
لم تسقط الفاشر كما يزعمون؛ بل سقطت الأكاذيب التي غلفوا بها الخراب منذ اليوم الأول. سقطت دعاوى البطولة الزائفة التي ارتداها تجار الحرب كأزياءٍ فوق جبنهم، وسقطت أبواق الإعلام التافه التي صوَّرت الخيبة مجداً والانكسار نصراً. سقطت الأماني المريضة التي تغذت على أوهامٍ كـ«الانسحاب التكتيكي» و«إعادة التموضع» و«الكرامة الوطنية» بينما الوطن يُمزق شبرًا بشبر.
سقطت فرية فك حصار الفاشر التي استُخدم فيها المواطنون دروعًا بشريةً بيد حركات الارتزاق وجيش الفلول.
سقطت أوهام «حكومة الوهم» الخائبة التي يصفها “حريص الوزراء” زورًا بـ«حكومة الأمل».
سقط استهبالُ وزير الإعلام “الأعيسر” وسقطت منشوراته السطحية على فيسبوك، حيث يمارس فيها “خربشاتٍ” من المراهقة السياسية.
لم تسقط الفاشر؛ بل سقطت الرجولة حين صار القتل بطولة، وسقطت الكرامة حين تحولت دماء الأبرياء إلى ورقةٍ في لعبة السلطة. سقطت الدعاية السوداء التي خدعت العقول وسممت الوعي، وسقطت أكاذيب الكيزان التي نُسِجت ليلًا طويلًا باسم الدين والوطن. سقطوا في نظر كل سوداني غُرّر به، وفي عين كل أم صدقت أن أبناءها يُضحّون من أجل «الشرف» بينما هم وقود في محرقة الطغاة.
لم تسقط الفاشر؛ بل سقط مشروع الكذب من جذوره، وتهاوت الأساطير التي شُيِّدت فوق ركام المدن والقرى. اليوم ينكشف المستور، وتظهر الحقيقة عاريةً كما رآها العارف منذ زمنٍ بعيد، حين نبّه بأن هذه الأرض لن تُطهّر إلا باقتلاع جذور الشر من باطنها — اقتلاعًا لا يترك لهم أثرًا ولا صوتًا. سيُقتلعون من أرض السودان اقتلاعا كما تُقلَع شتلةٌ من جذورها، ونُطهّر تراب الوطن منهم ونلقى بهم خارج الحدود — هكذا قال من العارف.
هذه ليست نهاية مدينةٍ فحسب، بل إشارة النهاية لحكمٍ بغيض صنعته الخيانة وباركته عمائمٌ كاذبة. إنها لحظة سقوط كل ما هو زائف في هذا الوطن الجريح، وبداية صحوة ضميرٍ جديد لا يساوم ولا ينسى.
فلتبكِ الفاشر إن شاءت، ولكن لتبكِ فرحًا؛ لأن سقوط الأكاذيب أعظم من سقوط الحصون، ولأن انكشاف الحقيقة هو أول الطريق نحو فجرٍ لا مكان فيه لجنرالٍ أو دجّالٍ أو كذّابٍ يختبئ باسم الله.



