الصلح خير… ولكنهم اختاروا البشتنة والفضائح!

حسن عبدالرضي الشيخ
كلمناكم — وقلناها ألف مرة — الصلح خير، لكنكم أبيتم إلا أن تسلكوا طريق الخراب والدمار، طريق “البشتنة” و”الفضائح” و”الانسحابات التكتيكية” الكاذبة التي لم تخدع حتى الأطفال. قلنا لكم إن الحرب ليست شرفًا ولا بطولة، وإنما فضيحةٌ تتلوها أخرى، وهزيمةٌ تجرُّ أختها، وخسارةٌ تمتد من بارا إلى الفاشر، ومن الفاشر إلى كل دارفور وكردفان، وربما إلى ما وراءهما من أرضٍ مكلومة.
أيها البرهان، أيها القابض على الخراب باسم “السيادة”، هل بعد كل هذا الدمار ما زلت تظن أنك تحفظ البلاد؟! إن ما تحرسه اليوم ليس السودان، بل أطلال وطنٍ يذوب تحت قدميك. كم من بيتٍ تهدم، وكم من طفلٍ تيتم، وكم من أمٍّ جفت دموعها ولم تجد قبرًا تبكي عليه!
وأنتم يا كيزان الخراب، يا من زرعتم الفتنة ثم خرجتم علينا بثوب “الوطنية” الكاذبة، أتظنون أن الشعب نسي من أشعل النار أول مرة؟ أنتم من أفسد السياسة، وخرّب الجيش، وأدخل الدين في معارك السلطة، ثم تركتم الشعب بين أنياب الحرب والجهل والجوع.
وأما حركات دارفور التي تحوّلت من قضية عادلة إلى شركات حربٍ ومرتزقة سلطة، فأنتم اليوم تشاركون في جريمةٍ كبرى ضد الأرض التي أنجبتكم. كنتم تدعون انكم صوت المظلومين، فصرتم طبولًا للظالمين. صرتم تتقاتلون على فتات كراسي وحقائب، بينما يموت الناس عطشًا وجوعًا في المخيمات.
وأما الفلول والبلابسة من هنا وهناك، ممن يعيشون على إشعال الفتن بين المدن والقبائل، فاعلموا أن التاريخ لا يرحم، وأن ساعة الحساب قادمة لا محالة. الشعب المغيّب عمدا، اليوم، قد يصمت، لكنه لن ينسى. سيأتي اليوم الذي يسألكم فيه: “باسم من قتلتمونا؟ وبأي حق سرقتم أحلامنا؟
”كل هذه “الانسحابات التكتيكية” ما هي إلا هزائم متلاحقة، واعتراف بالعجز المقنّع. ما يحدث في بارا والفاشر وسائر دارفور وكردفان ليس “تكتيكًا”، بل انهيارًا أخلاقيًا وعسكريًا وسياسيًا، لا ينجو منه أحد.
إن الصلح خير، وقد قلناها من قبل، وسنقولها ما دام فينا نفس. ولكن من يسمع؟ من يجرؤ أن يوقف الجنون؟ من يملك شجاعة أن يقول “كفى”؟
لقد أضعتم الوطن بين أوهام القوة وأكاذيب الانتصار، وأدخلتموه في نفقٍ لا آخر له. ومع ذلك، ما زالت بارقة الأمل هناك — في وجوه الجائعين الذين يتقاسمون الرغيف، وفي قلوب البسطاء الذين ما زالوا يؤمنون أن السودان يستحق حياة أفضل.
أوقفوا الحرب قبل أن لا يبقى أحد ليُوقِفها



