مُستقبلاً لفكرة الانقلاب بل أن الخطابات التي سار بها قادة الانقلاب أتاحت لقوى الحرية والتغيير استعادة زمام المبادرة وتعبئة الشارع لحماية الحكم المدني وكانت شعبية قوى الحرية والتغيير قد تراجعت كثيراً بفعل اختبار الحكم المدني والإجراءات الاقتصادية الصارمة التي اتخذتها حكومة الفترة الانتقالية ،ولكن مع التهديد المباشر للحكم المدني نزلت قيادات الحرية والتغيير للشارع الذي أوضح بجلاء أنه وإن كان مختلفاً مع قوى الحرية والتغيير في أشياء محددة إلا أنه لن يسمح بالانقلاب على المسار الانتقالي المُفضي إلى الانتخابات واستكمال المدنية . لكن الأجهزة الأمنية استمرت في تغذية قيادة الانقلاب بالتقارير المضللة مؤكدةً أن الانقلاب سينجح وصادفت هذه التقارير رغبة قادة الانقلاب في اكمال مشوارهم بالاستيلاء على السلطة وإزاحة المدنيين الذين أعاق أدائهم تمرير كثير من المطامع العسكرية .
وحجبت تلك الرغبة المتطابقة مع التقارير المغلوطة حقائق سياسية لاتحتاج رؤيتها إلى عدسة مكبرة وهي أن كل الشعب متوحد يرفض استيلاء العسكريين على السلطة .
على المستوى العسكري يعتبر انقلاب 25 أكتوبر أول انقلاب عسكري يحدث في السودان والقيادة العسكرية غير موحدة إذ أن القرارات التي اتخذها البرهان إبان حكم المجلس العسكري حررت قوات الدعم السريع بالكامل عن الجيش وفي اجتماع 18 يونيو 2021 تحدث البرهان بصوتٍ مسموع أمام الحاضرين بأن تحرك الدعم السريع على الأرض في كثير من الأحيان لا يكون بتنسيق مع الجيش وأنه كقائد عام لا يعلم بالضرورة تحرك هذه القوات وقد كانت لحظة حديثه هذه مزلزلة للجميع لأنه كشف للقيادة المدنية لأول مرة أن البلد بها جيشين فعلاً لا يوحدهما إلا التفاهمات المستمرة بين القائدين وأنه إذا حدث أي اختلاف بين القائدين فإن سلامة البلاد سوف تكون في امتحانٍ حقيقي لذلك ظلت القوى المدنية تقدم تنازلات بصورة مستمرة من أجل الحفاظ على هذا التوازن الحرج وفي الوقت الذي تمتعت فيه القوى المدنية بنظرةٍ استراتجية ثاقبة وصبر لا ينفد على الاستفزازات المتتالية خشية انفلات هذا التوازن الحرج غابت هذه التقديرات عن القيادة العسكرية التي يفترض أنها أكثر علماً بحكم المعلومات المتدفقة عليها . ووجودهما داخل هذه الأجهزة لسنوات طويلة وأن مخاطر القيام بانقلاب عسكري في ظل تعدد مراكز القوى العسكرية مغامرة محفوفة بمخاطر سرعان ما أثبتت الأيام صدقيتها وبعد يوم واحد من الانقلاب حدث التباين بين قياداته ثم تسارعت الأمور وصولاً إلى الحرب ولم تستطع القوى المدنية لعب دورها بفاعلية كما كانت في السابق نتيجة لمحاصرتها بالاعتقالات والاختراق والتقسيم الذي استمرت الأجهزة الأمنية في تغذيته .
في يوم 25 أكتوبر وبعد أربع سنوات إذا كتبت القيادة العسكرية للانقلاب ورقة ” تقدير موقف ” لابد أنها ستكون تحت عنوان كتاب محمد شكري ” زمن الأخطاء ” .



