مقالات وآراء

الفاشر.. عندما تُحاصر المدينة بخطاب البنادق وصمت الضمير

زهير عثمان حمد

بين أنقاض المدينة وهدير المايكروفونات، لم تعد الفاشر مجرد مدينةٍ تحاصرها الرصاصات، بل تحاصرها الكلمات. في مشهد مأساوي تتداخل فيه الجبهات الإعلامية مع العسكرية، تتحول المدينة إلى “رمز” تُعلّق عليه الشعارات، وتُصفّى فيه الحسابات، بينما تُدفن الحقيقة تحت ركام التضليل والإيديولوجيا.

الفاشر اليوم ليست معركةً عسكرية بالأساس، بل مسرح سياسي. الحركات المسلحة الدارفورية لم تذهب إلى المدينة فقط لساحة قتال، بل لحماية حضور سياسي لها ضمن المعادلة السودانية، مستفيدة من الأسلحة المخزنة خلال سنوات النزاع السابقة، ليس لتدمير خصومها، بل لضمان أن يكون لها دور على الطاولة السياسية.

الفاشر.. ليست معركةً عسكرية، بل ساحة للمكاسب السياسية

المدينة، التي يعيش فيها أكثر من 800 ألف نسمة نصفهم نازحون، لم تعد مجرد جغرافيا، بل رصيد رمزي لكل الأطراف:

بالنسبة للحركات المسلحة، السيطرة على الفاشر تمثل بطاقة تفاوضية في مستقبل التسوية السياسية.

كل شارع ليس مجرد جبهة، بل قاعدة نفوذ، وكل حي يُحتل يعطي للحركة وزناً سياسياً أكبر.

القتال في الفاشر لم يكن فقط لتغيير خطوط الجبهة، بل لتثبيت دور هذه الحركات كـ “لاعب أساسي” في أي تسوية مستقبلية، مع احتفاظها بالقدرة على التأثير على القرار السياسي المركزي.

الإعلام بين التضليل والتخوين

بينما تحاصر “الفاشر” بالسلاح، تحاصرها آلة إعلامية ضخمة خطاب يحوّل المعاناة الإنسانية إلى أداة لترويج الانتصارات العسكرية.
أصوات مستقلة، محاولة لرواية الواقع، تتعرض للتخوين والهجوم.

الإعلام، بهذه الطريقة، يختزل المدينة في صراع بين طرفين، ويطمس دور الحركات المسلحة الدارفورية كممثلين لمطالب سياسية تاريخية، ليس كرؤوس حرب فقط.

التخوين كسلاح سياسي

أي صوت يطالب بوقف القتال أو ينقل مأساة المدنيين يُتهم بالانحياز لطرف ضد آخر. هذه الممارسة تحوّل الدفاع عن المدينة إلى ورقة ضغط سياسية، وتُخفي الهدف الحقيقي للحركات المسلحة: الحفاظ على وجودها السياسي في المستقبل.

الفاشر.. اختبار الضمير الوطني

إن المطالبة بوقف القتال ليست تواطؤاً، بل انحياز للحياة والإنسان.
الحركات المسلحة الدارفورية، بأسلحتها المخزنة وخبرتها، أظهرت أن القتال ليس هدفاً ذاتياً، بل أداة لتحقيق تمثيل سياسي وتأثير مستقبلي، أي أن المدينة أصبحت مسرحاً للتفاوض قبل أن تكون ساحة قتال.

الفاشر، بهذا المعنى، مرآة تعكس خيبة المشروع الوطني حين تُصادر البنادق صوت الإنسان، وحين تتحول المنابر الإعلامية إلى أدوات تمويه بدلاً من منابر للحقيقة.

السؤال المفتوح

هل ستصبح الفاشر نقطة تحول في وعي الإعلام والسياسيين تجاه الحياة أولاً والسلطة ثانياً؟ أم ستبقى مجرد صفحة مأساوية أخرى في سجل السودان، تُضاف إلى سابقاتها ثم تُنسى؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..